*استفزاز الدب الروسي ، قد يدفع جيوش بوتين للزحف حتى النورماندي

محمد صادق الحسيني

بين تصريح رئيس وزراء هنغايار بان جيوش الناتو تتحضر للدخول في الحرب الاوكرانية بشكل سافر ، ونفي قيادة الناتو ، وتحذير الخارجية الروسية مما يجري بانه ” قد يحرق العالم” كما يقول مدير ادارة السياسة الخارجية الروسية مساء امس،
تواصل الدمى الاميركية في اوروبا ، التي يطلق عليها في الاعلام الغربي الاطلسي اسم “قادة الاتحاد الاوروبي” ، هجومها الاعلامي الحاقد ، حتى على القطط الروسية ، وتتهم روسيا
” بغزو ” جارتها اوكرانيا…!

والحقيقة ان هؤلاء الدمى الفاقدة للذاكرة، بحاجة الى دراسة التاريخ الاوروبي ،القديم منه والحديث ، وان يصارحوا شعوبهم بحقيقة مواقفهم التبعية للولايات المتحدة ، تمهيداً لتغيير هذه المواقف والسير بالاتجاه الصحيح ، قبل ان يقوم القيصر الروسي الجديد بوتين بتكرار ما حصل لهم مع حلول الذكرى الثامنة بعد المئتين ( ٢٠٨ ) ، لفتح الجيش الروسي للعاصمة الفرنسية باريس ودخول القيصر الروسي ، اليكساندر الاول ، مع جيوش الخيالة الروس فاتحاً لها
وذلك ،بعد ظهر يوم. ٣١/٣/١٨١٤

ويومها هرب الامبراطور الفرنسي ، نابليون بونابرت ، واستسلمت باريس ، اثر فشل حملته العسكرية العملاقة لاجتياح روسيا واحتلالها والسيطرة عليها ، ” متحالفا ” مع اثنتين وعشرين دولة اوروبية ، من دول ذلك الزمان ، التي كانت تتشكل من بعض الممالك والامارات تحت الهيمنة الفرنسية الكاملة ، الاشبه بالمستعمرات منها من الدول المستقلة .

بدأ يومها نابليون حملته العسكرية ضد الامبراطوريه الروسية ، بتاريخ٢٤/٦/١٨١٢ ، بجيش عملاق ، بمقاييس ذلك العصر ، ضم ما يزيد على ستمائة الف جندي ، وكان هدفه احتلال موسكو وارغام الامبراطورية الروسية على الاستسلام الكامل .

لكن جيوشه استسلمت ، واجبر هو على التنازل عن العرش الامبراطوري ، وتم نفيه الى جزيرة إلبا / Elba / الايطالية ، بتاريخ ٣١/٣/١٨١٤ ، بعد ان كان قد احرق موسكو ، قبل هروب جيوشه منها تحت ضربات الجيش الروسي .

ومن ثم انسحبت جيوشه من الاراضي التي احتلتها ، في غرب روسيا (. كانت آنذاك مدينة سانت بطرسبورغ على بحر البلطيق هي العاصمة الروسية وليست موسكو ) ، انسحاباً فوضوياً ، لا بل مأساوياً جداً .
والتي لم يصل منها الى فرنسا على قيد الحياة سوى أقل من خمسين الف جندي بقليل ، بينما قتل وجرح وأسر ما يقارب خمسمائة وخمسين الفاً في تلك الحملة العسكرية الكارثية .

وقد شكلت هزيمة جيوش نابليون يومها بداية عهد جديد في اوروبا ، لا بل في العالم اجمع ، وذلك للاسباب التاليه :

١) لان هزيمة فرنسا وانتصار روسيا في تلك الحرب قد فتحت الباب امام تحرر الشعوب الاوروبية ، من السيطرة الفرنسية المباشرة والهيمنة الشاملة على مقدرات تلك الشعوب ، وهو ما اسفر عن بدء نشوء الدول الاوروبية القومية ، فظهرت في اوروبا ، شرقاً وغربًا ، ممالك عدة كان اهمها آنذاك مملكة بروسيا الالمانية ومملكة باڤاريا ومملكة ڤورتينبيرغ ومملكة سكسونيا ، وكذلك ممالك بولندا وبلغاريا وصربيا وغيرها .

٢) ادى انتصار روسيا وهزيمة فرنسا ، من بين مفرزات اخرى ، الى تضعضع السيطرة العثمانية على دول البلقان ، التي رأت في الوجود الروسي عاملاً مساعداً لها على استقلالها والانعتاق من الحكم العثماني . وقد تجلى ذلك في استقلال تلك الدول عن الحكم العثماني ، في السنوات التاليه ، فعلياً .

