مُسانَدَة غَزَّة هِي دِفاعٌ عن لُبنان*

بقلم علي خيرالله شريف

عندما تَدَخَّلَ ح. الله في سوريا استنفر بعضُ اللبنانيين وراحوا يُحَرِّضون على الحزب ويُرَدِّدون لازمةً لا لزوم لها بأن الحزب تدخَّلَ في ما لا يعنيه وَوَرَّطَ لُبنانَ في أمرٍ لا شأنَ له فيه. وما زال هؤلاء، لغاية اليوم يدفنون رؤوسَهُم في الرمال ويرَدِّدون نفس اللازِمة رغم انجلاء غبار المعركة وظهور خطوط المؤامرة الـمُحاكة ضد لبنان والمنطقة من وراء العدوان على سوريا. وكُلُّ الخبراء وفقهاء السياسة، وأكثرهم من الغربيين وأهل بيت المعتدين، يتكلَّمون بإسهابٍ عن الإنجاز الذي حقَّقَهُ ح. الله بِتَدَخُّله في سوريا وعن الحصانة التي أمَّنَها لِلُبنان بالتحديد، ولِغيرِ لبنان. ولا يهم استمرار جماعة “عنزة ولو طارت” في عنادِهِم الذي يجتَرُّونه صُبحَ مساء على الشاشات والصفحات الصفراء والمواقع الالكترونية، بالتشهير بالحزب وتضليل بيئتِهم والرأي العام وتشويه الصورة الحقيقية للأمر. وهم لا يقتنعون حتى من بعض الكُتَّابِ الغربيين الكبار من السياسيين والصحافيين الـمُخَضرَمين الذين تكلموا عن المخطط الذي كان وما زال يستهدف سوريا ولبنان ودول المنطقة. وللأسف هؤلاء الـمُشَكِّكين لا يريدون أن يقرأوا المشهد على حقيقته، بل هم خاضعين مُطيعين للإملاءات التي تصلهم من السفارات الغربية والخليجية.
تحدَّث ويسلي كلارك القائد السابق لقوات الأطلسي في أوروبا(حسب كتاب “حروب سوريا” لميشال ريمبو)، أن أحد زملائه في البنتاغون أطلعه عام 2001 على مستند من إنتاج استراتيجيين أميركيين يعرضون فيه خطة تدمير سبع دول خلال خمس سنوات، ضمن سياق تدمير دول المنطقة وتقسيمها إلى دويلات طائفية وإثنية متناحرة فيما بينها. والدول السبع هي لبنان والعراق وسوريا وليبيا والصومال والسودان وإيران. والأميركيون والصهاينة يعتبرون أن الرقم سبعة هو رقم الإبداع في الكتاب الـمُقَدَّس، ويعتمدونه في تخطيطاتهم وأعمالِهِم، لذا هم قَسَّموا الدول التي ينوون تدميرها إلى مجموعات تضم كُلٌّ منها سبع دول. ويطلب منهم الكتاب الـمُقَدَّس هدمها بالكامل وقتل سكانها دون رحمة. ونحن لا ننسى ما قالته مادلين أولبرايت عندما سُئِلت عن قتل خمسمئة ألف طفل عراقي جراء حرب بلادها على العراق، فأجابت أن هذا العدد ليس كثيراً ما دام الثمن هو إسقاط صدام حسين.
بنفس الطريقة تتعاطى أميركا والغرب وربيبتهم “إسرائيل” في حربهم على غزة، فهم قتلوا لغاية اليوم حوالي أربعين ألفاً وخَلَّفوا أكثر من ثمانين ألف جريح وعشرات الآلاف من المفقودين وملايين الـمُشرَّدين، ومسحوا المدينة حتى تساوت بالأرض، ثم لا يكترثون إلا ببضع عشراتٍ من الأسرى الصهاينة لدى حركة حماس اعتقلتهم في بداية طوفان الأقصى في 7 أوكتوبر 2023 لمبادلتهم بعشرة آلاف فلسطيني معتقل لدى سجون الاحتلال دون ذنب، ويتعرضون للتعذيب والإهانة المتواصلَين. فنرى كل وسائل الإعلام الغربية تتحدَّثُ بحسرةٍ وحُزنٍ شديدين عن الأسرى لدى حماس وتذرف الدموع من أجلهم، مع أنهم مُعزَّزين مُكَرَّمين لدى حماس، وتنسج الأساطير عنهم، في حين أن تلك الوسائل لا تنطق بكلمة واحدة عن المعتقلين الفلسطينيين ولا عن ضحايا الإبادة الجماعية منهم الذين يسقطون يومياً بالمئات بل بالآلاف، ولا عن أولئك الذين يتم تقطيعهم وبيع أعضائهم في أوروبا وفي الجاليات اليهودية.
