نظرية المؤامرة.. حقيقة المؤامرة (1)

 

  الريح عبد القادر

أكبر نجاح تحققه أي مؤامرة أن يتمكن المتآمر من تمرير تسميتها “نظرية” بذلك لا يقع الناس ضحايا للمؤامرة فحسب، بل يسقطون وهم يدافعون عن المتآمر ويبرئونه. ولقد بدأت خيوط المؤامرة في وقت مبكر من تاريخ الكون حين أعلنها إبليس الرجيم واضحة مدوية: “فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ” (الشعراء/82). تلك هي المؤامرة الكبرى، فإذا كان الله عز وجل هو الذي يقول لنا إن إبليس يتآمر علينا ويضع الخطط لإغوائنا، فإن إيماننا بالمؤامرة يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من إيماننا بالله وبالغيب وبالرسل وباليوم الآخر ولا يمكن لنا أن نؤمن بالله ما لم نكفر بالشيطان: “فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ” (البقرة/256). ولا يمكن أن نكفر بالشيطان ما لم ندرك حقيقة خطته فدعونا لا نُضِع الوقت في محاولة إثبات ما هو ثابت بنص القرآن الكريم.

ليس السؤال، إذن هو مدى صحة المؤامرة، وإنما كيفية مواجهتها؟

وأنجح وسيلة لذلك هي الوعي والاستعداد النفسي والأخلاقي. هذا النوع من الاستعداد يسبق تجييش الجيوش وحشد الترسانات العسكرية والموارد الاقتصادية، ذلك لأن حشد الترسانات والموارد، بدون أن يكون هناك وعي واستعداد نفسي وأخلاقي، سوف ينهار حتماً بفعل آليات المؤامرة نفسها.

ثمة ثوابت سبعة لا بد منها لكي يكتمل وعينا بأبعاد المؤامرة:

أولاً: معرفة المؤامرة جزء من عقيدتنا، والتحسب لها أمر رباني “يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ” (الأعراف/27). يطلق القرآن على مؤامرة الشيطان أسماء من بينها: عمل الشيطان، وكيده، وفتنته، وخطواته، وعبادته، وأُخوته، وولايته…إلخ. وكون مؤامرة الشيطان تهيمن على ما سواها من مؤامرات صغيرة واحد من أهم جوانب الوعي بالمؤامرة.
ثانياً: ليست المؤامرة ضد فئة بعينها من الناس، بل ضد البشرية بأسرها والمأساة أن المؤامرة تقوم على استخدام الناس أنفسهم أدوات لها، واستعدائهم بعضهم ضد بعض حتى لا يبقى شخصان إلا ويناصب أحدهما الآخر العداء.
ثالثاً: ضرورة أن تدرك أن المؤامرة موجهة ضدك أنت شخصياً، ويمكنك أن تنتصر فيها لوحدك إنْ أبى الآخرون المشاركة في التصدي لها، ويمكن أن تخسر أنت معركتها وإنْ ربحها الآخرون. لذلك لا مجال لليأس والتباكي وإتهام الآخرين بالتخاذل في التصدي للمؤامرة “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ”(المدثر/38)، و“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ” (المائدة/105)، و“وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ” (النجم/38).
رابعاً: هناك مؤامرات يحيكها بنو البشر بعضهم ضد بعض، لكن هذه ليست إلا “مؤيمرات” تكتيكية تخدم المؤامرة الاستراتيجية العظمى المتمثلة في خطة الشيطان لإغواء البشر وإهلاكهم على الضلال، ومن هذه المؤامرات الصغيرة نشاط الماسونية والصهيونية والمستنورين والقوى الإمبريالية والأطماع الشوفينية وغير ذلك من القوى الشريرة الواضحة والخفية.
خامساً: بدلاً من الانجرار وراء التخوين وإتهام الآخرين بالانتماء للماسونية مثلاً، يجب في المقام الأول أن يتأكد كل واحد منا من أنه لا يخدم المؤامرة بطريقة ما.

