السواء والاختلاف وزمن الكورونا ” كتاب يلخص تجربة حية للأستاذة الجامعية الدكتورة بهاء يحيى (12)

السواء والاختلاف وزمن الكورونا” كتاب للأستاذة الجامعية الدكتورة بهاء يحيى، التي سألت في مقدمة كتابها:

أو ليس ما أكتبه جدير بالقراءة؟؟؟”

بلى يا دكتورة بهاء، ما كتبته جدير وجدير جداً بالقراءة..

لماذا؟

لأنك أستمديتي حبرك من نبض القلب،  وكانت حروفك دعاء صلاة. ولأنك ببوحك أخترقتي الروح ورفرفتي في فضاءات إنسانيتنا بإتزان الصبر وحولتي مشكلتك إلى إنتصار لم يكن لك شرف نيله لولا مجيء أميرتك “زينب” لتجعل ما تعلمتيه وتخصصتي به وما تدرسينه لطلابك فعل مقدس زاد من قدرتك وقدراتك، فأنتصرتي في الميدان ونلت الوسام الأعلى، مما جعلك في رتبة رفيعة ورفيعة جداً على الأقل أمام نفسك، رغم كل العذابات والآلام التي صهرتك، فكشفت عن نفاسة جوهرك، وكنت كل البهاء، كنت بهاء الأم الأمثولة الجديرة بالإحترام..

لن أكتب عن كتابك “السواء والاختلاف وزمن الكورونا” لأنني بصراحة عاجزة أن ألملم مشاعري المبعثرة، وبالتالي أترك للقارئء أن يكتشف عطمة قدرات الإنسان عندما يكون إنساناً بالمعنى الرسالة الذي جاء إلى الجياة من أجل تحقيقها، فإما الفشل وإما النجاح الذي أنعم الله به عليك، فكانت تجربتك وكان كتابك الذي كلما قرأته أجد فيه مساحة جديدة من البلاغة والعفوية والمعرفة والثقافة والإنسانية المكللة بالعلم والصبر. التي سيلمسها القارئ جلية في تحفتك “السواء والاختلاف وزمن الكورونا“…

فاطمة فقيه

الحلقة الثانية عشرة:

 

 

كلمة إلى طلاّب الاختصاص

 

مثلكم أنا كنت طالبة في قسم علم النفس، تدرّجت في سنوات الدراسة مع أساتذة، مع رفاق، مع معارف ومواد تطال جميع ميادين علم النفس ومدارسه، وأشكال ومظاهر الأمراض والاضطرابات النفسية وطرق العلاج وايضا انواع الاعاقات (الحسّية، الحركيّة، الذهنيّة…) حينها لم أحبّ المواد المتعلّقة بالاعاقات ولم اختارها، كنت أحسّ انّها لا تعنيني فلماذا ألتفت لها؟؟؟ لم أكن أدرك حينها انّ عالم الاعاقات سيصبح جزءا من حياتي، وأنه عليّ ان أعلم الكثير الكثير عنها…ألمعرفة النظرية هامّة حقا، لذا عليكم بالتزوّد بها واجراء التدريبات المختلفة في المؤسسات التي تعنى بكافة أنواع الاعاقات، واختبار مدى تحسّسكم لمثل تلك الحالات، وقدرتكم على التعامل معها والتجمّل بالصبر الدائم…

صحيح انّ المعاش الفعلي مع الاعاقات يختلف عن الاطار النظري، فالحالة هنا لم تعد بين طيّات الكتب والمراجع، ولا هي مؤقّتة تلتقيها في المؤسسة لساعات عدّة، ثم تخرج نافضا عن كيانك علامات الاختلاف، لتنضمّ إلى عالمك الطبيعي – ألسّوي… ألحالة هنا تفرض نفسها إلى الأبد، فلا مفرّ ولا مهرب، ولا تملك حتى ترف الوقت للانغماس في صدمة الولادة المختلفة… يجب ان تلملم ذاتك بسرعة وتستعدّ لمعركة المواجهة والتحدي، فالتدخل المبكر وكما تعلّمت اساس لتنمية واستثارة كافة مهارات هذا المولود الذي ينتظر منك ان تأخذ بيده جيدا، وتعرّفه على كل أمور الحياة…وحده، لن يستطيع فعل ايّ شيئ ومعك، مع حبك وحنانك وصبرك وعقلك وقلبك ويدك قد يستطيع فعل كل شيئ!!! فهل تستطيع تقدير حجم المسؤولية الملقاة على كاهلك لو كنت أهلا لطفل من ذوي الاحتياجات الاضافية؟؟؟

