تزول الدنيا قبل أن تزول الشام

كتب عمرو سالم

كنت في رحلة عمل في واشنطن في تشرين الأول عام 1994 قبل أن أكون وزيراً بأكثر من عشرة سنوات وقبل سفري إلى دمشق، دعاني الأستاذ وليد المعلّم رحمه الله تعالى على الغداء في بيت السفير السّوري. وحدث ما يلي

كان الرئيس كلينتون قد أعلن عن زيارة إلى الأردنّ من أجل توقيع المعاهدة بين الأردن والكيان الصهيوني.

وقد سرت إشاعات عن إمكانيّة زيارته لسوريّة، لكنّ اللوبي الصهيوني في الولايات المتّحدة بدأ بالضغط على البيت الأبيض لعدم القيام بتلك الزيارة التي لم تكن أعلنت بعد.

فاتصل البيت الأبيض بالسفير السوري الأستاذ وليد المعلم (الذي كان سفيرنا في واشنطن حينها) وطلبوا منه أن توجّه دمشق دعوةً للرئيس كلينتون لزيارتها. فكان جوابه بهدوء: الرئيس كلينتون يزور الأردنّ بزيارة عمل وليس زيارة دولة. وزيارات العمل لا تكون بناءً على دعوة وفقاً للبروتوكولات الدبلوماسيّة.

فطلبوا منه أن ترحّب دمشق بزيارة الرئيس كلينتون. فكان جوابه، كيف لنا أن نرحّب بزيارةٍ لم يعلنها البيت الأبيض؟

وبعد أخذ وردّ قالوا له: سوف نعلن الزيارة.

عندها بدؤوا ببحث تفاصيل البروتوكولات والمراسم المتعلّقة بالزيارة.

اقترحوا أوّلاً أن يكون لقاء الرئيسين في مطار دمشق الدّولي: فقال السفير ممازحاً:

اللقاء في المطار يتمّ عندما يكون رئيساً مارّاً فوق سوريّة وتهبط طائرته للتزوّد بالوقود، فيذهب الرئيس السوريّ للقائه في المطار وتحيّته كنوع من المجاملة. وحسب معلوماتي (والكلام للسّفير) طائرة الرئيس الأمريكي لا تحتاج للتزوّد بالوقود.

وبعد الاستشارات، طلبوا أن يتمّ اللقاء في قصر المؤتمرات. فكان جواب الأستاذ وليد أنّ المراسم السّوريّة تقضي بأن يتمّ اللقاء في قصر الشّعب تحديداً.

وبعد بعض الوقت وافقوا لكنّهم قالوا أن الرئيس سيحضر معه سيّارته.

فأجاب مباشرةً أنّ مراسم الاستقبال السوريّة آنذاك كانت تقضي بأن يكون الرئيس السوري باستقبال أي رئيس زائر في المطار، وليس من المعقول أن يركب الرئيس السوري بسيارة الضيف.

فكان جوابهم بأنّ الرؤساء الأمريكيّين يأخذون سيّاراتهم معهم في كلّ زياراتهم. فقال السفير، وفي سوريّة يقوم الرئيس السوري باستقبال جميع الرؤساء بسيّارته الرئاسيّة.

فقالوا: لو أنّ البابا قدم إلى سوريّة فهل ستمنعونه من استخدام سيّارته الباباويّة. فأجاب السفير ضاحكاً: إذا قدم فخامة الرئيس كلينتون وهو يلبس لباس قداسة البابا فأنا أعدكم بأن نسمح له باستخدام سيّارته.

فطلبوا وقتاً للاستشارة. ثمّ عادوا فقالوا لقد قرّر الرئيس كلينتون أن يهدي سيّارته إلى رئاسة الجمهوريّة العربيّة السّوريّة.

فقال لهم السفير، يجب أن ترسل السيارة مسبقاً لفحصها ووضع النسر السوري (العقاب) عليها.

فاتّفقوا على ذلك. ووصلت السّيّارت وعدد من سيّارات الاتّصالات رباعيّة الدّفع على طائرات شحن.

وعندما وصل secret service إلى دمشق، لم تعمل أجهزة الاتصالات والتشويش المركبّة عل سيّارات الدفع الرباعي. فاتّصل السفير الأمريكي وطلب مساعدة. فقدّمت المؤسسة العامّة للاتصالات ومركز البحوث والدراسات العلميّة أجهزة لاستخدامها.

وفي نهاية الزيارة قدّم الأمريكيّون سيّارات الاتصالات والتشويش ذات الدفع الرباعي هديّة أيضاً. وقدّموا شهادة شكر وتقدير إلى المؤسّسة العامة للاتصالات ما تزال موجودةً إلى الآن.

في النهاية، أقول أنّ قصة سيارة كلينتون ليست عادةً أمريكيّة بل قصّة عزّةٍ وكرامةٍ سوريّة لم تحدث مع الرئيس الأمريكي في أي بلد في العالم.

وهكذا كان تعامل سورية مع كلّ رؤساء العالم. قبلها وعندها والآن.

وهكذا كان الأستاذ وليد المعلم المبتسم الحازم الفخور بسوريّة والمحافظ على رفعتها…

شاهد أيضاً

رئيسي: أصغر عمل ضد مصالح إيران سيُقابل برد هائل وواسع النطاق

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، يناقشان الرد الإيراني على …