الحرب العالمية الجديدة

ريتا بشارة

التاريخ شهد حربين كبيرتين الأولى (1914-1919)، والثانية (1939 ـ 1945) اللتان انهكتا العالم اقتصادياً وعسكرياً، وشهد دماراً شاملاً، وضحايا بالملايين من البشر ، فيعتقد البعض من المحللين السياسيين والاستراتيجيين والمفكرين، أن الحرب العالمية الثالثة، يجب أن تكون مماثلة للحربين العالميتين .ولكن مع التقدم التكنولوجي الملحوظ والكاسح والشامل والهادف والتراجع الاقتصادي الوخيم ، تغير لدى “الدول العميقة ” أو “المتجذرة” مفهوم وكيفية اندلاع الحروب ونشأتها لتحقيق مبتغاها ومخططاتها واستراتيجياتها المدروسة ، بالاعتماد على دراسة عقول وافكار البشر ونفسيات المجتمعات والدول والتلاعب بنقاط ضعفها ونواقصها و بالاستعانة بحقائق جزئية والرجوع إلى سياق تاريخي محدّد، فبهذه المعطيات والمعلومات تضربها بقوة وتشن الحرب عليها .كيف ؟ من دون اسلحة وجيوش عسكرية في مسرح العمليات وميدان المعركة؟ فسلاحها اصبح الكلمة وجيوشها اصبحت الوسائل الاعلامية وتطبيقات التفاعل مع الرأي العام ، صحيح ان هذه الحرب الجديدة الفعالة التي ولدت في القرن العشرين لم تعد تنتج عنها خسائر مادية وبشرية هائلة وتشريد الملايين ولكن اصبحت تنتج عنها صراعات خطيرة ومسممة وفتن وثغرات وخدع داخل الشعوب والكوادر من اجل تشتيتها وتفريقها . لذلك ، في عصر التحوّل الرقمي الذي نعيشه ومن خلال هذه الثورة التكنولوجيّة الهائلة أدركت جميع الدول والقوى أهمية الحرب الإعلامية من منطلق أن هذه حرب بديلة للحروب الساخنة ، تخاض بنفس طويل وأدوات قتل ناعمة خفية ، وتحتدم بلا دماء وبكلفة مادية متواضعة. إذ يكفي بث مشهد من عين المكان عبر شبكات التواصل الاجتماعي من اجل تضليل الجمهور وجمع إيرادات على مواقعها وتطبيقاتها ولاسقاط نظام سياسي معين واضعافه أو اشعال النيران داخل المجتمعات الحساسة التي تضع الدين والمذهب والطائفة على قائمة أولوياتها أو الهائها بقضايا دقيقة وحرجة. وفي هذا السياق، نشرت العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية والمحطات التليفزيونية مقابلات وتحليلات ومقالات ، ركزت أغلبها على تشويه صورة الشخصيات السياسية والاجتماعية والتشكيك في سياساتها وشحن الرأي العام ضدها . فالسلاح التقليدي ليس مدمرا فحسب فالسلاح الالكتروني والرقمي قاتل واشد خطورة، فالإعلام بات سلاحاً فعالاً يستخدم كأداة الاشتباك الجديد بين الدول و كوسيلة لخلق الأزمات السياسية بين الدول وليس فقط كما كان في الماضي أداة لنشرالاخبار وتسليط الضوء على قضية انسانية واجتماعية وأمنية . فنتساءل اذا هل نحن على ابواب حرب عالمية ثالثة او امام حرب اعلامية ؟

شاهد أيضاً

أنتقل المشهد من غزة إلى رفح ويجب الرد بالنار

بقلم الكاتب نضال عيسى التفاوض لا يقل أهمية عن خطط الحرب. فكما يخطط للحرب العنيد …