“أنا أسكن ضاحية بيروت الجنوبية” نصوص تفتقد الهوية وتفتقر النضج وتفتعل الكتابة !


كتب // جهاد أيوب


الكتابة ليست سجناً لنظريات، ولا نمطية الخبريات، بل هي رياح متمردة تؤمن بأشرعة التغيير، والكتابة ومضة من ضوء، وليس كل ما نكتبه يستحق النشر، وليس كل ما نفكر به يدخل في الإبداع والجديد والتجديد، وحينما نقرر أن نفرضه على القارئ لكوننا نعتقد أننا نختلف عن الجميع، ولكوننا نكتب ما لا نفهمه يجب أولاً أن نمتلك أدوات التمرد في الكتابة، والكتابة في التمرد حتى لا نكون نسخة عن غيرنا، ومجرد حالة عابرة لا تؤثر!
أو نحاول أن نتفلسف بحجج أن الحرية الكتابية للجميع، ولاغين بذلك ابسط أمور الإبداع وحضوره في الحياة، أي مبتعدين عن الخصوصية بالأسلوب وبالتبسيط والعمق معاً، وبكيفية معالجة الفكرة الاساس حيث ندور من حولها دون التطرق إلى عمقها، أو ندخل العبثية دون فهم لها، وهذا هو ضعف في اكتساب الثقافة الخصوصية والفهم، والأهم من كل ذلك وفي كل ذلك أن نفهم أن الفلسفة تطرح أسئلة، والكتابة فلسفة الاسئلة، والأدب يطرح السؤال داخل القضية، ويحاول فلسفتها، وليس شرطاً أن يقدم أجوبة في كل ما طرحه، والاهم في فعل الكتابة الإبداعية ان نحرك الفكر، وقد نوصله إلى فعل الرفض الثورة والبحث!
هذه الحالة ضرورية أن يتعرف عليها من يشعر بوجود موهبة الكتابة والصوت لديه، وإلا يصبح كل ما يكتبه مجرد ثرثرات عابرة حتى لا نقول فارغة …فارغة المضمون رغم استخدام الحروف العربية، ويحجرها الفراغ، ويهجرها الأسلوب بعد أن أصبحت القراءة ارتجالاً لثقافة افتراضية متعمدة من وهم ليس أكثر، فالكتابة الإبداعية لا تُعلم بل تثقف، ولا يستطيع أي أحد أن يفتح دماغ الآخر ويسكب عبر إبريق من فخار ماء الإبداع، وبعد ذلك يقول له” إذهب أنت تمتلك ناصية الكتابة الفكرية الإبداعية”!


اسوق هذا الكلام بعد أن قرأت كتاب ” أنا أسكن ضاحية بيروت الجنوبية – مربع من ملح دائرة من ماء” عن دار “المجمع الإبداعي”، والكتاب عبارة عن مجموعة قيل عنها قصصية عبر 196 صفحة لخريجي ورشة الكتابة الإبداعية – الجيل الثالث لكل من بشرى زهوة، و محمد الصغير، وجيهان حمود، ونور يونس، وحسين شكر، ودانيا النجار، اهلا ضاهر، وفهد عصمان وربى اليوسف، وسارة نجدي.
في البداية حاولت أن أقرأ قصص من تفضل وأهداني الكتاب، اتصال تلفوني أوقف القراءة، لأبدأ بعد ذلك بقراءة المجموعة من باب الفضول، وإذ اصدم بما هو يفرض ان يكون مجموعة قصصية منوعة لشباب يعانون في مساحة عربية ضيقة!
لغيت الأسماء، وانطلقت بالقراءة والبحث في كتاب لا يستغرق ساعة في مطالعة لا تقدم أي سؤال، أي طرح، أي مضمون وأي قضية، وأي خصوصية!


وحتى لا ارتكب فعل التسرع قررت إعادة القراءة للمجموعة في وقت لاحق لأكتشف أن ما هو مكتوب لا يستحق في مجمله أن يطرح في كتاب، هو عبارة عن تنفيذ الدرس من أجل الحصول على علامة فقط! كتابات متشابهة لا خصوصية فيها، ولا تمتلك الامضاء المتفرد كما لو كان الكاتب لجميع القصص هو واحد، الحبكة واحدة، النهاية موحدة في طريقة الاستخدام كأننا في صف ابتدائي يلزمنا برسم معلومات 1 + 1 = 2 وهذا لا يصلح بالمطلق في الكتابة الإبداعية، بل يُنجح الطالب في الامتحان المدرسي، وينقله إلى مرحلة أو صف آخر لربما بعد مشواره الطويل يصل إلى مرحلة التخرج، وما يقدمه من امتحاناته قد توضع في ملف، وتسكن الرف كإشارة إلى فعل التعلم والتعليم، وكم يتخرج من المدارس والمعاهد والجامعات ولكن المبدع والمتميز قلة قليلة!

