رمضانيات [ 19 ] في ذكرى استشهاد حبيب الله ورسوله : دعوة للإخلاص لله

 

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
19 رمضان 1421 هـ / ١٥/١٢/٢٠٠٠

عليّ فكرُ الحقيقة والرسالة :

في التَّاسع عشر من شهر رمضان المبارك، تمرّ علينا ذكرى من أقسى ما مرَّت على المسلمين من الذّكريات بعد وفاة رسول الله(ص)، وهي ذكرى استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، حيث برز إليه عبد الرّحمن بن ملجم، وهو يؤدّي الصّلاة في محراب مسجد الكوفة، وضربه على رأسه وهو بين يدي ربّه، وصاح عليّ(ع): “بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة”. وكما أطلق آخر صوتٍ بين يدي الله في المسجد، كذلك كانت حياته كلّها سجوداً لله في مواقع السّجود على الأرض، وسجوداً لله في جهاده وعطائه، وفي مواقفه، وفي رعايته للإسلام والمسلمين، وفي تحمّله كلّ الصّعاب من أجل الإسلام والمسلمين.

لقد كان عليّ(ع) الإنسان الّذي لم يفهمه العالم كما هو حتى الآن، ولذلك فإنّنا لا نستطيع أن نجري مقارنةً بين عليّ وبين أيّ شخص آخر، لأنّ عظمة عليٍّ(ع) تكمن في معرفته بالله وحبّه له، وفي معرفته لرسول الله(ص) وحبّه له، وفي معرفته بالإسلام وجهاده في سبيله، وفي كلّ حركة المسؤوليَّة الّتي عاشها في حياته، وفي فكره الّذي لا يزال العالم بالرّغم من كلِّ تقدّمه وتطوّره الفكريّ، يشعر بأنَّ عليه أن يتعلّم منه الكثير، كما لو كان عليّ(ع) يعيش في هذا العصر، لأنّ فكره لا يختلف فيه عصر عن عصر، لأنّه فكر الحقيقة، وفكر الحقيقة للحياة كلّها.

عليّ(ع) مع الحقّ

ولذلك، من حقّ عليٍّ(ع) علينا أن ندرسه وأن نفهمه وأن نقتدي به، وأن لا ندخله في كلِّ العصبيَّات التي يستهلكها النّاس، وفي كلّ الطائفيّات والمذهبيّات الّتي يجترّونها، فعليّ فوق ذلك كلّه، وهذا الرّسول(ص) يقول: “لأعطينَّ الرَّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ـ كان يحبّ الله ورسوله، ويفنى في سبيل الله ورسوله ـ ويحبّه الله ورسوله”، لأنّه أعطى كلَّ حياته وذاته لله. وقد كان عليّ(ع) يعيش مع النّاس، ولكنَّه كان في عيشه معهم يرتفع إلى الله دائماً، فيفكّر فيهم من خلال الله لا من خلال نفسه، كان لا يريد النّاس لنفسه، ولذلك قال لهم: “ليس أمري وأمركم واحداً، إنّي أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم”، وكان مع الحقّ في الله، ومع الحقّ في رسول الله، ومع الحقّ في الإسلام، ومع الحقّ في إدارة شؤون النَّاس، وقد قال رسول الله(ص): “عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، يدور معه حيثما دار”.

ولذلك، في ذكرى عليّ(ع)، ينبغي لنا أن نكون مع الحقّ، أن لا نكون مع الباطل مهما أغرانا الباطل بماله وبسلطته وبعصبيَّته، لأنَّ الباطل سوف يزول في الدّنيا قبل الآخرة، وسيبقى الحقّ، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}. إذاً، لا بدَّ لنا من أن نكون مع الحقّ، لأنَّ ذلك هو الّذي يقرّبنا إلى الله، وهو الّذي يجعلنا من الأتباع الحقيقيّين لمحمّد وعليّ والصفوة الطيّبة من أهل بيته، وهذا ما لاحظناه في وصيّة عليّ في آخر لحظات حياته، فيما ينقله الشّريف الرّضي في نهج البلاغة، من كلامٍ له قاله في هذه الأيّام الثّلاثة التي كان ينزف فيها ويحتضر، وأراد أحد أصحابه أن يدخل عليه، فمنعه أهله من ذلك، ولكنّه بعد أن صرخ وبكى أذن له، فوجده كما قال (الأصبغ بن نباته): “فإذا هو مستند معصوب الرأس بعصابة صفراء، قد نزف دمه واصفرّ وجهه، فما أدري أوجهه أشدّ اصفراراً أم العمامة، فأقبلت عليه فقبَّلته، فبكيت، فقال لي: لا تبك يا أصبغ، فإنها والله الجنَّة. فقلت له: جعلت فداك، أعلم والله إنَّك لتسير إلى الجنَّة، وأنا أبكي لفقداني إيّاك يا أمير المؤمنين”…..

الجزء الأول
إعداد وتنسيق :
علي رفعت مهدي
19 رمضان 1444 للهجرة

شاهد أيضاً

دعوة لإقالة وزير الداخلية!

كتب رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب عبر حسابه على منصة أكس : “أدعو الرئيس …