اليوم 21 آذار 2021 هو عيد الأم، وايضا هو اليوم العالمي لمتلازمة داون، عندما كنت طالبة لم أسمع بهذا العيد وأصلا لم يكن له وجود، ومع التطور الزمني وكثرة الدراسات النفسية والتربوية في مجال الاعاقات والفئات الخاصة، ولحثّ أفراد المجتمع للتحسّس مع حالات الاعاقة عامة والداون – سيندروم خاصة، تمّ تخصيص هذا اليوم من كل عام للتذكير بهذه الفئة من الأفراد بخصائصها المميّزة، والشدّ على أيادي الجميع لتقديم يد العون والمساعدة وفي كل المجالات الصحية والتربوية والاجتماعية والترفيهية، للعمل على ادماج هذه الفئة الخاصة في المجتمع والقبول بالاختلاف وابعاد تلك النظرة ألدّونية عنهم…

مصادفة العيدين حتما لها دلالة، فمع بداية فصل الربيع، فصل الولادة والتفتّح، هل هناك أجمل من احتفاء الأم بعيدها يدا بيد مع ذاك الطفل المختلف المبتسم دوما والذي يشعّ فرحا وحياة وسعادة…

اليوم هو عيدنا نحن الاثنتين، زينب تحضّر لعيد الأم من خلال أغنية مع رفاقها في المدرسة –طبعا اونلاين-وأنا أقول لها: واليوم عيدك أنت ايضا، لم تفهم تماما هذه المصادفة ولكن ما همّ، طالما انّ اليوم هو يوم عيد والعيديّة قالب حلوى وباقة ورد وأحلى غنّية…

غربيا وعالميا يتمّ الاحتفاء بهذا اليوم العالمي لمتلازمة-داون أكثر من مجتمعاتنا الشرقية عبر المسرحيات وعروض الأزياء والأفيشات والألعاب (باربي-داون) وتخصيص برامج ومساحات اعلامية للتعريف والتنبيه والتوجيه، مما يخلق تفاعلا مجتمعيا وهذا ما نلاحظه عبر مواقع التواصل وما تحتويه من تأييد وتشجيع وعبارات ثناء ومديح وكتابات آسرة عن هؤلاء الأطفال- الملائكة ألذين هم مختلفون فعلا، ولكنهم المميّزون بمتلازمة الحب أللا متناهي…

اليوم وأنا أستاذة في قسم علم النفس، وعندما اتطرّق إلى مشاكل الطفولة والولادة والاعاقة والاختلاف، تستحضرني تلك الطالبة ألتي كنتها، تغرف من مشارب العلم دون هوادة ودون انتباه لبعض ميادين علم النفس، التي مرّت عليها مرور الكرام لتقف عندها بتمهّل لاحقا متسائلة عن المغزى من إقحامها في عالم «الاعاقات» وجعله جزءا من حركة يومياتها المتتالية… يوميات أضحت مجبولة بتفاصيل حيوات ما كانت في الحسبان سابقا..هو ربما القدر يحدّد المسار ويرسم الخطوات ويرفع القناع عن أوجه حياة كانت مستورة وما علينا سوى القبول، هذا القبول ألمحفوف بالصدمة والحسرة والانكسار والتساؤلات والكثير الكثير من الصبر، قبول تصوغه نفسيات تسلّحت بالتحدي والاصرار على مواجهة وضعيات جديدة غير معهودة في السابق.

