أدباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

محمد فقيه، إبن بلدة طيردبا الجنوبية. عضو الهيئة التأسيسية ورئيس منتدى المستقبل الثقافي.

  • حائز على:
    -شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية.
  • شهادة اعداد في الادارة التربوية.
  • شهادة في تعزيز القيادة التربوية.

مؤلفاته: “القصصي في شعر شوقي بزيع”، “البناء القصصي ودلالاته في الشعر العربي الحديث والمعاصر” “الحياة الأدبية في بلدة طيردبا العاملية خلال مئتي عام” “قرية على جناح القصيدة وهو قيد الطباعة”، “فاكهة السؤال – شعر”

قلمٌ رقراق، يفيض ببلاغة التعبير ويهدي القارئ باقةً من المعاني التي تضجّ بحلاوة المعنى .

الدكتور محمد فقيه:
هل تأخرت كثيرًا في إكتشاف هذا الواقع المؤلم؟!!

*حدثنا عن بداياتك في مجال الكتابة، وكيف تصف تجربتك؟

لم أبدأ الكتابة عن هبوط الإنسان على سطح القمر، ولا عن تغيّر المناخ ولا عن إمكان وجود حياة على سطح المريخ إنما كتبت على  الورق مشاعري التي لم استطع أن أبوح بها لحبيبتي التي كانت تشاركني مقعد الدراسة وعن معلمي الذي شدّني من أذنيّ- مع أنني كنت متفوقا بدراستي –  بسبب رسالة الإعجاب التي سقطت مني تحت مقعد الصف ذات حلم وتأمل في وجهها وعن أمي التي تأخرتُ منذ لحظة ولادتي مدة ثلاث سنوات أو أقل بقليل لكي أشكرها على ما كابدته من أجلي وعن أبي الذي كان ينهض قبل اندلاع الصباح وصياح الديك لكي يقلّم أظافر الأشجار ويتفقّد أوراق الأزهار ويحضّر المسرح لزقزقات العصافير. هي عادة معظم من كتبوا أن يبدأوا الكتابة عن  مشاعرهم وسيرتهم الخاصة وعن الدائرة الضيقة التي نشأوا فيها وعن الحياة الأولى التي عاشوها مهما كانت صغيرة إلا أنها تبقى جديرة بأن تحكى للآخرين.

*القراءة في خطر.
من المسؤول برأيك، هل القارئ مجحف بحق الكتاب أو انّ ما يُقدّم له ليس على مستوى ذائقته؟

يقول الكاتب الروماني شيشرون:”بيت بلا كتب جسد بلا روح” بلادنا للأسف تعاني جفافاً ويباساً حتى تكاد تلفظ الانفاس الأخيرة فهذه إحصاءات القراءة في الوطن العربي وفقاً لتقرير اليونسكو تبيّن أن أعلى نسبة أمية في العالم تتواجد في الوطن العربي.

لقد سقط شعار “خير جليس في الأنام كتاب” بضربة التخلف وتغطّى بقشور الحضارة-فرع وسائل الاتصال والتواصل وصار من الماضي. ومع الانحياز إلى الربح السريع والاستهلاك المفرط والبعد عن الانتاج والتعلم النمطي القديم وارتفاع  منسوب الضغط على الانسان العربي المعاصر واغلاق نوافذ الحريّة التي يتنفّس منها  وغياب الاهتمام الرسمي-امام هذا كلّه هجر الانسان العربي الكتاب وعزف عن القراءة، فتحجّم وتجمّد وتهمّش وأصبح  تحت عجلة الزمن متسوِّلاً  ثقافة  تافهة ضحلة يابسة وغير قابلة للحياة.

*أنت رئيس منتدى المستقبل الثقافي. حدثنا عنه وعن أبرز النشاطات التي ساهمتم في تقديمها على الساحة الثقافية؟

منذ ثلاثة عقود أشرق نور المستقبل في نادينا، أزهر الحلم واستفاق الأمل الواعد بالغد المشرق، انطلق نادينا وشكّل عنواناً أساسياً من عناوين الصمود ودليلا ًمن دلائل الإصرار على الحياة  كم عبّر معالي وزير الثقافة آنذاك المرحوم ميشال إده الذي افتتح مركز النادي في٦ أيار سنة ١٩٩٣ وكنا باشرنا أنشطتنا قبل ذلك بثلاث سنوات فتجسّد نادينا مع مرور الأيام أعمالاً استمرت وتطورت واتسعت دائرتها. وها نحن بعد ثلاثين عاماً ننظر بفخر وارتياح إلى حصاد نادينا الذي تنوّع وتلوّن وتجسّد واحة مزهرة بالندوات الشعرية والفكرية واحتفالات التكريم وحلقات الحوار  والتوعية والدورات التدريبية والتعليمية والانشطة الشبابية والبيئية الأمر الذي تكشّف عن طاقات وتفتّح عن قدرات ومواهب راحت تحلّق في سماء الإبداع ولمعت منها أسماء خطّت قصصاً وحكايات على جبين الشمس وسماء الابداع.

