خدولنا طريق يا حريم” جنين

 

 

(جنين )  –  خواطر فلسطيني من الشتات

في طريقها لارتكاب المذبحة، وحصار المطارد الذي هدم قمة العقبة فوق رؤوس مؤتمريها، مرت آليات “إسرائيل” ومدرعاتها جهارًا نهارًا أمام المقرات المتخمة بالسلاح والذخيرة والهراوات وقنابل الصوت والغاز المسيل، والرتب الجبانة.

في طريقها لإعدام 6 شبان فلسطينيين، واستعراض قوتها على أنغام هدير الاباتشي، وحصار بضعة بنادق وعشرات الرصاصات، وفرد عضلات تكتيك “طنجرة الضغط”، بالـ،ـصـ،ـواريـ،..ـخ الموجّهة والجرافات المصفحة، تحت عيون أسراب “الدرون” التي تحرث سماء جنين، مرّت قوات الاحتلال، ربما دون أن تلقي السلام على ساكني القبور الأمنية.

مطارد قارب الخمسين من عمره، وشبان بعمر الورود كانوا على بعد ساعات من الارتقاء من أرض المخيم إلى السماء التي لا تطالها الاباتشي، حينما ورد الاتصال من “الجانب الآخر” يأمر الرتب والبنادق المكدسة بكلمة واحدة “انضبوا”.

قبل أيام كانت قوات “اليونيفيل” الدولية على حدود لبنان، تنشر جنودها كفاصل بشري بين قوات الاحتلال التي حاولت التوغل لأمتار في الجنوب، وبين ضباط وجنود الجيش اللبناني الذين لم يتزحزحوا من مواقعهم وتصدوا بالاستنفار والتهديد للعدو وجهًا لوجه.

لم يطلق الجيش اللبناني النار، استنفر بسلاحه، وهدد أحد ضباطه بالكلمة، وأشار لسلاحه، وحاولت “القوات الدولية” قدر استطاعتها منع وقوع اشتباك، واحباط التوغل الإسرائيلي بما يمليه عليها سبب انتشارها ووجودها على الخط الأزرق.

في جنين، لدينا ما هو أقل وطنيًا وأخلاقيًا من أن يطلق عليها “قوات سلام دولية”، أجهزة أمنية تعدادها بالآلاف، لا تكلف نفسها عناء فض الاشتباك، أو إعاقة جيش الاحتلال المتوغل في عمق “مناطق أ”، ولو بأن تركن آلياتها وجيباتها الأمريكية في طريق هذا الجيش، لا نتحدث هنا عن التصدي والاشتباك والمواجهة، بل بأبجديات وجودها كـ “قوات مسلحة”، واعتبارها بمنزلة “قوات أجنبية لحفظ السلام” في مدننا وقرانا.

أجهزة أمنية تنتفخ بسطوتها وعربدتها لحفظ سلطان مقبور المقاطعة، وأركان سلطته، وتسحق أي صوت أو هتاف، تداهم وتعتقل وتفض التجمعات، وتحمل راية “القانون والدولة” وتصارع دون الروح لحماية نعش “المشروع الوطني” المدفون تحت بطاقات الـ VIP والـ BMC واللوحات الصفراء للسيارات.

أجهزة أمنية، تختفي كالسراب، تتلاشى، تتبخر، تصبح كالعدم، وتثبت أن الإنسان أصله بخار ماء، كلما رن الهاتف الملقى على المكتب الخشبي الذي تعلوه صورة “ملاك السلام”، وعلا من السماعة صوت بعربية ركيكة يقول “خدولنا طريق يا حريم بدنا نفوت”.

جنين، تصارع، تقاتل، تتصدى، تقاتل أرتال الحديد، تخدش زجاج الجرافات المصفحة برصاصها، وتتوارى من الأباتشي لتسقط “الدرون” وتحتفي طويلًا بخيط الدخان الأبيض المتهاوي من سماء المخيم إلى أرضه.

