المهندس مصطفى حرب: للأسف دولتنا لا تهتم بالمخترعين لا ماديًا ولا معنويًا


النانو تكنولوجي..الذكاء الصناعي..البلوك تشاين.. مجموعة مصطلحات علمية نسمع بها ونقرأ عنها منذ فترة ليست بقليلة إلا أنها فرضت نفسها على مجتمعاتنا اليومية..
ملياران وأربع مائة مليون كومبيوتر وهاتف ذكي تقريباً موجودة بين أيادينا.. هنا يفرض السؤال نفسه: هل الأدمغة الالكترونية احتلت عقولنا وأخذت مكانها..؟!! عندما يستبدل الروبوت في أحد مصانع المانيا مكان تسعة عمال أو أكثر، هل هذا يعني أن عدد العاطلين عن العمل في الدول الصناعية الكبرى سيزداد؟!!.. ماذا عن منطقتنا؟!!.. ماذا عن اقتصادنا وماذا عن مجتمعاتنا إلى أين تسير…؟!!


مجموعة من الأسئلة نطرحها على ضيفنا الذي حائز على ماجستر علوم في هندسة الإتصالات والكومبيوتر من الجامعة اللبنانية الدولية المهندس والأستاذ مصطفى حرب…


*كيف يتم تعريف الروبوت..هل يشبه الانسان؟


الروبوت هو عبارة عن آلة الكترونية ميكانيكية تحدد مسارها مجموعة من الاكواد البرمجية قادرة على التعلم الذاتي  Artificial Intelligence أو من خلال البرمجة التقليدية عبر لغات البرمجة C) و (++C

يحتوي الروبوت على الدماغ Brain الذي يحتوي بدوره على وحدة التحكم المركزية Central Processing Unit ، بالإضافة إلى الذاكرة العشوائية RAM وذاكرة دائمة ROM  التي تحتوي معلومات متعلقة بالروبوت. بالإضافة إلى ذلك يحتوي على المحركات Motors  والاسلاك Wires لنقل الأوامر من الدماغ إلى المحركات. ومصدر للطاقة   Power Supply .

هناك العديد من الاشكال التي قد نرى فيها الروبوت جزء منها يسمى Humanoid Robot والذي يشبه الإنسان كثيرًا وبعض الروبوتات التي لا تشبه الانسان كتلك التي موجودة في الغسالات وفي السيارات والتي تعرف بالعامية بكفوف الالكترون… إذًا الروبوت ليس من الضروري أن يشبه الإنسان، إنما يشترط وجود الحركة ليسمى روبوتًا، فبغير ذلك يكون كالحاسوب.


*ممكن الروبوت يحاكي الإنسان وتزويده بتقنية تمكنه من التعلم والتأقلم مع الظروف والمستجدات المحيطة فيه؟


في الفترة الأخيرة ظهر في عالم التكنولوجيا والحاسوب ما يسمى بالتعلم الذاتي Self  Learning Machines  أو ما يسمى بالذكاء الاصطناعي .Artificial intelligence في هذه التقنية يبرمج الروبوت عبر مجموعة من الاكواد التي تساعد الروبوت على التحليل البسيط لمعالجة المعلومات. يجمع الروبوت البيانات عبر مجموعة من الحساسات Sensors ويخزنها للإستخدام المستقبلي. تساعد البيانات على إتخاذ القرارات المصيرية في المستقبل. ففي بعض خطوط الإنتاج إذا تعطل جزء من الخط يقوم الروبوت بأخذ اجراء بتوقف الإنتاج وإبلاغ الإنسان المراقب بالخطأ. و أيضًا في بعض السيارات الحديثة نلاحظ تلقائية تشغيل الأنوار في الظلام وتلقائية عمل مسحات الزجاج في حال وجود ماء على الزجاج الامامي، كما نلاحظ توقف تذويد المحرك بالوقود في حال الإنزلاق أو في حال ارتفاع حرارة المحرك. في أمثلة أخرى وعبر التعلم الذاتي نلاحظ أن في بعض الدول بدأ استخدام السيارات الذكية كسيارات الأجرة التي تحدد موقع الراكب والوجهة وتحليل إشارات السير والتوقف في حال حدوث طارئ على الطريق. كما في شركة Mercedes-Benz نلاحظ وجود السيارة التي تراقب ضغط دم السائق ونبض قلبه وفي حال تغير صحي مفاجئ لحالة السائق تتوقف السيارة على الفور وتتصل تلقائيا بالنجدة وتفتح أبواب السيارة لإسعاف السائق.

إذا الروبوت يستطيع التعلم والتأقلم مع البيئة المحيطة بوجود الحساسات والاكواد الأساسية التي تساعد في عملية التعلم الذاتي.


