الجنايات الدولية مستهدفة أمريكياً

كتب أحمد الشريف

لم يكن الكيان الصهيوني ليجرؤ على تحدي المجتمع الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية الملزمة وتجاهلها لولا الدعم الأمريكي ودفاع الرئيس بايدن المستميت عن أفعال قادة هذا الكيان وتبرئتهم من ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة

شاهدها العالم بأكمله على الهواء مباشرة، قد يقول البعض إن موقف الرئيس الأمريكي بايدن ناتج عن تعصبه لصهيونيته التي يتفاخر بها مع الكثير من أعضاء إدارته الديمقراطية وخاصة وزير الخارجية بليكن بالإضافة إلى استناده لصمت الحكام العرب الذين لم يحركوا ساكناً ولم تهتز لهم شعرة لما يجري في غزة لاسيما حكام الدول المجاورة للشعب الفلسطيني والذين كان ينتظر منهم فعل الكثير أو على الأقل السماح لشعوبهم لتعبر عن مواقفها المتعاطفة مع القضية الفلسطينية من خلال خروجها إلى الشارع في مظاهرات استنكارا لما يحدث في غزة ودعما للمقاومة الفلسطينية التي تدافع عن حقوق شعب فلسطين المشروعة، لكن الضغط الأمريكي على هؤلاء الحكام وتهديدهم بإزالتهم من على كراسيهم وتكبيلهم باتفاقيات سرية تشترط عليهم السير وراء ما يوجههم به السيد الأمريكي لم يجعلهم يكتفون بالصمت والتجاهل فحسب وإنما صرح بعضهم وبدون حياء أو خجل محملا المقاومة الفلسطينية وتحديدا حماس مسؤولية ما يجري ووصفها بأنها المعتدية على الكيان الصهيوني وإن ما قامت به إسرائيل من عدوان ظالم وبربري على قطاع غزة إنما هو دفاع عن النفس وفي مقدمة هؤلاء الحكام العميل محمود عباس الذي يطلق عليه رئيس السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقية أوسلو، بينما العديد من الشعوب الحرة في مختلف القارات سارعت أنظمتها إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل والاعتراف بالدولة الفلسطينية من بينها دول أوروبية هي في الأساس متحالفة مع الكيان الصهيوني ولكنها لم تحتمل ما يقوم به الصهاينة من جرائم إبادة جماعية في حق الأبرياء فسارعت إلى تغيير مواقفها انتصارا للحق والعدل وقد شدني تصريح وزير خارجية اسبانيا ردا على إغلاق إسرائيل للقنصلية الأسبانية في القدس الشريف حيث قال: إن قنصليتنا أقدم من دولتكم وهو مالا يجرؤ على قوله أي حاكم عربي مرتبط بأمريكا ومن المفارقات العجيبة والغريبة أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي كانت تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان وتعمل على معاقبة المجرمين من الحكام حيث دعمت القبض على أكثر من رئيس دولة وتقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمته وظلت تطالب بالقبض على الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير وغيره ممن صدرت في حقهم قرارات من نفس المحكمة نجد إدارة بايدن الديمقراطية الحالية تتنصل عن الاعتراف بمحكمة الجنايات الدولية وتهدد بفرض عقوبات عليها ومنع قضاتها من الدخول إلى الولايات المتحدة بحجة أن مدعي المحكمة طالب بإصدار قرارات قبض على عدد من المسؤولين الصهاينة في مقدمتهم نتنياهو لارتكابهم جرائم ترقى إلى الإبادة الجماعية في قطاع غزة يستحقون عليها المحاكمة الدولية ولم تكتف إدارة بايدن بالتهديد فحسب وإنما أصدرت بياناً وافق عليه مجلسا النواب والشيوخ تؤكد فيه أن أي قرار يصدر ضد مسؤول صهيوني أو ضد أي مسؤول من