كينتسوغي … فن إصلاح الخزف وترميم الروح

بقلم هيام فرج

كعادته في كل عام قام قاموس أوكسفورد الإنكليزي هذا العام وتحديدا في شهر آذار بتوسيع معجمه ,فأضاف ألف كلمة جديدة منها ثلاثا وعشرين كلمة يابانية , تراوحت بين مصطلحات تستعمل في المطبخ الياباني كأسماء بعض الأطباق الشهيرة ,وبعض الكلمات الخاصة بأنواع الخيال الياباني الذي يعكس صورا متعلقة بالمغامرة والإستكشاف , إضافة إلى كلمات تتعلق بالظواهر الثقافية ككلمة ” كينتسوغي ” .
فلنحدد أولا ما هي أهمية قاموس أوكسفورد .
قاموس أوكسفورد هو مرجع في اللغة الإنكليزية , يتميز بتقديمه لمعاني وتاريخ الكلمات ويتتبع أصلها , ويشرح كيفية تغيرالكلمات و المعاني مع مرورالوقت .وهوأقدم قاموس في العالم حيث نشر للمرة الأولى منذ مئة وخمسين عاما .ولأن قاموس أوكسفورد لا تحتاج كلماته الجديدة إلى تاريخ ممتد الى قرون وإنما الى فترة زمنية تبدو مناسبة من خلال تكرار إستخدامها بما فيه الكفاية للإعتراف بها كجزء من اللغة الإنكليزية , تم تبني كلمة ” كينتسوغي ” من قبل قاموس أوكسفورد وتم منحها ” الجنسية الإنكليزية ” .
فما هو ال ” كينتسوغي ” ؟
” كينتسوغي ” هو فن إصلاح الأواني المكسورة بماء الذهب , من خلال تجميع القطع المكسورة وتعزيز الفواصل في ما بينها , فيبدو الإناء وكانه عمل فني جديد ومختلف , وهو متصل بفلسفة ” الوابي – سابي ” وهي فلسفة يصعب شرحها للحقيقة أو ترجمتها , وبالتالي يصعب إدراكها ثقافيا . لكنها تعبِر عن عمق التقدير للأشياء .
تعود جذور هذا الفن إلى القرن الخامس عشر تقريبا عندما كسر ” شوغون اليابان ” أي حاكمها في ذلك الوقت ” أشيكاغا يوشيماسا ” فنجان الشاي المفضل لديه من دون قصد فقام بإرساله إلى الصين يطلب إصلاحه , ولما لم تكن التقنيات المتبعة في الصين لإصلاح الأشياء تتناسب وإصلاح البورسلان , قرر ” الشوغون ” الإستعانة بحرفيين من اليابانيين . فكانت النتيجة قطعة فنية رائعة بخطوط وصل من ماء الذهب إرتقت بالقطعة الأصلية إلى منزلة الجوهرة . وهكذا تحول الضرر إلى جزء من تاريخ القطعة .
ما هي الحكمة من فن ال” كينتسوغي ” ؟
كما كل الفنون اليابانية يحمل فن ال” كينتسوغي ” فلسفة جمالية عميقة, ومعاني متعددة , فهي دعوة إلى “عدم التخلي عن الأشياء المكسورة ” فالمكسور لا بد وأن يمتلك قيمة ما . وفيه دعوة غير مباشرة الى محاولة إصلاح الأشياء فعندها قد نحصل على أشياء أكثر قيمة وأكثر جمالا ومتانة .
وكأن فن ” الكينتسوغي ” يحثنا من حيث لا ندري على إبتكار أدواتنا وطرقنا للتعامل مع الأحداث المزعجة أو الصادمة أو المأساوية بصبر وأناة ,وبطريقة إيجابية , فهذه التجارب تحديدا هي ما تجعل الشخص بهذه الفرادة وهذا التميز .فإذا به يعيد صياغة هذه الخبرات لتصبح طريقة للتشافي ,والإمتنان والمرونة وتقبل تحولاته , ليخرج منها مصقولا منسجما مع ذاته .
في هذا العالم حيث يلهث الجميع للوصول الى المثالية والكمال قد يبدو تمجيد الأشياء المحطمة غريبا , وفي عصر الإستهلاك والتخلي , يبدو إحتضان العيوب والندبات واعتبارها جزءا من الجمال بدل محاولة إخفاءها وتقبلها كجزء من الهوية, من الدروس الاساسية في الإنسانية , وخطوة بالغة العمق باتجاه التصالح مع الذات ومع الآخرين .
في رائعته “وداعا للسلاح ” يقول إرنست همنغواي : العالم يكسر الجميع . ويعود كثير منهم أقوياء في أماكن كسورهم تلك .

شاهد أيضاً

الشارقة تتصدر المشهد اليوناني مع الاحتفاء بها ضيف شرف الدورة الـ20 من “معرض سالونيك الدولي للكتاب”

بدور القاسمي: لسنا مجرد ممثلين لدولنا ولكننا مسؤولون عن قصة إنسانية مشتركة ● عمدة مدينة …