♡السيد و الشعر ~ السيد محمد حسين فضل الله شاعراً …

علي رفعت مهدي

 

وكيف لا ينظم الشعر من عاش في بيئةٍ تتنفس الشعر ، وتتذوقه ، وتستوحيه ، وتحاكيه ، ألا وهي بيئة النجف الأشرف – في العراق – مهد التراث الشعري و الحداثة …!
ما بين السيد والنّجف / الشاعرة حكاية طويلة ، بدأت من طفولة عركتها الأحلام والرؤى والخواطر ، ومآتي القادمين من غربة التاريخ ، يصنعون مجداً ، ويخطّون درباً ، يمتد إلى عوالم الدعاء والأنس والطمأنينة بالله !
وما بين لبنان – بنت جبيل والسيد أفقٌ طلقٌ ، ونسيمٌ منعشٌ يسعى لملاطفة هجير الصحراء ، فتستحيل واحة عشق ووئام ، وبردٍ وسلام ….
في النجف كانت البداية ، وفي لبنان كانت الومضة – ولا تزال – وها هو في طريقه إلى السبعين من السنين ، يبقى على سفرٍ وترحال ، سفرٍ ما بين الإيحاءات الشعرية ، وترحال إلى عالم الحق والخير والجمال .
كيف لا ، وهو من عمالقة الشعر والفكر العربي – كما عبر شاعر فلسطين سميح القاسم . ومن عمالقة الإنسانية التي رعى أحلامها وتطلعاتها ، وعايش الملمّات التي عانتها في كل مكان يقف الحب فيه ليقول : أنا الإنسان !؟ وليعزف في رحاب العمر موسيقى ” أنسنة الإنسان ” …
فكانت ولادة الشعر حباً ، ومعاناةً ، وقضيةً ، والتزاماً ، ووجداناً ، وعقلاً ، وكان العمر عمرَين : أحلام الشباب في ديوان (( على شاطئ الوجدان )) ، الذي قال سماحته في مقدمته (( .. وختاماً ، إنها قطعة من حياتي بكل آلامها وأحلامها ، ولذلك فإني عندما أقدمها إليكم ، فإنني أقدم بعض ذاتي الذي شارك في تأثيراته الفكرية والشعورية في بناء بعض ذاتي الآخر الذي هو أنا الآن ، لأن الإنسان في الحاضر يمثل بعض طفولته وشبابه في الماضي ، لأن الطفل لا يموت في الشاب ، كما أن الشاب لا يفنى في الشيخ ، بل تبقى لكل مرحلة من مراحل العمر حركتها في العمق وفي الأمتداد )) .
وتجربة عمل وجهاد فكري انساني عقائدي في ديوان (( قصائد للإسلام والحياة )) والذي يمثل فترة (( عمرٍ وتجربة حياة ، ومعاناة فكر )) .
هو الشعر في حياة العلامة المرجع السيد فضل ، والذي نريد أن يكون إطلالة على (( الوجه الآخر )) لسماحته ، وعلى العالم الذي لا يزال يتحرك مواكباً ، وقارئاً نهماً له ، فهو ( أي السيِّد ) – كما عبر أحد الشعراء النقاد _ ممن أنتهت إليهم زعامة الشعر العربي في عصرهم ، وهو واحد من قلة آثرت الشعر…. الذي عده سماحته إحساساً بالحياة ، وبانياً للمجتمع في كل حاجات المجتمع ، وتجربة غنية بالمضمون الفكري ، وحاملاً لقضايا العصر ـ وموسيقى موحية معبرة لا يمكن أن تصدر بمرسوم ، من هنا تراه يقول في تقديمه النّقدي للشعر والموسيقى في ديوان على شاطئ الوجدان :
(( أنا لا أتعقد من الوزن ، ولا أعتبر أن الموسيقى يمكن تصدر بمرسوم ، موسيقى الحياة مثل خرير الأنهار أو موسيقى الشلال .. تفرض نفسها .. ) وأمّا الشعر فيتساءل السيد عن جوهره (( ما قيمة الشعر إذا لم يبنِ المجتمع ، إذا نظرنا إلى المجتمع كمحورٍ إنسانيٍّ يحاول أن يتحرك في الحياة بشكل يلتقي بها ويخدمها ويحتضنها ويعيش كل إيحاءاتها وأوضاعها … والشعر إذا لم يبنِ المجتمع في كل حاجات المجتمع الفنية الإبداعية والفكرية والسياسية ، فإنه يكون بلا مضمون ، لأن الشعر إذا ابتعد عن مضمون الحياة يصبح شيءً لا معنى له )) .
من هنا ستكون بدايتنا في الإطلالة على حياة  العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في الشعر والأدب … لتكون بياناً يشارك التاريخ في الوقوف على مرحلة من العمر زاخرةٍ بالحياة والحيوية والإنفتاح على اللانهاية ، حيث الأفق يبذر خير الغد الآتي :
” فما غدٌ غير زرع قد تعهّدهُ
ماضٍ فأينعَ فيهِ الخيرُ والثَّمرُ
ما قيمة الشعر إنْ لم يبنِ مجتمعاً
حرّاً تسيرُ على منهاجِه العُصُرُ ..”

 

علي رفعت مهدي
٢٠٠١
(١)_تمّ نشر المقال في جريدة بيِّنات التي كانت تصدر عن المكتب الإعلامي للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله ؛ عام ٢٠٠١.

شاهد أيضاً

الشارقة تتصدر المشهد اليوناني مع الاحتفاء بها ضيف شرف الدورة الـ20 من “معرض سالونيك الدولي للكتاب”

بدور القاسمي: لسنا مجرد ممثلين لدولنا ولكننا مسؤولون عن قصة إنسانية مشتركة ● عمدة مدينة …