٣) نجاح الامبراطورية الروسية في الحفاظ على وجود روسيا الموحدة ، بما في ذلك المناطق التي يطلق عليها اسم اوكرانيا حالياً ، وحجزت لنفسها مقعداً بين الدول العظمى في العالم ، واثبتت لشعوب القارة الاوروبية قاطبةً بانها دولةً قادرةً ليس فقط على حماية مصالحها وامنها القومي فقط وانما هي قادرةً على حماية امن القارة الاوروبية باكملها وان ليس لها اية مطامع توسعية في اراضي هذه القارة ، بدليل انها قد سحبت جيوشها من كل الاراضي الاوروبية ، التي سيطرت عليها خلال معارك مطاردة فلول جيوش نابليون وسحقها .

اي ان روسيا ، سواءً القيصرية ام الشيوعية او البوتينية الان ، لم تقم بشن اية حروب عدوانية توسعية ، في القارة الاوروبية ، وانما هي اضطرت ، للدفاع عن نفسها ، امام الحروب التي شنت عليها ، من قوى عظمى ( سابقا ) اوروبية .
وهذا بالضبط ما حدث ايضا في النصف الاول من القرن العشرين ، عندما اضطرت روسيا / الاتحاد السوفييتي/ الى التصدي للهجوم الالماني النازي على اراضي الدولة السوڤييتية ، ومن ضمنها اراضي ما يعرف اليوم باسم اوكرانيا التي أنشأها لينين سنة ١٩٢٠ كجمهورية سوفييتية اشتراكية بعد ان كان قد قضى على النازيين الاوكران امثال ستيبان بانديرا وغيره ، الذين أُنشأت تنظيماتهم النازية سنة ١٩١٥ ، من قبل اجهزة الاستخبارات الالمانية والنمساوية وتم توظيفهم في القتال ضد الجيش الامبراطوري الروسي وكانوا يتلقون الدعم من الامبراطورية الالمانية والامبراطورية النمساوية حتى عام ١٩١٨ ، عند ما هزمت الامبراطورية الالمانية والنمساوية / المجرية / في تلك الحرب .
وفي هذا الاطار لا بد من التأكيد على ان سبعين في المائة من الجيوش الهتلرية ، التي اجتاحت كل الدول الاوروبية ( عدا بريطانيا ) شرقاً وغرباً ، كانت تقاتل على الجبهة الشرقية ، اي جبهة الاتحاد السوفييتي ، وعلى جبهة بطول الف وسبعمائة كيلومتر ، تمتد من مدينة لينينغراد (حاصرها الجيش الالماني مدة ٩٠٠ يوم ) الواقعة على شواطئ بحر البلطيق في شمال غرب روسيا ومدينة ستالينغراد الواقعة في حوض نهر الڤولغا في شمال القوقاز ( شمال بحر قزوين ) .
المعروف ان الاجتياح العسكري النازي لاراضي الاتحاد السوفييتي قد بدأ ، بتاريخ ٢٢/٦/١٩٤١ ، وقد وصلت الجحافل الالمانية ، نهاية صيف ذلك العام الى مشارف العاصمة السوفييتية موسكو ، حيث ووجهت بمقاومة عنيفةً جدًا ، اضطرت هذه الجيوش الى التراجع عن ابواب موسكو .
وقد تبع ذلك قيام الجيوش السوڤييتية ببدء هجوم مضاد ، لتحرير اراضي الاتحاد السوفييتي المحتلة من الاحتلال النازي
وهو الهجوم الذي ادى في حينها الى :
١) تحرير الجيوش السوفييتية لكامل اراضي القارة الاوروبية ، التي احتلتها الجيوش النازية ، وفي مقدمتها ، بعد تحرير اراضي جمهورية روسيا الاسترالية السوڤييتية ، كلا من الاراضي التي يطلق عليها اسم اوكرانيا حالياً وجمهورية بولندا ، وهما النظامان الاكثر عداءً لروسيا البوتينيه حالياً ، علماً ان بولندا الحالية كانت ، ابان الحملة العسكرية الفرنسية ضد روسيا سنة ١٨١٢ ، جزءاً من الامبراطورية الروسية .
وهذا يعني ان الاتحاد السوفييتي ، وفي القلب منه روسيا ، قد قام بتحرير الشعوب الاوروبية قاطبة من الاستعمار والاضطهاد النازيين ، بما في ذلك فرنسا طبعاً ، التي لو لم تكن الجيوش السوفييتية قد الحقت سلسلة من الهزائم بالجيش الالماني ، على الجبهه الشرقية ، لما استطاعت قوات الحلفاء الغربيين تنفيذ عملية الانزال البحري الواسع النطاق، على سواحل مقاطعة النورماندي الفرنسية ، والبدء بالتوغل داخل اراضي المانيا النازية .
٢) نجاح الجيوش الروسية ، ورغم خسارة الإتحاد السوفييتي لما مجموعه ٣٣ مليون قتيل بين عسكري ومدني ، نجاحه في الزحف حتى برلين.