انه اختصاص «علم النفس التوافقي» هو المجال الذي يتم فيه التركيز على مختلف أنواع الاعاقات ومن خلال هذا الاختصاص يتعرّف الطلاب على أسباب الاعاقات، مظاهرها، طرق التعاطي معها، ويتم تدريب الطلاب في مختلف المؤسسات التي تعنى بهؤلاء الأفراد، والاطلاع على الأساليب التي يجب اتباعها لمساعدتهم على ان يكونوا متوافقين مع ذواتهم من جهة ومع محيطهم الأسري والخارجي من ناحية أخرى، هذا المحيط – ألحضن الذي سوف ينمو ويترعرع فيه «صاحب الحالة» ايضا يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار، ويتم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي الملائم له، كي يبقى حضناَ دافئاَ، آمناَ، ومصدراَ للحب والاطمئنان؛ في الكثير من الأحيان وفي غمرة الاهتمام بالطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، يتم اغفال وتجاهل الأسرة (الأم، الأب، الأخوة) وعن غير قصد في معظم الأحوال، لذا على أصحاب الأختصاص الالتفات وبشكل علمي إلى هؤلاء الأسر الذين يتحمّلون بصمت، بصبر، بحسرة وبكبرياء… هؤلاء وأمام تضحياتهم يكتسبون «الجدارة الوالدية» بامتياز ولهم حقا ترفع القبّعة…

علم نفس مرضي، عيادي، مدرسي، عمل، اجتماعي، توافقي…كلها ميادين على طالب الاختصاص اختيار واحد منها في مرحلة من مراحل التخصّص ليعمّق فيها معارفه، ويصبح اختصاصيا في مجال محدد، فلمن يهتم بعالم الاعاقات ويتمتع بطول الأناة والصبر، فليكن «علم النفس التوافقي» اختصاصه الدقيق يسخّر فيه معارفه ومهاراته، خدمة لجماعة من الأفراد بحاجة لأن يكونوا محاطين بأخصائيين يعملون لتحفيز قدراتهم واكتشاف مواهبهم والأخذ بيدهم في مشوار حياتهم الصعب… العلم هنا شرط ضروري لكنه غير كاف، هي شخصية المتعلم التي تلعب دورا في مواكبة الاختلاف، وفي محاولة فهم نفسية هذا الشخص المختلف وسبر أغواره الذهنية والانفعالية في محاولة لاستنفار كل الطاقات الكامنة في داخله، واسقاطها في قالب يرضي نرجسيته وكيانه الخاص من جهة، ويقرّبه من التدامج مع المحيط والآخرين من جهة اخرى.

للتعامل بنجاح مع الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة والاضافية، ينبغي بالاضافة إلى الاكتساب والثقافة العلمية المتمثّلة بشهادة الاختصاص، التمتع بسمات شخصية تلقى القبول لدى هذا الآخر المختلف الذي يعي بحدسه وذكائه العاطفي والانفعالي، من هو الشخص الذي يحبّه فعلا وبصدق، والذي يعمل على تقديم العون والمساعدة له برضى وشفافية، مع السعي الدؤؤب لفهم الأعماق وكشف الطاقات وعيش اللحظات والساعات والأيام معا، في ظلال مشاعر الحب والحنان والشعور بالأمان النفسي والوجودي الذي يعكس سعادة الكون بأكمله…

ولكي يتّسم العمل بالاتقان مع ذوي الاحتياجات الخاصة، لا بدّ من اضفاء روح الفريق المختص الذي يمسك بأيدي هؤلاء الأفراد لمساعدتهم في يومياتهم والسلوكيات من الأبسط إلى الأعقد… فريق العمل هذا والمؤلف من أخصائي النطق والمعالج النفس- حركي والمربي المتخصص والمعالج النفسي بالطبع يتداول بشكل دوري، كافة أنواع المشاكل التي يمكن ان تعترض مسيرة هذا الفرد المختلف وهي كثيرة في مسار نموه الحسي والحركي والذهني والاجتماعي. انّ تطور العلوم وتخصّصها ساهم حتما في تقديم يد العون والمساعدة لاستشراف مستقبل واعد لهؤلاء الأفراد، ان لناحية الاعتماد على أنفسهم أو تخصيص مراكز تأهيلية تعنى بهم وبمقدراتهم وطاقاتهم، وتؤهّلهم لدخول سوق العمل في مجالات تناسبهم ولا تسبّب لهم الاحراج، وتجعلهم على تماس مع الآخرين الذين يرون فيهم انعكاسا لصورتهم المقبولة والمحبوبة والمعترف بها لدى جماعة السّواء….

……يتبع

شاهد أيضاً

عون التقى محفوظ في اليرزة

استقبل قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة رئيس عام الرهبنة اللبنانية …