صحيح أن كيد الشيطان ضعيفٌ، لكن لا تتوهم أبداً أن ضعفه ذلك هو أمام قوتك. فأنت لستَ قوياً مهما ملكت وحشدت. أنت لا حول لك ولا قوة إلا بالله. وأنت فوق ذلك ظلوم وجهول وقتور وخائر العزم. إن لم تدرك ذلك، فأنت لم تعرف نفسك! ومن جهل نفسه جهل ربه وجهل عدوه. إذن، ليس ضعف الشيطان أمامك أنت أيها الإنسان المغرور، بل أمام كيد الله المتين. فاعرف ذلك ولا تتوهم ولا تغتر.

نعم، لا بد من حشد الموارد والترسانات لمواجهة المؤامرات الصغيرة. مؤامرات الدول والإمبراطوريات. أما المؤامرة الكبرى، مؤامرة الشيطان، فلن تنجو منها إلا بإيمانك وبفرارك إلى الله. وحين نحقق النصر في إحدى الجولات، مثل نيل الاستقلال، وبلوغ التنمية، واسترداد السيادة، يجب أن نحذر أشد الحذر. إذ يمكن أن يكون ذلك النصر نفسه حلقة من حلقات المؤامرة علينا إنْ هو دفعنا إلى الاغترار والافتخار والعجب بالنفس.
إن قلتَ إن المتنورين والماسونيين والصهاينة هم أصحاب الخطة فأنت لم تر إلا رأس جبل الجليد. ففي قاعدة الجبل يقبع إبليس الرجيم. وما المتنورون والماسونيون والصهاينة وغيرهم من الكيانات الغامضة إلا الجزء المرئي من قمة الجبل. هناك آخرون كثيرون لا نراهم ولا نعلم عنهم شيئاً. كبار الأعوان يعرفون ماذا يفعلون: إنهم يتعاونون مع الشيطان مباشرةً، يأخذون المقابل ويقدمون الخدمة. هؤلاء باعوا دنياهم بآخرتهم وما المقابل إلا الجاه والسلطان والشهرة وغير ذلك من متاع الدنيا، أما صغار الأعوان فإنهم قد يظنون أنهم بما يفعلون يحسنون صنعاً ومعظم الأعوان ينفذون أدواراً جزئية، أو مرحلية، ولا يدرون عن الأمر شيئاً، فهم لا يؤمنون بـ “نظرية المؤامرة” أصلاً!
إذن “إعداد القوة ورباط الخيل” هو السلاح الذي ندفع به أعداء دنيانا أما العدو الأكبر، عدو آخرتنا، فلا سبيل النجاة منه إلا بالفرار إلى الله. لا يجمل الفرار بالرجال والنساء إلا من الشيطان. يجب أن نثبت ثبات الجبال أمام أعداء دنيانا، وأن نفر فرار الرعاديد من عدو آخرتنا. مما تظنون أن القرآن جاء ليحذرنا؟ ما جاء القرآن ليحذرنا إلا من الشيطان! وما خرج أبانا من الجنة إلا بسبب الشيطان! ولن يدخل النار أحد منا إلا بسبب الشيطان! حين نقرأ القرآن الكريم، نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم: أي أن نفر إلى الله ونلوذ به.. خلاصة الأمر: عليك أن تعرف المتآمر الرئيس وهو إبليس، وأن تعرف خطته، وهي الإغواء، وأن تعرف الوسيلة الوحيدة للنجاة منه، وهي الفرار إلى الله.

شاهد أيضاً

الفنان الفلسطيني سانت ليفانت يكشف عن أغنيته “قلبي ماني ناسي”

سانت ليفانت يقدم “قلبي ماني ناسي” بأسلوب موسيقي متنوع ومعقد رسالة عميقة ومؤثرة من خلال …