التلطي!

والمستغرب تلطي الغالبية قبل الولوج بنصوصهم تحت عباءة افكار لكتاب كبار يشهد لهم بالتمرد أمثال حنا مينا، وإحسان عبد القدوس، وعبد الرحمن الأبنودي، وغسان كنفاني، ومحمد الماغوط، وأحمد فؤاد نجم، ونبيل فاروق، ومن نص الفيلم “النمر الأسود”، ونص فيلم “علاء الدين”، و أحمد العايدي، وجورج برنارد شو!
حملوا أقوال هؤلاء كعناوين انطلقوا منها، وهذا خطأ كبير قد يستخدم لمرة من باب الدلالة الثقافية، ولكن أن ينطلقوا منه فهي قيود تسجن صاحبها، لآن الانطلاق من الآخر إلى الذات هزيمة، بل الانطلاق من الذات المتمكنة إلى الآخر هو الانتصار والهوية، ولو أن فكرة أو كتابات هذه الأسماء عولجت داخل النص وليس في العنوان لكانت النتيجة أفضل وأقوى دون شك، واطفت قيمة على النص والمعالجة، وهذا إذا وجدت معالجة، وللأسف غالبية النصوص لا تصل إلى معالجات تحسب!

ثرثرات

ما قرأته لا يصلح لكتاب كي يُقرأ من قبل الجميع، هو عبارة عن ثرثرات خاوية من الحدث، تعتمد على وصف المكان، ومشغولة بانشغالات ذاتية لا تخرج عن حدود ضيقة تشبه ما يعانيه الفن التشكيلي العربي وتحديداً اللبناني حيث يقدم رسم زاوية في المنزل والزهرة وبعض التفاصيل الحياتية الضيقة للفنان الرسام دون التطرق إلى إشعال فكرة أو طرح قضية، وهذا ناجم عن التعدي والتسلية وتفريغ ما في داخل كل فرد من عقد ومشاكل تسببها حياتنا المعاصرة والمشغولة بالكذبة، ولم يعد التشكيلي والقاص هو الماسك بالعالم بل يعتقد أنه هو العالم، وهو المحور، لذلك لا يجد إلا حاله كي يعبر عن وصف لحاله، وتفاصيلة الشخصية التي لا تعني ولا تفيد، وليست وجهة نظر بل اغتيالات لوجهة النظر!
وهذه النصوص المجموعة تفتقر إلى إسلوب يخص كل من كتب، وهذا لا يخدم كتابة القصص بالمطلق، ربما يستخدم كوصف إنشائي في كتابة الرواية الكلاسيكية القديمة من أجل زيادة عدد الصفحات، ولكنها دون شك لا تخدم المتابعة والسرد الانفعالي مع القراءة، بل هي سرد لمجرد السرد!
الكتاب عبارة عن كتابة مدرسية تقريبية لحالات تقريرية في زمن يعاني من قحط في القراءة، وفي زمن السوشال ميديا حيث الكل يكتب دون معرفة ماذا يكتب فقط للمشاركة في التواجد دون ترك اي أثر، فالتعدي على مقامات وحدود الكتابة أصبح واقعاً بحجة الحرية، والحرية من دون موهبة مجرد انتهاكات للكتابة في زمن انفعالي سريع مسجون في لعبة التواصل الاجتماعي الذي نعبر عنه عبر صفحات السوشال ميديا، وهذا يولد افتعالآت الكتابة كما ارتكاب الذنوب كما حال ما قرأت!
في سطور بشرى زهوة عبر أربعة نصوص، وحسين شكر عبر أربعة نصوص، وهلا ضاهر عبر ثلاثة نصوص نجد محاولات مختلفة نوعاً ما عن المجموعة الورشة الصف، محاولات تحاول الخروج من الدائرة التي فرضت عليهم، وأغلقت نوافذ تحررهم، واعاقد الصوت والاختلاف، ولو أتيحت لهم فرصة ثانية لإعادة ما قدموه عبر كتابة حرة سيجدون ضالتهم المختلفة عن ما قدموه في نصوصهم، وسيكتشفون أن لديهم موهبة مغايرة كلياً قد توصلهم غبر القراءة الحرة، والمتابعة خارج الذات، والتصالح مع الطبيعة، وعشق الطفولة والحياة والوصف توصلهم إلى خصوصية الكتابة، والفرادة والاسلوب الذي يميز هذا عن ذاك، وإعادة كتابة ما قدموه في هذا الكتاب…ادعوهم إلى كسر القيود والتحرر حينما يقررون الكتابة!

شاهد أيضاً

البيسري استقبل الحشيمي وقصارجي ومحفوظ

  استقبل المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري ، في مكتبه في مقر …