رمضانيات (٤) بين القضاء واليُسر:

✍️ المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله .

[ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ] . هذا تأكيد على الحكم الذي استفدناه من الآية السابقة ولكن بشكل أوضح، فإنَّ المراد من الشهود الحضور في مقابل السفر . أمّا المريض والمسافر، فيجب عليهما الصوم في أيام أخر في غير شهر رمضان، ولا يجب عليهما في هذا الشهر، ولا يشرّع لهما، وقد تقدّم الحديث عن موضوع الرخصة والعزيمة في صوم المسافر .

وقد ذكر البعض أنَّ المراد بشهود الشهر رؤية الهلال، لتكون الآية دالة على أنَّ الصوم مشروط بالرؤية، كما جاء في الحديث الشريف عن النبيّ محمَّد (ص): «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». ولكن لا دليل في الآية على ذلك، بل ربما كان ذكر السفر في مقابل ذلك دليلاً على أنَّ المراد به الحضور في البلد . وقد جاء في رواية زرارة عن الإمام أبي جعفر محمَّد الباقر (ع) أنه قال لما سئل عن هذه ما أبينها لمن عقلها، قال: «من شهد رمضان فليصمه، ومن سافر فيه فليفطر». وقد روي أيضاً ـ كما في مجمع البيان ـ «عن علي وابن عباس ومجاهد وجماعة من المفسّرين أنهم قالوا: «من شهد الشهر بأن دخل عليه الشهر وهو حاضر، فعليه أن يصوم الشهر كلّه»، وهذا دليل على أنَّ المراد به الحضور في البلد.

[ يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ]. هذا بيان للحكمة في تشريع القضاء على المسافر والمريض، وأنَّ اللّه أراد من خلال ذلك بناء أمر الإنسان في ما يفعله وفي ما يتركه على أساس التيسير، لأنَّ اللّه قد أرسل نبيّه بالشريعة السهلة السمحة. وقد حاول البعض أن يستفيدوا من هذه الفقرة من الآية أنَّ الإفطار في السفر رخصة لا عزيمة، ولكن لا دليل لهم في ذلك، لأنه يمكن أن يكون اليسر في إسقاط الصوم عنهم، وإن كان ذلك إلزامياً.

 

وربما يستفاد من هذه الآية قاعدة فقهية حاكمة على أدلّة الأحكام العامة، وهي قاعدة «اليُسر» أو «لا حرج»، فهي دالة على أنَّ اللّه يريد ـ في كلّ تشريعاته ـ أن ييسر للنّاس حياتهم في ما يفعلون وفي ما يتركون، ما يوحي بأنَّ كلّ حكم يوقع النّاس في العُسر فهو غير مجعول في الشريعة، حتى لو كان الدليل الدال عليه يدلّ على ذلك بإطلاقه وعمومه. وهذا هو الأساس في فتاوى الفقهاء في انتقال الإنسان من حالة في الصلاة إلى حالةٍ أخرى، حيث يرفع الإلزام عن الحالة المستلزمة للمشقة والعُسر، كالقيام بالنسبة إلى الجلوس، والوضوء بالنسبة إلى التيمم ونحو ذلك.

[ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ في صيام الأيام التي فاتت المكلّف في شهر رمضان، ليكمل له بذلك الصيام الذي فرضه عليه. وَلِتُكَبِّرُواْ اللّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ ]. فسّره المفسّرون بالتكبيرات التي يكبّرها المصلون في صلاة العيد، ولعلّ الظاهر أنها تعليل للتشريع العبادي في الصوم الذي يوحي بالتذلل، والخضوع، والانقياد، والوعي الروحي للربوبية الشاملة والألوهية العظيمة في موقع العظمة والكبرياء، وعلى هدايته لدينه الذي به يعرف ربّه في توحيده، وقدرته، وكلّ مواقع العظمة عنده، ليحسّ الإنسان بأنَّ اللّه هو كلّ شيء في وجوده وفي حركته، ولا شيء لأيّ مخلوق إلاَّ من خلاله، فهو الذي يمنحهم القوّة والعظمة والغنى والسعة في حياتهم، ولا يملكون، في ذواتهم، نفعاً ولا ضراً… وهذا ما يجعل المؤمن واعياً لمقام ربّه، ومنفتحاً على مسؤوليته في توحيده في العبادة والطاعة، فيكبّر اللّه على ذلك كلّه، في روحه وعقله وشعوره ولسانه وعمله.

[وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]
على ما رزقكم اللّه من الفرصة في طاعته وفي القيام بما يصلح أمر دينكم ودنياكم، فإنَّ ذلك من النعم التي تستحق الشكر، وأي نعمة أفضل من النعمة التي تهيّىء للإنسان سعادة الدارين .

📖 المصدر موسوعة تفسير من وحي القرآن .

إعداد وتنسيق:
علي رفعت مهدي
٣ رمضان ١٤٤٤ هج.

شاهد أيضاً

ضاهر: “نطالب وزير الصناعة بالاعتذار علنا عن الإساءة لجدعون وتشويه سمعته”

قال النائب ميشال ضاهر في بيان صدر عنه: “بعد حوالى 11 شهرًا على إحالة المدير …