رمضانيات [ 12 ] الخوف من التفكير والحريّة

المرجع السيد محمد حسين فضل الله .
سيِّد الوعي الرّسالي !

منذ ثلاثةٍ وعشرين عامًا ألقى سماحة المرجع الراحل السيِّد محمد حسين فضل الله كلمةً خلال أحد الإفطارات الرّمضانية ؛ ونظرًا لأهميّة الأفكار التي طرحها ومنها [ إدمان المجتمع الشّرقي لسطوة الزّعيم وعبادة الشخصيّة ؛ والخوف من التفكير والحريّة وإبداء الرأي وكلمة الحقّ ؛ واختصار الوطن ؛ وتسفيه المصلحين ] … نعيدُ نشرَ بعضَ ما طرحه السيّد الأستاذ مِمَّا لا نزال نعيشُ وطأتَهُ وقسوته حتى لحظتِنا التي نحياها ؛ يقول السيّد الراحل محمد حسين فضل الله:

الخوف من التفكير :
■ نحن أمّة تخاف من أن تفكّر؟ لأن الذين عاشوا في مواقع السلطة مع تعاقب التأريخ منعوا الناس من أن يفكروا، وعاقبوهم حين مارسوا التفكير، وقالوا لهم: “الكلمة الحاكمية والسلطوية هي الكلمة العليا ولا كلمة لغيرها”، وقد أدمن الشرقيّون ذلك، وإذا الكلمة نفسها يمارسها الأب، والأم، وزعيم العشيرة، ومختلف المواقع الإجتماعية، حتى بتنا نعيش واقع أن الفرد هو الأمة، وهو الوطن، وتطوّرنا بطريقة عصريّة فأصبحنا نسمّي الوطن باسم هذا الزعيم، وباسم ذاك الزعيم، ونسمّي المرحلة باسم هذا الحاكم وذاك. ونحن نعرف أن أيّ حاكم مهما كان عبقرياً لا يملك موطنه ولا يملك مرحلته. وإذا كان قد نجح في قيادته فكلّ من حوله هم من هيّأوا له النجاح، ولكنّنا قوم نحاول أن نربّي قادتنا على أن يكونوا أصناماً. وقد لا يفكّر القائد – في أي موقع- أن يكون صنماً، لكننا أدمنّا عبادة الأصنام.. ولهذا فنحن كقوم موسى عندما خرج من مصر، وقد جاهد وكافح من أجل أن يؤكّد كلمة التوحيد التي أطلقها في وجه فرعون وأراد للمستضعفين أن يخرجوا من سلطة فرعون ولكنّهم عندما خرجوا وتحرّروا من فرعون خافوا من الحرّية.. وطلبوا منه أن يجعل لهم آلهة كما للآخرين آلهة.. فكم من الأصنام الدينية والسياسية والإجتماعية رفعناها وقدّسناها، وأصبح الإنسان الذي يتحرّك لينقد بعض القضايا، ويثير بعض التساؤل، ويناقش بعض النقاش مجرد مجدّف ، ومخبول، لأن كل ما ينقده ويناقشه هي مقدّسات سياسية وفكرية ….
ليست القضية هي أوضاع تحيط بنا لنأتي بالخارج إلينا، لنقول إننا ضحيّة مؤامرة الإستكبار والإستعمار ، ولكن المسألة هي أن كل الناس الباحثين عن مواقع في مصالحهم الإقتصادية، والسياسية والإجتماعية والأمنية، يحاولون النفاذ من خلال نقاط الضعف عندنا .. لقد قيل عن حرب اللبنانية إنها حروب الآخرين على أرضنا، فهل جاء الآخرون بمفردهم إلى أرضنا؟ وقيل إنها حرب دينية فأغلِقت الكنيسة وانهزمت الصلاة من المسجد وأُغلِق عن الله وتسلّمته الآلهة الطائفية والحزبية ، وكل العصبيّات العشائريّة، وتم استحضار التأريخ ليعمّقها في نفوسنا …..!

🪷 خوفنا من الحريّة :
إنّنا قوم نخاف من الحريّة، ومن التفكير بحريّة، ومن الإستقلال، وإن كان نداؤنا: الإستقلال والسيادة صباح مساء، لأننا عندما نخرج من وصاية مستكبر فإننا نبحث عن مستكبر آخر على المستويين الإقليمي والدولي وحتّى الداخلي.. فنصنع ظالماً ومستكبراً وجبّاراً ومضطهداً لقضايانا كلّها.
تعالوا في شهر رمضان كي نفتح قلوبنا لله، وأن نعرف الله، ونفهم الله، لأن كلّ ما نتحدّث عنه هو الطائفية التي صنعناها نحن، والله هو الخير كلّه فلا يمكن أن يقترب من الشرّ، والمحبّة كلّها، فلا يمكن أن يقترب من الحقد، والله هو كلّ نبض الإنسانية الطهور في الفطرة الإنسانية التي فطر الناس عليها، فلا يمكن لكل الوحول أن تقترب منها.
تعالوا ليجلس كلّ منّا في حالة فكر، ففي اجتماعنا أحزاباً وعائلات وطوائف وحركات وجمعيات يفقد الإنسان تفكيره تحت عنوان العقل الجمعي. حيث تفقد الفكر مع الجماعة، ونحن ندعو لفكر الجماعة الذي يسمح لك بطرح فكرك كي تؤصّله في نفسك، لتؤثّر في فكر الجماعة، أمّا أن يكون الإنسان صدىً لفكر الآخرين فهو يمثّل هامشاً لا حدّاً سياسياً.

بيروت 28 كانون الأول 2000 م
تنسيق :
علي رفعت مهدي

شاهد أيضاً

الشارقة تتصدر المشهد اليوناني مع الاحتفاء بها ضيف شرف الدورة الـ20 من “معرض سالونيك الدولي للكتاب”

بدور القاسمي: لسنا مجرد ممثلين لدولنا ولكننا مسؤولون عن قصة إنسانية مشتركة ● عمدة مدينة …