٣) اتمت الجيوش السوفييتية السيطرة الكاملة على العاصمة النازيه برلين بتاريخ ٣٠/٤/١٩٤٥ وجرت مراسم توقيع وثيقة استسلام المانيا النازية رسمياً ، وحسب القوانين العسكرية الدولية ، يوم ٨/ ٥ ١٩٤٥ في فرنسا ، ثم انتقلت الاطراف الموقعة على الوثيقة ، جواً الى موسكو ، حيث وصلت بهم الطائرة بعد منتصف الليل ، ليجري استكمال توقيع الوثائق فجر يوم ٩/٥/١٩٤٥ (لذلك تحتفل روسيا يوم ٩ اذار ، وليس يوم ٨ ايار ، كما هو الحال في الدول الغربية .
٤) اذن تمكنت روسيا مرة اخرى من تحرير الشعوب الاوروبية قاطبة من نير النازية الاجرامية وانشاء دول وطنية مستقلةً .
الا ان سياسات الهيمنة الاميركية ، والعداء المستحكم ضد روسيا في اوساط صانعي القرار الاميركي ، قد دفعتهم الى تقسيم المانيا ، بدل الابقاء عليها موحدةً واقامة نظام سياسي ديموقراطي فيها ،يكون كفيلاً بعدم عودة النازيه الى هذا البلد .
بحيث اسفرت السياسات الاستعمارية الاميركية عن تقسيم القارة الاوروبية ،مرةً اخرى ،واقامة جدار حديدي ، بين شرقها وغربها ، كرسته بانشاء حلف العدوان الغربي ، المسمى : حلف شمال الاطلسي سنة ١٩٤٩ ، وبدأت بوضع الخطط لضرب الاتحاد السوفييتي بالاسلحةالنووية والقضاء عليه ، اي القضاء على روسيا كدولة .
٥) عادت الولايات المتحده الى ممارسة سياساتها الاستعمارية بشكلٍ عام وتلك الهادفة الى القضاء على الدولة الروسية وتفتيتها الى ٨٩ دولة (. حسب مخطط رسمي اميركي محفوظ في الغرف المظلمة ). وانطلقت في ذلك بتوسيع سيطرة حلف شمال الاطلسي لتصل سيطرته الى الحدود الروسية ، في منطقة البلقان شمال غرب روسيا والى رومانيا ، على البحر الاسود بالقرب من السواحل الروسية .
وهي الخطوات التي شكلت عملياً حصاراً بحرياً لروسيا ،في الشمال والجنوب ، واصلته واشنطن ، في العقدين الماضيين ، بتكريس نظام نازي في اوكرانيا الروسية الاصل والمنشأ ، وشروعها (واشنطن ) في تحضير اوكرانيا ، سياسياً وعسكريا ، لتصبح منصة انطلاق للعدوان ضد روسيا .
لكن روسيا قد افشلت هذا المشروع ، عندما اتخذت قرارها ، بالتصدي لمشاريع اشعال الحروب الاميركية ، بتاريخ٢٤/٢/٢٠٢٢ ،وبدأت عمليتها العسكرية الخاصة في الدونباس .
٦) اثبتت روسيا ، من خلال مجريات الميدان العسكري قدراتها الفائقة على التحكم بالمبادرة الاستراتيجية وتوجيه المعركة العسكرية لخدمة المشروع السياسي الروسي ، الهادف الى ضمان الامن القومي الروسي ، واجتثاث جذور التشكيلات النازية التي تجثم على صدر الشعب الاوكراني وضمان الامن والاستقرار لجميع اقطار القارة الاوروبية .
علماً ان الرسالة التي يجب على من يطلق عليهم اسم : قادة الاتحاد الاوروبي ان يقرأونها تقول بان الجيش الروسي حالياً ليس بحاجة لحشد ملايين الجنود وعشرات آلاف المدافع والدبابات والطائرات لفتح برلين وباريس ( مرة اخرى بعد فتح سنة ١٨١٤ اذا ما تطلب الامر) وذلك لان بضع غواصات من طراز بيلغورود وصواريخ سارمات وافانغارد النووية الاستراتيجية ، ومعها صواريخ كينجال (الخنجر ) وبضع دبابات من طراز تيرمينيتور / Terminator / الاسطورية قادرةً على انجاز المهمة .
لذلك على ماكرون وشولتس واسيادهم قراءة التاريخ جيدا وعدم استفزاز الدب الروسي القادر على سحق كل من يحاول الاعتداء على مصالحه وبيئته .

*بعدنا طيبين قولوا الله*

شاهد أيضاً

نبوءة الغراب بزوال الكيان

احمد الشريف  قبل فترة ليست بطويلة من حدوث عملية طوفان الأقصى يوم 7أكتوبر من العام …