*هل مستقبل اللغة العربية بخير، سيّما أنها تتعرّض لهجرة غير مبرّرة من الجيل الحالي بحجة العولمة؟

اللغة لا تحلّق وحيدة في فضاءات الأوهام ولا تسكن في سجون الأبراج ولا في الغرف المغلقة، بل هي مرآة أحوال الناطقين بها وصورة صادقة عنهم  تحيا في عقولهم وقلوبهم وأحوالهم وتعكس أوضاعهم السياسية والثقافية والعلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية…وفي وقت تهاجر فيه الأدمغة من بلادنا العربية تخسر اللغة خيرة أبنائها وفي وقت تغزونا وسائل وادوات التواصل المصنّعة في بلاد الغرب والشرق ينفصل أبناؤنا عن لغتهم ويمنحونها حيزًا أقل في أيامهم ولياليهم وفي وقت لا يجد فيه الكاتب أو المبدع هواءً نقياً في بلاده يتنفس لغة حية في بلاد أخرى. المشكلة ليست في لغتنا، المشكلة في داخلنا، فإذا كنا أمواتاً ماتت فينا وإذا حيينا تحيا فينا وإذا نهضنا من كبوتنا تزهر وتورق وتضيء من جديد.

*كيف يستطيع الكاتب أن يكون عامل تغيير لكثير من الموروثات التي رسّخت التفرقة والتناحر في المجتمع؟

عندما يمتلك الكاتب الجرأة والصدق في التعبير ويكون مخلصاً لقضيته وذكياً في أسلوبه وشجاعاً في الدفاع عن رأيه فإن صوته سيصل وتأثيره سيكون  بدرجةٍ ما أعلى، من هنا يتميز بعض الكتّاب بتأثيرهم الفعلي على القارئ، وحركة المجتمع وسياسة الدولة إضافةً للمتعة أو الفائدة اللغوية أو الميزات الفنية التي تتّسم بها أساليبهم الأدبية. ويعتمد هذا، بطبيعة الحال، على شعبية الكاتب، وموضوعات كتاباته، وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه. ولا يخفى التأثير الفكري للكتّاب والفلاسفة على الناس وعلى الظروف المؤدية لقيام الثورات وتصوير بؤس الحياة  وتعب الكادحين والتحريض على الظلم و الطغيان لتتحول الكتابة إلى أداة توحيد للجهود وتغيير للواقع ويتحول ما يكتبه الكاتب إلى نواة تطوير للمجتمع ويدفع القرّاء الذين يتناولون تلك الكتابات بإتجاه حياة جديدة.

*كيف تلخّص لنا الحياة الأدبيّة في بلدة طيردبا العامليّة خلال مئتي عام؟

طيردبا بلدتي التي تشرف على بحر صور، بلدة جميلة تشبه قرى وبلدات الجنوب اللبناني، لها في التاربخ بصمات وفي التأليف آيات، هي أرض الشعر والشعراء، جذوة الفكر فيها لا تنطفىء وشعلة الأدب لا تخمد، كانت سبّاقة في افتتاح المدارس في جبل عامل منذ العام ١٨٤٣، وكانت لعلمائها إسهامات في النهضة العلمية والأدبية ومعظمهم نظم الشعر وقد ركّزت في كتابي “الحياة الأدبية في بلدة طيردبا العاملية خلال مئتي عام” على الكتّاب والشعراء ومساهماتهم الأدبية شعراً ونثراً  ابتداء من الشاعر الشيخ مهدي مغنية المتوفى سنة ١٨٤٣ مروراً بالشاعر واللغوي الشيخ جعفر مغنية المتوفي سنة ١٨٦١ والذي كان عالماً فاضلاً مشهوراً في العلوم العربية ماهراً في طريقة التعليم والشاعر واللغوي الشيخ موسى مغنية والشاعر الشيخ محمود مغنية والعلامة الشاعر الشيخ حسين مغنية الذي  رثاه الشيخ موسى شرارة العاملي في قصيدة طويلة مطلعها:

جبل هوى في عامل فتزايلت
في كل ناحية له أجبالها
تنعى الشريعة كهفها وعمادها
من في يديه حرامها وحلالها

وصولا إلى الشيخ محمد جواد والشيخ خليل مغنية والشيخ محمود مهدي وباقة من شعراء وشاعرات وكتّاب ونقّاد بلدة طيردبا المعاصرين.

