قصة منطقة من طرابلس : نهر (ابو علي )

كان مصدر الحياة في طرابلس قديماً قبل بناء جداريّ الدعم على جانبيه، وقد جاء ذلك على حساب أكثر من ألفي مبنى ومحل أثري من الحقبة المملوكية. تبدل المشهد في محيط النهر بشكل جذري، ولاسيما عقب نكبة فيضانه في العام 1955. اختفت البيوت المحاذية له ونزح السكان إلى تلّة على بعد مسافات منه باتت تُعرف باسم “محلّة المنكوبين”.

ينبع هذا النهر من مغارة قاديشا الواقعة في وادي قاديشا شمال لبنان و يمر بعدة مناطق لبنانية سياحية قبل أن يصل إلى طرابلس، و فيها يتحول اسمه من نهر قاديشا إلى نهر أبو علي، يبلغ طوله من منبعه وحتى المصب 42 كم ومساحة حوضه 485 كم مربع. يفصل نهر أبو علي أهم منطقتين للتجمع السكاني في طرابلس هما قبة النصر في الشمال الشرقي و أبي سمراء في الجنوب الغربي منه، وعلى ضفته الغربية فتتمركز قلعة الصنجيل أو قلعة طرابلس قبل أن يعاد بناء النهر كان تحفة خضراء لا تخلو من الزوار وقامت بفضله جنائن غناء واشتهرت زراعة التوت وقامت عليها صناعة الحرير وبعد ذلك أصبحت طرابلس مزرعة لليمون والبرتقال تفوح منها رائحة عطرة أضيفت على إثرها صفة الفيحاء لطرابلس. كان مجرى النهر يفتح صيفا ويغلق شتاءً، ولكن أحوال النهر سائت منذ الفيضان، وشحوحه و تحويل مياهه إلى مياه صرف صحي. سمي بنهر ابو علي نسبة إلى ابو علي بن عمار أحد أمراء المدينة من اسرة بني عمار الذين حكموا طرابلس في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي الذي نظم النهر و منع فيضانه و امن الاقنية منه للري ….

فيضان 1955

وفي سنة الطوفة أدى هذا الفيضان إلى شبه غرق المدينة بالمياه، وخسائر أخرى فادحة في مئات الارواح واقتصادية، بعد القرار بهدم النهر وإعادة بناءه وتوسيع المجرى على حساب المباني القديمة المحيطة به وجميع هذا زاد من تدهور الاقتصاد آنذاك. قبل حتى ان يعاد بناء النهر كان تحفة خضراء لا تخلومن الزائرين وقامت بفضله جنائن غناء واشتهرت زراعة التوت وقامت عليها صناعة الحرير. كان مجرى النهر يفتح صيفا ويغلق شتاءً، ولكن أحوال النهر سائت منذ الفيضان، وشحوحه وتحويل مياهه … قبل العام 1955 كانت تقوم على ضفافه الرملية الحوانيت والمقاهي والبيوت حيث كان سكانها في فصل الشتاء وبعضاً من الربيع يستطيعون إغطاس أيديهم إلى مياهه من خلال النوافذ بسهولة ويسر . وكنت ترى مجراه في الصيف ينساب رقراقاً عذباً تتلاعب فيه الأسماك كاللجين وتقفز للأعلى فوق الحصى والرمال التي تزداد جمالاً وتتلألأ مع أشعة الشمس عندما تتخللها، والأطفال يلهون ويلعبون فيه لقربه من مساكنهم التى لاتبعد سوى أمتار عن شاطئه بحيث لايغيبون عن أنظار أمهاتهم . وكثيراً ماكان الأولاد يراقبون الصيادين من على جسر اللحامين أوجسر السويقة وقد شمروا عن سواعدهم وأرجلهم ووقفوا في مواقع معينة من المياه لاتتعدى الركبة علواً لضحالتها ليصطادوا السمك بلمعانه الفضي الجميل ، بعضهم يحمل عبّاً من الشبك يغطسه في المياه حالما يرى سرباً من الأسماك ليصطاد منه ماأمكنه ويضعه في سلة معه التي ما إذا امتلأ بعضها حتى يقوم بعرضها من أجل البيع في السوق المحاذي ليعود للصيد إذا بقى فسحة من النهار تعينه قبل الزوال. وكان البعض الآخر من الصيادين وهوأكثر حرفة يحمل شبكة مرصرصة عند أطرافها وقد جمعها وأمسك من طرفها وتدلى الطرف الأخر عند قدميه وسط النهر منتظراً مرور سرب وافر من السمك ليلقيها عليه بشكل مروحة واسعة بمهارة تثير الأعجاب ثم ليطرح جسمه بسرعة فوقها وقد حمل معه ” أرطلاً” وهوسلة من القصب ليمد يده من تحت الشبكة ويلتقط سمكة وراء أخرى ويضعها في السلة التي ماإن تمتلىء بتكرار المحاولة حتى يغادر كزميله لبيعها في السوق . وكان الأولاد لايكتفون بالسباحة وسط النهر بل كانوا يصعدون نحوأعلاه عند مطحنة بجانب المولوية ليقفزوا عن سطحها حيث سمك الحنكليس متوافر هناك كما ثعبان الماء الذين كان الأولاد والفتية يتنافسون على التقاطه رغم خطورته لاعتقادهم أنه غير سام ، ومع ذلك على صغر سنهم كانوا يتخذون جانب الحذر فيمسكونه من رأسه ثم ليرمونه في الماء بعد حين ،

ولم يصدف حتى أحداً ما من السباحين قد أصابه ضرر من هذه الأفاعي رغم كثرتها ، التي أكثر ماكانت تتواجد عند برك وادي هاب العميقة أخر السكة البيضاء في أبي سمراء بالقرب من الكورة. لقد فقد هذا النهر جماله وجمال ضفتيه نهاية الخمسينات وحرم المنطقة من روعة تهاديه مع تعديل مساره وتعميقة إسمنتياً، وكأنه قد عوقب على ماتسبب فيه من خراب . فلقد تسبب بهدم معظم البيوت على ضفتيه التي أغرق عائلاتها عند طوفانه العام 1955. ولم يكتف بما عمله عند مجراه بل اقتحم آنذاك المدينة القديمة بأكملها …

المصدر: مركز النهوض.

شاهد أيضاً

تمنع الجلطات وارتفاع الكوليسترول.. أطعمة تحمي القلب والدماغ

كتبت: هند سامي يمكن أن يساعد اختيار الأطعمة الصحية للقلب مثل الفواكه والخضروات والفاصوليا في …