ميليشيا ليف: ميني طيونة في قصر العدل

ــ إذا كان واضحاً أن ما سُمّي بالثورات الملونة هو نتاج خطة تنفذها مجموعات حسنة التدريب، ترافقها أدوات إعلامية عملاقة تستثمر على أزمات مفتعلة ومبرمجة لإثارة الشارع، فإن الواضح أن ما يشهده لبنان ليس خارج هذا السياق، والرهان على التزاحم بين الأحداث والتدفق السريع للأخبار، للنجاح بخداع الناس بحيث لا تنتبه إلى التناقضات الفاضحة في المشهد إلا بعد فوات الأوان. هكذا مثلاً جرى أمس حجب صورة العنصر الأمني الذي تم طرحه أرضاً ودوسه بالأقدام، وعندما تمّ تقديم الخبر في النشرات المسائية كانت الناس المطلوب تحريضها نهاراً قد تلقت صورة أخرى قوامها ما حملته تقارير على الهواء والبث المباشر تتحدّث عن اعتداء على النواب من مرافقي الوزير، تغيّرت روايته في المساء ليصير إشكالاً يحتاج إلى تحقيق، بينما هو في الواقع استفزاز مبرمج بالصراخ والتدافع والشتيمة، وصولاً للهرج والمرج، لإعطاء اشارة البث للخبر العاجل، «مرافقو وزير العدل يعتدون على النواب».
ــ خلال الربيع العربي الذي شكلت ثورة مصر أبرز حلقاته كانت قناة الجزيرة تلعب الدور الذي تتقاسمه اليوم في لبنان عدة قنوات، ومما رافق التجمع في ميدان التحرير في اليوم الأول يروي أحد قادة النشطاء المدربين، أن قناة الجزيرة عندما وجدت عبر النقل المباشر أن الساعة تقترب من موعد التجمّع والعدد لا يزال قليلاً، أعلنت في خبر عاجل أن الثوار أجلوا الموعد لساعتين، وقامت خلال هاتين الساعتين بتطبيق مناورة إعلامية يتلقاها المتدربون على هذه الأنشطة، قوامها توزيع الكاميرات في الأحياء وبث أخبار متلاحقة عن تظاهرات بالعشرات تتجمّع على زوايا الأبنية وفي الشوارع الفرعية، فيظن كل فرد غاضب متردد أن ما يراه من تجمعات طبيعية، هي هذه التظاهرات فيلتحق بها. وهكذا تتشكل التظاهرة التي تحدثت عنها القناة وهي لم تكن قد حدثت بعد، وكشف الكثير من النشطاء الذين شاركوا في الأحداث لاحقاً عن التدريبات التي تلقوها في بلغاريا وألبانيا ورومانيا، وهي ليست تدريبات على الأداء الإعلامي فقط، بل تدريبات بدنية، وتدريبات على أنواع الشغب المطلوب وكيفية تصنيع الأحداث المثيرة وافتعالها، وتصنيع المظلومية واستدرار العطف وشيطنة أجهزة الأمن، ليصحّ الحديث عن ميليشيا بثوب مدني، تتضمّن وحدات خاصة، منها لأعمال أمنية، الخلع والكسر والتدافع والضرب، ومنها لأنشطة درامية، البكاء والإغماء والروايات الكاذبة، ومنها الاستفزاز الكلامي والشتم استدراجاً لرد الفعل، وجمعيات جورج سوروس تتقن هذه التدريبات وتؤكد كشوفها المالية أن جمعيات لبنانية مدنية كانت ضمن لوائح متدرّبيها لسنوات طويلة.
ــ ما شهدناه بالأمس خارج وداخل قصر العدل كان مناورة بالذخيرة الحية لميليشيا باربرا ليف، حيث احتشد دعاة السلطة القضائية المستقلة من النواب وانضم إليهم مرشحهم الرئاسي الذي يشكل شعار القضاء المستقل البند الرئاسيّ في برنامجه الانتخابي، لمنع انعقاد اجتماع مجلس القضاء الأعلى، أي أعلى سلطة قضائية، لأن هناك من همس في أذن النواب والأحزاب والجمعيات المنضوية في ميليشيا ليف، أن المجلس سيتولى احالة القاضي طارق بيطار المدعوم من الميليشيا الى التفتيش القضائي، ويطلب من وزير العدل اقتراح اسم بديل، خرج النواب ومرافقوهم وجاء كل حشد الميليشيا واستنفرت القنوات التلفزيونية بالبث المباشر وعلقت برامجها قبل أن يقع الحدث الذي يمكن القول إنه يستحق تعليق البرامج والانتقال الى البث المباشر، والمتلقي لا ينتبه بعد وقوع الحدث للتساؤل عن سبب البث المباشر قبل وقوعه، ولا ينتبه أن التقارير التي تنبض بالتحريض تستهدف استنفار الحشود، لأنه سرعان ما يجد نفسه بين الحشود، ولا يتساءل وهو يشاهد نشرات الأخبار المسائية عن سر التعديل في الرواية عما سمعه صباحاً، وعن ضمّ مشاهد لم تلتقطها كاميرات البث المباشر بل تمّ حفظها مسجلة للبث المسائي، وفق ما تلقاه المعنيون في التدريب تحت بند التحفظ القانوني ومنع الملاحقة، وتكون الناس والحقيقة هما الضحية.
ــ في الحصيلة نجحت الجولة الأولى لانقلاب ميليشيا باربرا ليف، ومنع مجلس القضاء الأعلى من الاجتماع، لمنح الفرصة لمن بيده العقوبات او ادوات التخويف، وربما تنظيم الزيارات الليلية الى منازل القضاة بالحجارة وترهيبهم، كي يتغير التوازن داخل المجلس ويضمن تحقيق الحماية لمن أسند إليه دور البطولة في المسرحية، بمثل ما كانت أحداث الطيونة حماية من نوع مشابه!

شاهد أيضاً

مطر: “لو أراد الأسد عودة اللاجئين السوريين لكنا شاهدناه في السرايا، والتلوث في الفضاء السيبراني، يشكل فلتان الإعلام خطراً بقدر فلتان السلاح”.

  كتب النائب إيهاب مطر، عبر حسابه على منصة “أكس”: “ببساطة… الرئيس السوري بشار الأسد …