لبنان سجن … تُديره عصفوريّة

طعان حبشي

فرار حوالي السبعون سجيناً من أحد السجون اللبنانيّة المُعدّة لايواء المتهمين الموقوفين احتياطيّاً على ذمة التحقيق ، هي سابقة لم يشهد لها لبنان مثيلاً خلال كل تاريخه ، وهؤلاء المساجين وبشوقٍ للحريّة فرّوا من السجن الصغيرليجدوا أنفسهم في السجن الكبير ، خمسة منهم أنتقلوا من الحياة الى الموت ،والبعض الاخر أعادهم أهلهم الى السجن مُفضلين السيء على الأسوء ، والباقي لا تزال القوى الامنيّة تُلاحقهم مُتخفين هنا وهناك دون أن يطرأ على حياتهم أي تحسُّن سوى المساحة الواسعة لسجنهم الجديد . نعم صحيح انّ السجن الذي هربوا منه كان سالباً لحريتهم ولكنه وبالرغم من رداءته فقد كان يُقدِّم لهم أقله بالحد الادنى العديد من الخدمات الانسانيّة ، وله الكثير من الفوائد ، كعدم الاستغراق باغراءات الدنيا ، والبعد عن الفتن والمعاصي ، والتكفير عن السيئات .                                أمّا لبنان السجن الكبير فماذا يقدِّم لشعبه المسجون لا شيىء فهو محروم من كل الخدمات الاساسيّة من الماء من الكهرباء ، من التّعليم ، من ضمان شيخوخته ، من طمأنينته وأمنه فالموت يتربص به في كل زاوية بفعل الانفجارات والحرائق والتعديّات ، من الغلاء الفاحش الذي حوّل الضروريات الى كماليّات فحتى رغيف الخبز الذي هو لقمة الفقير يعيش المواطن الخوف والهلع يوميّاً من أن يُرفع الدعم عنه ، النفايات تملأ الشوارع وتزكّي بروائحها الانوف ، التلوث الذي طغى على بحره وأنهاره وأجوائه ، والارض مستباحة فالكلّ يسرح ويمرح من كل الجنسيّات يعتاشون من ما تبقى من خيراته دون رقيبٍ أو حسيب ، وقد أصبح عددهم يُناهز 35% من عدد سكانه ، وحدّث ولا حرج عن التهريب فالحدود سائبة ومفتوحة للمهربين والمستفيدين والمخربين ، وفوق كل هذا نزلت باللبنانيين الطامة الكبرى التي لم ولن يكون لها مثيل في العالم أجمع ألا وهي حرمان اللبناني من التصرّف بأمواله التي هي جنى العمر وقد ادّخرها بعرق الجبين ، وأصلاً لم يبقى لها أي قيمة أمام ارتفاع الدولار الجنوني ، وكذلك فقد أكتملت مأساة اللبنانيين بجائحة الكورونا وانعكاساتها .                                                                       

بالمقابل ماذا فعل المسؤولون للتخفيف من وطأة هذه المشاكل والمآسي والويلات التي أبتلى بها اللبنانيون ، ناهيك عن الاوضاع الاقتصاديّة التي أصبحت في غاية الصعوبة ، الجواب الذي يعرفه الجميع لا شيىء فعّلي وناجز له أي اثر ايجابي يُغيّر الواقع ، فهم يتربعون على رأس ادارة هرمة عفنة يسودها وينخرها الفساد ، النهب السرقة والقرصنة ، وتتآكلها المنافع والرشاوى، وتنهبها المصالح الخاصّة ، الصفقات والمحسوبيّات ، وتسوس المواطنين بمفاهيم مغلوطة وبالية من أدنى الهرم الى الوزير الذي يُديرها ، فلا مبرر لهم ولا شفاعة ، فهم مُصابون بالهوس العقلي والنفسي ان لم نقل بالمرض ، وليس من باب السخربة والتهكّم كم وكم من اللبنانيين المسؤولين الذين يُديرون هذا البلد يُغرِّد خارج حدود العصفوريّة ، وهم الذين دفعوا لبنان لأن يدخل كتاب غينيس للارقام القياسيّة كأكبر سجن في العالم مساحته 10452 كيلو متر مربّع.

شاهد أيضاً

قيادي في حماس استهدفته إسرائيل بين لبنان وسوريا… أحزاب البقاع دانته والداوود وصفه ب”الهزيمة الصهيونية”

أحمد موسى كواليس| استهدفت مسيرة إسرائيلية القيادي في حركة حماس شرحبيل السيد ومرافقه محمد رمضان …