رمضانيات [ 26 ] .. أنسنة الكلمات.. حركيّة للحياة

المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله.
11/12/1996

رسول الرحمة والإنسانية :

منذ أن انطلقت الرسالة وحياً أشرق عقله به، فانفتح على العالم فكان رحمة للعالمين وتحوّلت الرحمة من أن تكون نبضة قلب وخفقة إحساس إلى أن تكون حركة للإنسان كلّه، حركة تنطلق لترحم عقل الإنسان فتفجر فيه ينابيع الفكر، ورحمة تنطلق إلى قلب الإنسان لينفتح على كل محبة وخير، ورحمة تحمّل الإنسان مسؤوليته في أن يكون وجوداً حيّاً فاعلاً يعطي من عقله عقلاً للوجود، ومن حركته حركة للكون ليتّحد مع الكون، فلا يكون مجرد شخص أو شيء يتحرّك في داخله ولكن ليتكامل هذا الكون الذي يتمظهر في أكثر من قانون وأكثر من سنّة وأكثر من ظاهرة ليتكامل الإنسان فيدخل في قلب الكون من خلال ما يستوحي أسرار الكون كلّها.

 

عقل التفكير :

ويضيف الإنسان إلى الكون عقلاً لأسراره بعد أن كان الكون ينفتح على الإنسان بكلّ حركيّته، وفي ذلك جاء قوله تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فقِنا عذاب النّار ) يؤكد الإنسان وتؤكد الرسالة لتقول له “فكّر”، ثم كما انطلق النداء الإلهي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) إقرأ الحرف الذي يمتلئ بالعلم، إقرأ في كتاب الكون ؛ وكتاب الإنسان، وافهم عمق هذا الإنسان الذي قال فيه – في ما يُنسب للإمام علي(ع):

وتحسبُ أنك جرمٌ صغيرٌ
وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ

فالإنسان في داخله كون متحرّك متنوّع يتحرّك في أبعاده..

قراءة الإنسانية:

إقرأ الإنسان لأن مشكلة الكثيرين منّا أننا لا نقرأ إنساننا.. ولهذا فإنّ بعضنا يحدّق في الناس من حوله من خلال ما يحدّق في نفسه، كأنّ نفسه تختصر الإنسان كلّه، ولكن أن ” تقرأ باسم ربّك” إنسانك لتفهمه عقلاً وقلباً وروحاً وحركة وتطلّعات وأحلاماً وآلاماً.. لأننا حين لا نفهم الإنسان فإننا لن نستطيع أن نمسك المفتاح للصناديق المغلقة ….. ولعلّ مشكلتنا في الواقع الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والأمني والثقافي، أننا نتحرّك في ظلمات ثقافية ونفسية وإنسانية، فالكثيرون منّا لا يفهمون الكثيرين من أنفسنا وذواتنا، وهو ما عبّر عنه الشاعر بقوله :

حكمَ الناسُ على الناسِ
بما سمعوا عنهم وغضّوا الأعينا

فاستحالت وأنا من بينهم

أذني عيناً وعيني أذنا
…

تنسيق :
علي رفعت مهدي
26 رمضان 1444 للهجرة .