الصوم والتقوى:

الجزء الثاني من تفسير المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله لقوله تعالى :” يا أيها الذين آمنوا كتِبَ عليكم الصيام كما كتِبَ على الذين من قبلكم لعلَّكم تتقون” …

✍️المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله

…. وهذا ما نستوحيه من الآية الكريمة: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ إذ لا بُدَّ لكم من القيام به فرضاً واجباً، كعبادة شرعية تتقرّبون بها إلى اللّه، وتحقّقون فيها الكثير من المنافع الروحية والأخلاقية والجسدية، كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، فلستم أوّل الأمم التي يفرض عليها هذا النوع من الإمساك العملي، لأنَّ القضية ليست حالةً خاصةً في ظرف خاص يتصل بكم بشكل خاص، بل هي حالة عامة في الإنسان كلّه من حيث علاقة الترك المخصوص لبعض الأشياء في توازن حياته، كما هي علاقة الفعل الخاص في الجوانب الأخرى منها، وربما اختلف الصوم في طبيعته ومفرداته بين أمّة وأخرى، ولكن المبدأ واحد.

وقد ختمت الآية بيان الصوم بقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ للإيحاء بأنَّ التقوى هي غاية للصوم أو نتيجة له، نظراً لما يثيره في داخل الإنسان من الرقابة الذاتية الداخلية التي تمنعه من ممارسة كثير من الأشياء المعتادة له من شهواته ومطاعمه ومشاربه، انطلاقاً من وعيه التام للإشراف الإلهي عليه في كلّ صغيرة وكبيرة.

وهذا ما تعبّر عنه مفردة «التقوى» بما تمثّله من الانضباط أمام ما يريده اللّه منه وما لا يريده، وذلك بأن لا يفقده اللّه حيث يريده ولا يجده حيث ينهاه. وبذلك يكون هذا الصوم الصغير مقدّمة للصوم الكبير، وذلك يتوافق مع ما ورد به الحديث الشريف: «ربّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظّه من قيامه السهر..»7 ، فيمن لا يمنعه صومه من الممارسات المحرّمة الأخرى في شهر رمضان وفي غيره .

 

🪷التزوّد بالتقوى
وفي موضعٍ آخر يشير السيد إلى مدى تماهي التقوى مع حركيّة السعي الإنساني في الإلتزام بالعبادات والمعاملات فيقول :
” … في هذا السياق يأتي قوله تعالى: [ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ]، حيث نهاية المطاف للإنسان التي يشرف فيها على الآخرة من خلال نشاطه وعمله في الدنيا، ولأنّ التقوى تمثل السير على خط اللّه في كل ما يأمر به وينهى عنه، وقد ورد في الحديث في تفسير التقوى أنْ لا يجدك اللّه حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، وقد قال اللّه سبحانه وتعالى: [ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ] ، وقال تعالى: [ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ]، فهي التي تمثل خط التقوى، لأنّ المال يذهب، والبنين يفارقونك، وستُحشرُ وحدك وتُحاسَب وحدك، فإذا كان لك رصيد من الباقيات الصالحات فهو الأمل حيث لا أمل، وهو الدليل على الثواب حيث لا تملك أن تنتج شيئاً هناك . وقد ورد في الأثر: [ اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل ] ، والتقوى هي العمل الذي تلتقي فيه الدنيا والآخرة معاً، في التقاء العمل الصالح بعواقبه الطيبة، والمسؤولية بنتائجها الأخيرة في الدنيا والآخرة ….
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ] .
صدق الله العظيم .
والحمد لله ربِّ العالمين

اعداد وتنسيق :
د. علي رفعت مهدي

شاهد أيضاً

الشارقة تتصدر المشهد اليوناني مع الاحتفاء بها ضيف شرف الدورة الـ20 من “معرض سالونيك الدولي للكتاب”

بدور القاسمي: لسنا مجرد ممثلين لدولنا ولكننا مسؤولون عن قصة إنسانية مشتركة ● عمدة مدينة …