رمضانيات [ 28 ] ..شهر رمضان موسم الرّوح؛ وينبوع التربيَة الإنسانيّة.ج

المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله .

بسم الله الرّحمن الرحيم

لعلَّ المرجع الراحل السيّد الأستاذ محمد حسين فضل الله يُعَدُّ من أبرز العلماء الفقهاء الذين تحدّثوا وحاضروا ووجّهوا الأسرة المسلمة واهتموا بقضايا المرأة وشؤونها وشجونها … ولعلّ العودة إلى تراثه الفكري والثقافي والأدبي والديني الرسالي تبيِّن عظيمَ هذا الإهتمام عند السيّد بالمرأة الأم المربية المضحية . وهو ما يبدو جليًّا من خلال إحدى كلماته في أحد الإفطارات النِّسائيَّة الرّمضانيّة تاريخ ٢٨ / ١٢ / ٢٠٠٠ .

مشكلة العصبيّات والأحقاد :

أيها الأحبة :
ليست المشكلة في الحياة الزوجية كامنة في الطلاق، بل في الحياة التي تحكمها الخلافات والعصبيّات، وهو ما يرثه جيل عن جيل، ولهذا فالقضية أن الأب والأم يمارسان الجريمة في حق أولادهم عندما يحوّلان البيت العائلي إلى بيت من النزاع والشقاق والخلاف والبغض والحقد.

إنه من الأمور التي لا بد للتربية من أن تأخذ مجالها، هي أن نربي وندرّس بناتنا وأولادنا كيف يكونون أزواجاً صالحين، وليس فقط أن تعلّم الفتاة ما يتعلّق بشؤون البيت والعمل.

أمّا كيف يكون الفرد زوجاً إنساناً يحترم إنسانية الآخر، والمرأة إنساناً تحترم إنسانية الآخر.. وكيف يخرج الإنسان من ذاتيته ليعيش مع الإنسان الآخر في حياة متداخلة مترابطة بين عقل وعقل، وقلب وقلب، وشعور وشعور، من أجل توليد إنسان متنوّع متّحد، فالحياة الزوجية في معناها ليست فقط أن تنتج إنساناً جديداً “هو الولد” ولكن أن تنتج مشروع إنسان جديد هو الزوج مستقبلاً، ليكونا فردين في شخصية زوج إنسانيّ واحد (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ).

الزوجية خلية الحياة :
إن علينا أن نمعن النظر ونعيده في مسألة الزوجيّة لأنها الخليّة الأولى التي ينشأ فيها المجتمع، فحين تكون لنا حياة زوجية تعيش السلام في الداخل فسيكون لنا مجتمع يعيش السلام في الداخل أيضاً. لهذا فإن الفوضى تنطلق من خلال تعلّمنا للفواصل في الحياة الزوجية وليس للقواسم المشتركة.
لقد باتت الخلافات العائلية تنتج خلافات إجتماعية في المحلّة أو المنطقة وصولاً للوطن حيث تحرّكت من خلالها الخلافات المذهبيّة والطائفية حتى صار المجتمع مجتمع نفي الآخر لا العيش معه.
إنّ كل واحد منّا يفكّر في داخل ذاته كما لو كان يختصر العالم كلّه في هذه الذات، وصارت المعادلة: [ أنا لا الآخر] ، والحياة لا تقوم إلاّ على معادلة [ أنا والآخر ].
إنه من الواجب أن نتعلّم الحب، لا الحب الغرائزي، الذي يمثّل جاذبية جسد بجسد، ولكن حب العقل للعقل، وهو الذي يدفع إلى التفكير والحوار .. وحب القلب للقلب حين يندمج الناس في الإنفتاح على شتّى ما يرتبط به الإنسان في الإنسان الآخر..وحب الحياة للحياة حتى نحمي الحياة من كل ذهنيّة الموت فينا، لأننا عندما نعيش روح التدمير للآخر فإن معنى ذلك أننا نخترن في داخل أنفسنا موت الحياة في الآخر.. ونحن نريد أن ننتج الحياة في الآخر، على مستوى حياة العقل والقلب والفكر.

التربية على المحبة:

فلنعلّم أطفالنا كيف يحبّون بعضهم بعضاً في البيت، وقد أراد الإسلام في أساليب التربية أن لا يعقّد الوالدان أولادهما.. لجهة منح العاطفة لولد دون آخر، أو بوصيّته لأحدهما دون الآخر.. ولنفكّر بأن الأطفال يمتصّون ما عند آبائهم وأمهاتهم وما في واقعهم، من مشاعر سلبيّة أو إيجابية.. ولهذا فإنّ علينا جميعاً أن نفكّر بالإنسانية التي نختزنها، وما زرع الله تعالى في النفس الواحدة ذكراً وأنثى.. ومن هنا على الرجل الإيمان بإنسانيّة المرأة، وأن تؤمن المرأة بإنسانيّة الرجل وحبّه وعاطفته.. وأن يعيشا رحابة هذه الإنسانية الروحية، ليدرس كلّ منهما عقل الآخر وبيئته ومجتمعه ورواسبه وخلفياته.. ليكون التعامل على مستوى فهم الآخر، وإدراك ما يختزنه من مشاعر وأحساسيس وآفاق وتطلّعات …..
والحمد لله ربّ العالمين .
تقديم وتنسيق :
علي رفعت مهدي
28 رمضان 1444 للهجرة 

شاهد أيضاً

إيران: نؤكد وجود مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في مسقط

ممثلية إيران لدى الأمم المتحدة تؤكد الأخبار المتداولة بشأن مفاوضاتٍ غير مباشرة بين طهران وواشنطن …