إن القضية الفلسطينية هي قضية مِحوَرِيَّة في عملية تدمير دُول المنطقة، وتندرجُ الحرب على غزة والضفة الغربية وفلسطين ضمن إطار تصفيات صفقة القرن التي يُرادُ منها تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على كل المقاومات في المنطقة التي تعرقل الصفقة وتعرقل عملية تدمير الدول السبع المذكورة وتقسيمها، تمهيداً للانتقال إلى تدمير مجموعة غيرها.
إذا أردنا أن نعرف أبعاد ما يجري في فلسطين اليوم، يجب أن نعلم أن أي انتصارٍ للكيان الصهيوني على الفلسطينيين والقضاء على حركات الـمُقاومة الفلسطينية، هو تسريعٌ لتنفيذ مخطط تدمير الدول السبع التي منها لبنان، ثم الانتقال إلى السبعات الأخرى الـمُدَوَّنة في أجندتهم. وإنَّ أي تَصَدٍّ للعدو، يُفشِلُ مخططاته، سيُعتَبَرُ حماية للدول الـمُدرَجة في تلك الأجندةِ.
بناءً عليه إن ما يقوم به ح. الله من مساندة لِغَزَّة وإشغال لقوات الاحتلال وتكبيدها الخسائر بالشكل الذي يقوم به مع باقي فصائل المقاومة انطلاقاً من جنوب لبنان ومن دُوَلِ محور ال-مقا-ومة كافةً، هو حماية للبنان ولِدُوَلِ الـمِحور، وهو نسخة طبق الأصل عن تَدَخُّلِه في سوريا ويحمل نفس المعاني والغايات والأهداف. ولو لم يتدخَّل المفروض على كل القوى اللبنانية دون استثناء، حتى اليمينية منها، أن تطلب منه التدخل، بل أن تتجَنَّد جميعُها لمؤازرته في ضرب العدو ومنعه من تحقيق أهدافه في غزة والضفة وكل فلسطين، لكي نتحاشى أن يُصيبنا ما أصاب الثيران الثلاثة، إن كنا نستطيع استخلاص العبر من التاريخ.
يا ليت الشعوب والأنظمة العربية تعلم أن مساندة غزة من قِبَلِها هي حماية لِنَفسِها من الإبادة وحماية لبلدانها من التدمير والنهب والتقسيم الذي شهدناه ونشهده اليوم في ليبيا والسودان والعراق واليمن وسوريا وكل ما يُسَمَّى دُوَلِ الربيع العربي. ويا ليتها تُدرِك أن السكوت عن جرائم العدو في غزة وفلسطين ودفن الرؤوس في الرمال والوقوف على الحياد، هو تسهيل لمهمة العدو في القضاء علينا جميعاً. من هنا نقول بالفم الملآن إن كل الانتقادات التي نسمعها في لبنان، وكل الدعوات إلى تحييد لبنان عما يجري في غزة، هي دعواتٌ قصيرة النظر ولا يُجيد أصحابها قراءة الواقع، حتى ولو ادَّعوا غير َذلك ولَمَّعوا صورَهُم على منابر وشاشات النَكَد والمعاندَة، وهم يقدمون للعدو خدمةً مجانية(أو مدفوعة) بقصدٍ أو بغير قصد.

*الثلاثاء 23 نيسان 2024*

شاهد أيضاً

مسيرات جماهيرية حاشدة في محافظة إب اليمنية تحت عنوان ( وفاء يمن الانصار لغزة الأحرار) ..

تقرير/حميد الطاهري خرجت في بمحافظة إب وسط اليمن” مسيرات جماهيرية حاشدة تحت عنوان ( وفاء …