* كثيرون من الباحثين في قضايا المستقبل تحدثوا عن أزمة الكائن البشري، الأزمة الوجودية، إذا ما تطورت صناعة الروبوتات، وإذا ما انتشرت في القطاعات الإنتاجية على اختلافها…
ماذا تقول في هذا الصدد؟


مع التطور التكنولوجي في العالم و خصوصًا تقنية الميكرو والنانو بدأت خطوط الإنتاج تعتمد على الروبوتات بشكل كبير في عملية الانتاج، نظرًا لصغر الحجم ولدقة المنتج، ففي حين تعجز العين البشرية عن رؤية خلل في كف الالكترون بمقاس واحد نانومتر(جزأ من المليار من المتر) يستطيع الروبوت كشفه. و في حين قد يتبخر جسم الإنسان في الفضاء الخارجي نرى روبوت لشركة NASA يستكشف المريخ ويرسل تقارير للمحطة الأرضية. كما نرى الروبوت موجودًا في الزراعة من قطف إلى تعليب وتغليف. في عملية الإنتاج الحيواني كحليب الابقار والكشف على جودة الإنتاج و خلوه من الشوائب. لا شك أن الروبوت بدأ يأخذ مكان الإنسان في العديد من المجالات، ونرى في اليابان أنه بات لكل إنسان روبوتًا يوازيه، ولكن تبقى القرارات المصيرية للإنسان، ولا يمكن أن يتم تجاهل دوره على الاقل في عملية المراقبة.

 كما وأن دول العالم الثالث لا زالت بعيدة كل البعد عن هذا التطور رغم وصوله بكميات قليلة.

أخيرًا أن الروبوت قد يؤثر بشكل كبير على دور الإنسان، ولكنه لا يقدر أن يلغيه فالتحديث والتطوير يعتمد على وجود الإنسان وليس الذكاء الاصطناعي فقط.


* اين هي، في نظرك، الحدود الفاصلة بين الآداء البشري والآداء الآلي..؟


رغم كل الذكاء الموجود عند الروبوتات فإنها تبقى آلة وتحتاج إلى التعليم والتطوير، وهذه مهمة الإنسان. في حادثة تجربة الذكاء الاصطناعي على سيارة يقودها شخص وتسلم قيادتها الروبوت عبر التحكم الذاتي. صادف مرور غير متوقع لثلاث أشخاص على الطريق فأتخذ الروبوت الموجود في السيارة قرارًا بعدم صدم الأشخاص، إنما الاصطدام بالحائط وذلك لتخفيف الضرر المنتج. بكلمات أخرى الروبوت ضحى بالسائق ليتفادى صدم ثلاثة اشخاص.. ويبقى السؤال هل كانت المكابح قادرة على إيقاف السيارة من دون مقتل أحدهم… وفي تجربة أخرى عند ارتفاع حرارة محرك السيارة هل يستطيع الروبوت أن يبرد المحرك برفع الغطاء وسكب المياه لتخفيف الحرارة؟ كل ما يستطيع فعله هو ابلاغ السائق وترك القرارات المصيرية له وإتخاذ قرارات بسيطة في بعض الاحيان. إذًا القرارات المصيرية المرتبطة بالإنسان تميزه عن الروبوت الذي يستطيع التحليل والتنفيذ بسرعة فائقة.


 *مثلما تتم عسكرة أي إنجاز تكنولوجي خارق، كالطاقة النووية، لا بد أن نكون أمام روبوتات على شكل جنود، أو على شكل جنرالات، في ارض المعركة…
   ماهي التداعيات الإيجابية والسلبية لحروب في هذه الحال…؟


مما لا شك فيه، انه بدأت ظواهر وجود الروبوتات في الاعمال العسكرية. ففيلم Starwars يعرض إستخدام الروبوت في الحروب. ولا شك أن الروبوتات تستخدم في مجالات ثانية كالاطفاء والشرطة… وعندما نقول روبوتات في الحروب نقف امام خيارين… روبوتات التحكم عن بعد عبر الريموت كونترول حيث يقوم إنسان بالتحكم بالجندي عبر الريموت، وقد ظهرت هذه الانواع في بعض الحروب كطائرة الـ MK وهي طائرة من دون طيار يتحكم بها شخص من غرفة التحكم… والنوع الثاني وهو الروبوت الذاتي التحكم الذي من الممكن أن يتخذ قرارات خاطئة مثل إذا قام شخص بالإستسلام في القوانين العسكرية يتم اسره وعدم قتله فما هو مدى تراجع الروبوت الذاتي التحكم عن قرار قتله في حال الإستسلام. وما هو مدى تحليل الروبوت للإنسان المسلح من الإنسان المدني… إذًا في المستقبل وعند وجود روبوت عسكري آلي في أرض المعركة ستكون خسائر اقتصادية- إنسانية في حال تواجه دول متطورة- نامية وفي المقابل ستكون خسائر اقتصادية- اقتصادية في حال تواجه دول متطورة.