*الأحداث المتسارعة التي تتحكم بأدق تفاصيل حياتنا، كيف أثّرت عليك؟ هل أغدقت عليك الأفكار أم انّ ما يجري يحبس حتى أنفاس الأقلام؟

تحسست ذاتي منذ أيّأم فوجدتني في ندم وحسرة على وطن يشبه “العصفوريّة”،  فجأة غادرني الفرح وغادرته دون سابق أنذار، طلّقت الدهشة وفقدت الاهتمام، لم أكن يوماً عقيماً إلى هذا الحد ولم أكن أحسب حساباً لهذه النتائج الوخيمة ولم اعوّد نفسي على توزيع الخسائر.  منذ متى حدث ذلك؟ -لا يهم-، المهم اني أرسم حالياً ضحكات مزوّرة وأنطق كلمات باهتة مجروحة وأخطو خطواتي إلى الوراء.. هل تأخرت كثيراً في اكتشاف هذا الواقع المؤلم؟ لا أدري. ما أعرفه هو انني بت أشعر بالغثيان وأنا أشاهد بعض الحكّام وهم ينفثون الكلام المرّ على وجوهنا من وراء الشاشات وصور الجنازات التي عبرت أو ستعبر الطريق بعد كل سوءة من سوءاتهم الكثيرة، ولا أدري أمام هول هذه الكارثة هل أنا في حلم أم في كابوس، وكل ما أطلبه الآن هو أن يرميني أحدهم  بوردة لأعثر على ما فاتني من دهشة وسلام وأعيد إلي احلامي  المهاجرة.

*بالرّغم من سياسة تهميش الأدب والثقافة، إلا أنّنا نرى نتاجًا وفيرًا وفي شتى المجالات.
لماذا يُعتبرُ المثقفُ خطرًا على بيئته ويتمّ إبعاده ونفيه كما جرى مع كثيرين؟

إنه سلاح الكلمة الموقف يدافع به المثقف عن الحرية والعدالة وينافح به عن القيم الانسانية العليا التي ينشدها، إنه يرسم عالماً مثالاً يلوّح به ويلوّنه بألوان الدهشة بعيداً من فداحة الواقع ويقبض على جمر الامل  بأن يكون الغد أجمل وامام هول الواقع المرير تكبر الهوة السحيقة التي تفصل بين خطاب المثقف والحالة السياسية التي يعيش في ظل قسوتها ولأنه يعرف أكثر من غيره يتألم أكثر  ويجرّب لعب دور البطولة الذي إن تخلى عنه يكون كمن يرتكب فعل الخيانة فهو لا ينخدع باستسلام، بل يندفع أكثر تحت وابل الترهيب، وفي أحياناً كثيرة تحت سيف البطش فيدفع الأثمان الباهظةإذا تبيّن ان إسكاته غاية بعيدة المنال.

*أترك لك الختام في نص تختاره لقراء كواليس

أحب كثيرا هذا المقطع الذي أخاطب به شجرة معمّرة امتدت لها يد الانسان:

“أوصيكم بالأشجار
إنها أيادي من رحلوا”

من ذا يقطع أصابعك صبح مساء
ويكشف حضنك الدامي للغرباء؟
من يغادرك اليوم؟
يغدر بك
انت المطعونة بالسهام!
أسمعك الآن:
لا تتركوني وحيدة
في العراء
أصارع الموت الزؤام
صوتي اليوم نشيج
نصفي تحت التراب
ونصفي الآخر يقاوم
يلوّح للشمس
لصمت العابرين
أحفاد من مروا ذات نهار
وتفيأوا ظلي القديم
ناموا على نغم الحفيف
ثم أنكروني قبل صياح العاصفة!

شاهد أيضاً

بري والحريري وسلام ووزراء ونواب وشخصيات سياسية وحزبية ونقابية ودينية من مختلف المناطق اللبنانية هنأوا العمال في عيدهم العالمي

إعداد وتنسيق مدير التحرير المسؤول: محمد خليل السباعي توالت ردود الفعل من شخصيات سياسية وحزبية …