جنين، تبذل الدم داخل البيت المحاصر، وفي الشوارع التي استحالت شرايين تنبض بالمقاتلين الملبين لهيعة الحرب، النافرين بسمراواتهم لكسر الطوق، وإعلاء صوت الاشتباك، والتأكيد بالدم ورائحة البارود لـ “إسرائيل” أن ما كان ليس ما سيكون، وأن زمن النزهات المجانية قد ولّى.

جنين ترسل لجميل العموري باقات الجوري بشكل يومي، تحفظ له العهد والوصية، وتعطر ضريح مجدد الاشتباك بقوافل المقاتلين الراحلين، تعض جراحها، وتزف شـ،ـهدائــ،ـها، ترفع بيارق الكتيبة، وتحفظ شعار الــ،ـكـ،ـتاءـــب الزاهي من زمن الكرمي وعبيات، وتنسج من دمها وشبابها درعًا يصدر “اليمام”.

جنين، تؤي المطارد من “نابلس”، وتحمي ثأرنا في حوّارة، وتفتح بيوتها عرينًا لناسف أوهام العقبة، للأسير المحرر، للخميسني، لصاحب الوشاح الأخضر، للحساب الذي تظن “إسرائيل” أنها أغلقته، ونعلم نحن جيدًا أنه إيذان بانفتاح ألف ألف حساب جديد.

في جنين، يختبئ أبناء “السلطة والأجهزة” في مقراتهم، ويتسابق أبناء فتح وكـ،ـتـ،،ــائـ..،ــبها نحو الموت سراعًا كالخيول البرية التي لم تعرف العبودية يومًا ولم تُدنّس بنجس الاسطبلات والمقرات، ليسوا سواءَ ولن يكونوا، والراية الموشحة بشعار العاصفة وذراعها، أطهر وأنقى وأشرف من النسر ودولة السراب ومسمياتها ونياشينها وشعار رئاستها.

في جنين ينسج رصاص الكتيبة السمراء شبكة نارية في السماء، تصطاد “الدرون” وتهدد الأباتشي، وبيوت تحتضن المطارد الأخضر ابن نابلس الذي طلب جوار المخيم.

طوال ساعتين من الاشتباك، دخان أسود يتصاعد من بيت محاصر في المخيم، دوي الرصاص لا ينقطع، جنين تزرع أرضها بالفوارغ النحاسية والدم، صوت الأباتشي يضفي أجواء رهبة لم تعتدها الضفة منذ 20 عامًا، جنديا “اليمام” يتهاويان جرحى تحت نيران أبناء المخيم، وأبناء “الأجهزة” وضباطها يتلصصون النظر إلى المعركة من نوافذ المقرات الحصينة، يشاهدون المعركة بالصوت والصورة وأبعادها الرباعية، إنها المعركة الأولى خارج شاشات “الببجي” التي يحترفها المتكئون على المكاتب المتخمة بأعقاب السجائر، والضباط الذين يتسابقون لتفقد أسوار مواقعهم، للتأكد من أن أحدًا من الشبان الممتشقين سلاحهم داخل الغرف، لن تحدثه نفسه بالخروج والانخراط بالمعركة الطاحنة خارج الجحور المسماة زورًا “مقرات أمنية”.

حريمنا، أمهاتنا وأخواتنا وجداتنا ونساؤنا وبناتنا، من حملن النعوش وتقدمن الصفوف وهتفن لفلذات الأكباد النازفة الموشحة بالبنادق اليتيمة.

حريمنا، أمهات الـ،ـشـ،ـهـ،ـ..ـداء، صانعات المجد، وأيقونات البطولة، ورايات المجد الخفاقة، وخط المواجهة الأول، وحاضنتنا الشعبية، الحاضرة في صفوف الاشتباك.

حريمنا دونهن الأرواح.. خسئ الجبناء المختبئين في جحور مقراتهم أن يُشبّهوا بهن.. لا والله

إن السلاح جميع الناس تحمله.. وليست كل ذوات المخلب السبع

شاهد أيضاً

عن “الجماعة الإسلامية” ودعم فلسطين وخيار المقا ومة

كتب قاسم قصير : يستغرب بعض الكتاب والمحللين والإعلاميين ان تأخذ الجماعة الإسلامية في لبنان …