* قد نكون أمام وجه آخر، وسلبي، للروبوتات. وهذا ما يثار في الإعلام الاميركي والإعلام الأوروبي، كأن تستخدم تلك “الكائنات” لأعمال إجرامية وإرهابية، دون أن تكون هناك ضوابط لذلك…؟


كما ذكرنا سابقا فالروبوت عبارة عن آلة تتعلم عبر البرمجة المسبقة والتحليل وعليه لن تستطيع الروبوتات أن تتخذ منحى سلبي كالاعمال الاجرامية إلا إذا تمت برمجتها مسبقًا على ذلك.. ولا شك أنها قد تخطئ في بعض الأحيان، لكن ضوابتها تعتمد على البرمجة المسبقة.

* الى ماذا يحتاج، والى كم من الزمن يحتاج، العالم العربي للدخول في صناعة الروبوتات…أم أن هذه المسألة ستبقى إلى الأبد فوق امكاناتنا ما دمنا لا نزال حتى ما دون التكنولوجيا الكلاسيكية..؟


لا شك في أن العالم العربي دخل في مرحلة التطور التكنولوجي. فقد ظهرت في الفترة الأخيرة عملية تعديل المناهج التعليمية التربوية بإدخال تقنية الـ STEM وهي مزيج بين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. فقد اصبحت عملية التعليم تربط الأمور النظرية بتلك التطبيقية عبر هذه التقنية ولكن تبقى محدودة.. وتستخدم في المنافسات التعليمية. وأيضًا ابدع العرب في المحافل الدولية بمباريات العلوم والروبوت وتأهل لبنان عبر فريقنا للمرة الأولى في التاريخ لمباراة الروبوت AJRST التي تنظمها شركة FujiSoft في اليابان ووصل إلى المرحلة ما قبل الاخيرة. إن ما ينقصنا في العالم العربي هو الدعم المادي ورفع الحظر فالعديد من الحساسات والمحركات يمنع دخولها إلى العالم العربي من دون معرفة السبب. و أخيرًا نقول أن القدرات عند الشاب العربي موجودة وكل ما ينقص هو الثقة بهذه القدرات ودعم الحكومات المحلية لها.


* هل من الممكن أن يصبح الروبوت معتمد بكل الاماكن واستبداله مكان العمال؟


كما ذكرنا قد يأخذ الروبوت دور الإنسان في الأعمال الشاقة والدقيقة وقد يعطي إنتاجية أعلى من تلك الإنسانية. كما نرى أن بعض الشركات عمدت إلى ادخال الروبوتات في الإنتاج واستعاضت به بدلًا من اليد العاملة. فمثال خط إنتاج شركة حليب يحتاج إلى موظف مزارع وآخر للجودة وآخر للتعليب وآخر للتغليف… يمكن الإستعاضة عنه بروبوت قادر أن يدير هذه العملية لوحده. وما يحفز هذه الشركات هو التهرب من التأمينات والمعاشات الشهرية للموظفين. إذًا طمع رب العمل ساهم في إدخال الروبوت في خطوط الإنتاج و تقليص اليد العاملة ولكن من وجهة النظر الهندسية- التكنولوجية يبقى للإنسان دور لا يمكن الاستعاضة عنه بالروبوت على الاقل في إتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية ومراقبة خطوط الإنتاج ولا شك أن دخول الروبوتات في هذه المجالات أثر بشكل كبير على اليد العاملة.


* سؤال شخصي.. هل الدولة لم تقدرك وتقدر الإنجازات التي حققتها وما زلت..؟


بدأت مسيرتي التعليمية في العام ٢٠١٥، وقد أستطعنا التربع على عرش المراكز الأولى لمدة خمس أعوام متتالية وقد حصدنا أكثر من ميدالية ذهبية وفضية على صعيد لبنان… وكان لنا أربع مشاريع علمية هي الأولى من نوعها في العالم ففي حين كنا السباقين في اختراع الحذاء الذكي الذي يساعد في تحديد مكان الاطفال والاشخاص العجز الذين يعانون من الزهايمر. واختراع الرادار الأول من نوعه والذي يعتمد على الوقت وليس السرعة Instantaneous Velocity…  ونضيف اختراع الكف الذي يحول حركة الاصابع أي لغة الإشارة إلى صوت.

 وأخيرًا الروبوت الزراعي القادر على ري وحصد وزرع الشتول والبذور وحمل ما يزيد عن ٥٠٠ كيلوغرام.. وأيضًا أكثر من ١٨ مركز أول وثاني على صعيد لبنان والتأهل مرتين لرفع إسم لبنان عاليًا في المحافل الدولية والعالمية… إلا انه كانت كل التكاليف على عاتقنا ولم نلقى إذن صاغية ولا ايادي داعمة للشاب اللبناني الطموح ولا حتى تكريم رمزي غير مادي من قبل الدولة اللبنانية ولا عبر وزارة الشباب والرياضة.

جوار جيهان دلول

شاهد أيضاً

الأول من أيار عيد العمال…

بقلم الإعلامية جيهان دلول لأنها الأيدي المجهولة ، الأيدي المباركة التي لا تحفر في الهواء …