حلفائها يقع تحت الحماية الأمريكية سيعرض محكمة الجنايات الدولية لمختلف العقوبات وإن كانت أمريكا بهذا السلوك تعكس بصدق حقيقة الديمقراطية الأمريكية التي تريد أن تفرضها على العالم وتجعل منها أنموذجاً لإتباعه وبما أنها تحلل لنفسها ما تحرمه على الشعوب الأخرى فكيف يمكن أن تكون قدوة للآخرين، لقد جاءت أحداث فلسطين رغم ما يتخللها من كوارث ومآس يدفع ثمنها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية لتكشف كل العورات وتضع كل شيء كان مستترا تحت الطاولة إلى فوقها خاصة ما يتعلق بالإدارة الأمريكية التي أثبتت الأحداث أنها فعلا أم الإرهاب والسيف المصلت على رقاب الشعوب مستغلة قوتها وانفرادها بقيادة العالم خلال العقود الثلاثة الماضية بعد سقوط منافسها في الشرق الاتحاد السوفيتي، وخوفا من أن تعود الوريث روسيا الاتحادية لمشاركتها النفوذ في العالم سلطت عليها أوكرانيا لإشغالها حتى لا تبرز كقوة عظمى من جديد وصارت تشاغل الصين من خلال تايوان وتفرض عليها حصارا اقتصاديا لنفس السبب وهو الخوف من بروز الصين كقوة عظمى أيضا ستحد من النفوذ الأمريكي في العالم وتحجمه، ولكن بعد الدعم الأمريكي لإسرائيل وأوكرانيا والذي يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحرب في فلسطين وفي أوكرانيا ضد روسيا الاتحادية هي حرب أمريكية بامتياز وهي صاحبة المصلحة الأولى فيها بدأت الكثير من الدول والشعوب تستقل بقرارها وتفك ارتباطها بالإدارة الأمريكية بل أن التذمر من سياسة أمريكا التسلطية وصل إلى داخل أمريكا نفسها بدليل خروج طلبة عشرات الجامعات في مختلف الولايات الأمريكية مطالبين بوقف إطلاق النار في غزة ووقف الدعم العسكري والمادي الأمريكي لإسرائيل وهو ما سبب صدمة للإدارة الأمريكية حيث قامت الشرطة باعتقال المئات وفض بعض الإعتصامات بالقوة لاسيما أن مثل هذا التذمر ضد السياسة الأمريكية من الداخل يحدث لأول مرة منُذ حرب فيتنام في الستينات من القرن الماضي، ونعتقد جازمين أن أمريكا ممثلة في إداراتها المتعاقبة لا سيما الحالية تسير في الطريق الخطأ وأن ثقة حلفائها الأوربيين بها بدأت تتراجع بدليل أن دولا أوروبية قد سارعت إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وانتقاد بشدة ما يقوم به العدوان الصهيوني من إبادة جماعية في غزة دون التشاور مع المسؤولين الأمريكيين وهذا ما أزعج الإدارة الأمريكية وجعل الرئيس بايدن نفسه يقوم بانتقاد هذه الخطوات وقد رد عليه الرئيس الفرنسي ماكرون بأن فرنسا ستعيد النظر في علاقتها مع أمريكا بحيث تكون أكثر استقلالية في قرارها، ونشير هنا إلى أن مشاركة أمريكا في مجزرة النصيرات التي ذهب ضحيتها أكثر من مائتي شهيد معظمهم نساء وأطفال وأكثر من أربعمائة جريح واحتفالها بتحرير أربعة أسرى يهود دليل قوي على أن أمريكا هي التي تحارب في قطاع غزة وترفض إيقاف العدوان وليست اسرائيل، وما الجيش الصهيوني المشكل من مختلف مرتزقة العالم إلا أداة طيعة في يد الإدارة الأمريكية تحركه كيفما تشاء لينفذ لها أجنتدها المرسومة سلفا.

شاهد أيضاً

الاجتماع العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ( نيويورك): بدأ اغترابيا وانتهى سياسيا!

حسن علوش  لم تتجاوز “القيادة العميقة” للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم( نيويورك) عقدة الإنفتاح والتحرر …