أسرار لن تشاهدها في غالبية المسلسلات التاريخية التي ينتجها العرب، ولا حتى في الروايات التي تنشر

ناجي أمهز

لقد تعودنا في غالبية المسلسلات التاريخية التي ينتجها العرب أن تكون الصورة، خاضعة لمقاييس لا يقبلها عقل ولا تنطبق على أرض الواقع ولا تلتقي مع السيرة.

وفي غالبية هذه المسلسلات، نجد الرواية نفسها، مع تغيير فقط بالديكور والممثلين، بينما السيناريو فإنه يحمل نفس العبارات، لذلك لا تتلمس متغيرا غير المتكرر في الذاكرة، وتشعر أن هذا العمل لن يضيف إليك أي معلومة جديدة، حتى لو كلف مليار دولار، لذلك هذه المسلسلات لا تحقق أي شيء، لا زيادة في عدد المشاهدين، ولا توضح لك حقبة تاريخية كنت تجهلها، ولا حتى تبين حقائق ربما لم تسمع بها من قبل، لذلك غالبية المسلسلات التاريخية فشلت فشلا ذريعا، وبالكاد أحد يتذكرها أو يعاود مشاهدتها، والكل يعرف أن هناك غاية من سرد القصص والروايات عن شخصيات تاريخية بأسلوب واحد، لأسباب كثيرة.

مثلا خليفة المسلمين عثمان بن عفان،

لم يذكر بالمسلسلات أو الروايات، أن عثمان بن عفان قبل الإسلام (في زمن الجاهلية) كان من أهم الشخصيات في شيه الجزيرة العربية، وأكثرهم نفوذا ومالا وسلطة، وان الملوك والأباطرة كانوا يستقبلونه ويقفون عند رأيه ومشورته، فيما يتعلق بالنتاج القومي الاقتصادي، بل كان عثمان بن عفان إحدى ركائز خطوط التبادل التجاري في تلك الحقبة.

1- مثلا في المسلسلات والروايات لا يذكر أن عثمان بن عفان كان يجيد أكثر من لغة، وهو زار العديد من الأمصار وامتلك في تلك الأمصار، الأراضي والدور والمستودعات، وحتى السفن التجارية البحرية، وكان التجار يأمنونه على أموالهم وتجارتهم، وكان يتعامل بالتجارة مع مختلف التجار من اليهود والبيزنطيين والفرس والهنود والصينيين، قبل الإسلام، وتجارته امتدت من مصر حتى الصين مرور  بالهند وبلاد فارس، وكان يتاجر بالحرير والبهارات والعطارة ومختلف التجارات الصناعية السائدة في ذلك الزمان.

2 – لا يذكر في المسلسلات والروايات، أن عثمان بن عفان كان يمتلك تقريبا أكبر قطعة أرض، يعلوها سور في “الطائف” وكان لديه أكثر من 3 آلاف عامل وأجير يعملون لديه، للاهتمام بالإبل والمواشي والأراضي حول قصره، إضافة إلى المستودعات العديدة التي كان يخزن فيها عثمان بن عفان كل ما يستورده من الهند وبلاد الصين وبلاد الشام، وحتى ما يشتريه من العرب والبيزنطيين ثم يقوم بنقلها إلى بلد آخر.

3 – لا يذكر في الروايات والمسلسلات، أن عثمان بن عفان كان لديه أكثر من خمسمائة فارس من أشد المقاتلين تدربا وباسا وقوة، وكانوا مجهزين بأحدث الأسلحة في ذلك الزمان، يعملون لديه لحماية قصره ومستودعاته التي كان يخزن بها البضائع التي يتاجر بها، إضافة إلى حماية أمواله المنقولة نقدا، وهي بكميات هائلة من الذهب والفضة، إضافة أن هذه الكتيبة المقاتلة المدربة هي التي كانت ترافق وتحمي قوافل عثمان بن عفان التجارية بترحالها من اللصوص وقطاع الطرق.

4 – لا يذكر بالروايات والمسلسلات أن خالة عثمان بن عفان السيدة سعدى بنت كريز كانت كاهنة لها شهرتها الواسعة في ذلك الزمان، ويروى أنها كنت تصدق بكافة توقعاتها، وهي التي أخبرت عثمان بن عفان بأنه سيتزوج رقية بنت محمد، قبل أن يعتنق عثمان بن عفان الإسلام، وهي التي أشارت عليه باتباع محمد، ولها قصائد حافظ عليها الخليفة عثمان بن عفان حتى وفاته بل كان يرددها في مجالسه.

5 – لا يذكر في الروايات والمسلسلات، أن سيدتنا خديجة بنت خويلد، كانت لها حصة كبيرة من الأموال ورثتها عن زوجها المتوفي عتيق بن عابد المخزومي، الذي كان شريك عفان بن أبي العاص قبل ولادة عثمان، ثم بعد وفاة عفان انتقلت هذه التجارة العملاقة والكبيرة إلى عثمان بن عفان، وان محمد رسول الله تعرف على عثمان بن عفان، من قبل السيدة خديجة قبل النبوة.

6 – لا يذكر في المسلسلات والروايات ان الجيوش الاسلامية التي كان يمولها عثمان بن عفان من امواله وعلى نفقته، وهو الذي كان يشرف على شراء اسلحتها، والخيول، ويحدد رواتب المقاتلين في هذه الجيوش، وان ثمن الخيل في ذاك الزمن تعادل اليوم ثمن سيارة مرتفعة الثمن، ما يشير ان ثروة عثمان بن عفان تعادل ميزانية دولة اليوم.

انت في المسلسلات لن تشاهد او تسمع اي شيء مما ذكرته لك، عن خليفة المسلمين، بينما لو طالعت الروايات التاريخية المثبتة ستجد كل ما اخبرتك عنه.

والغاية من هذا المقال إن المسلسلات التاريخية وخاصة الإسلامية التي تنتجها الدول العربية، بحاجة إلى واقعية أكثر بكثير مما يقدم للمشاهد العربي، خاصة أنه في زمن الذكاء الصناعي، يمكن إدخال هذه البيانات والحصول على صورة تقريبية تحاكي المشاهد التاريخية بواقعية.

إن شاء الله في مقال آخر تتناول شخصية تاريخية مختلفة، لنقارن بينها تاريخيا وكيف ظهرت في عمل فني.

شاهد أيضاً

صحف عالمية: إسرائيل تحبس أنفاسها في انتظار رد السنوار

سلّطت صحف ومواقع عالمية الضوء على الضغوط التي تمارس على المسؤولين الإسرائيليين لإنهاء الحرب على …