قتلوا الحسين بسيوفهم فقتلناهم بحبنا للحسين

* جميل ظاهري

عمد بنو أمية الى تأسيس الفكر التكفيري الارهابي كسلاح لإعادة سيطرتهم الجاهلية والقبلية والوثنية على العرب والأمة بعد رحيل خاتم المرسلين محمد الأمين صلى الله عليه وآله وسلم عبر سقيفة بني ساعدة تلك المؤامرة التي قال عنها بن عباس “آه من رزية الخميس”، إنتقاماً منه ومن رسالته السماوية السمحاء رسالة المودة والمحبة والرأفة والتعايش السلمي، ومن أهل بيته المنتجبين الميامين وأصحابهم الخيرة وشيعتهم وأنصارهم ومواليهم على طول التاريخ .
تناسى بنو أمية محبة نبي الرحمة والمودة الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الميامين، والتعامل الإنساني معهم رغم كل ما حملوه من مصائب وبلايا ومتاعب وأذى حتى قال صلوات الله عليه: “ما أُوذي نبيٌّ مثلَما أوذيتُ” – من حديث عبد الله بن مسعود، وفي مناقب ابن شهرآشوب، وجديد ج 39 / 56، وط كمباني ج 9 / 359، وعن أنس بن مالك، المحدث الزرقاني في مختصر المقاصد الصفحة أو الرقم: 869، وخلاصة حكم المحدث: صحيح التخريج حيث أخرجه ابن حبان في (المجروحين) 2/243 مختصراً، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) 6/333 باختلاف يسير؛ عندما أعلن وبصوت عالٍ في يوم فتح مكة أن “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن”.
لكنهم وبكل حقد وكراهية وضغينة وإجرام عاملوا أبنائه وريحانته بمختلف صنوف الإجرام والخيانة والنفاق حتى أمروا بحرق خيام حرائره بنات وحي الرسالة الإلهية وهم في داخلها في ظهر عاشوراء الدم والتضحية والإباء والفداء ورفض الذل والهوان والانحراف والتزييف والتزوير والوثنية سنة 61 للهجرة على أرض كربلاء، معيدين للذاكرة حرق باب بيت الوحي والرسالة وروحه التي بين جنبيه فاطمة الزهراء سلام الله عليها وهي واقفة خلفها والثاني ينادي بأعلى صوته “وإن”- انساب الاشراف للبلاذري 41/586 والامامة والسياسة لابن قتيبة 12 وشرح ابن ابي الحديد 1/134 و 2/9 والرياض النضرة 1/197 وتاريخ الخميس 1/188.
آمنهم الرسول الأعظم (ص) على حياتهم وأموالهم وممتلكاتهم وأعراضهم وقال لهم “اذهبوا أنتم الطلقاء من بعدي”، فقابلوا محبته بقتل وذبح ريحانتيه، واحد بالسم والآخر بالسيف ومن معه من أهل بيته وانصاره وقطعوا الرؤوس ومزقوا الأوصال وسحقوا الأجساد بخيول حقدهم الدفين ولم يسلم من إجرامهم في مجرزة عاشوراء بأرض الطفوف حتى الطفل الرضيع الذي لم يبلغ من العمر ستة أشهر، ليؤسسوا لمسيرة الإرهاب التكفيري وكيف بهم واتباعهم وسلالتهم وأنصارهم وأحفادهم يواصلون إجرامهم حتى يومنا هذا بحلة الدين الجاهلي المزور المنحرف المزيف .
لم يعرف عن قريش والعرب تجمعهم وحدة كلمتهم في إبادة خاتمية الأديان السماوية ومحوها من الذاكرة والعمل على الترويج للاسلاموفوبيا قبل قضية عاشوراء والعودة الى الجاهلية الأولى كما ذكر في القرآن الكريم ” أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ” آل عمران:44، حيث تتواصل سياستهم التكفيرية ضد كل من يخرج على حكمهم الفاسق الفاجر الجائر الظالم حتى يومنا هذا بفتاوى وعاظ سلاطينهم الذين باعوا آخرتهم بدراهم ودنانير الحكام والملوك اولئك الذين أعمى الله بصيرتهم وقلوبهم قبل أعينهم، بكل إجرام وبشاعة يندى لها جبين الانسانية على طول التاريخ.
دفع بنو أمية الطلقاء بالعامة الجاهلة الساذجة المخدوعة بفتوى الكذب والنفاق والخداع لقتل سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام وأهل بيته وصحبه الأخيار، ريحانة سيد المرسلين الذي لازال صوته يدوي في الأمة بقوله “حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، الحسين سبط من الأسباط”- رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم، والذهبي والألباني؛ وعشرات بل مئات الروايات التي نقلها العامّة والخاصّة، من أمثال أحمد بن علي بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ في (الإصابة في تمييز الصحابة 333:1)، والخطيب البغداديّ في (تاريخ بغداد 141:1) بسند ينتهي عن عبيد بن حنين، أنّ عمر بن الخطّاب قال للحسين سلام الله عليه يوما وهو في صِغر سنّه: إنّما أنبتَ ما ترى في رؤوسنا اللهُ ثمّ أنتم (ذكره: المتّقي الهنديّ في كنز العمال 105:7 وقال: أخرجه ابن سعد وابن راهويه والخطيب البغداديّ، وذكرَه ابن حجَر في الصواعق المحرقة 107).
روى تحفة الأحوذي للمباركفوري قول النبي الأكرم: “حسين مني وأنا من حسين” قول القاضي بهذا الخصوص قائلاً: كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه (حفيده الامام الحسين) وبين القوم (الطلقاء)، فخصه بالذكر، وبين أنهما (هو وريحانته) كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله (أحب الله من أحب حسينا) فإن محبته محبة الرسول (ص)، ومحبة الرسول (ص) محبة الله سبحانه وتعالى؛ فكانت فعلتهم الشنيعة والدنيئة والوقحة بقتله وقطع رأسه الشريف والتجوال به في سائر البلاد من أرض الطف حتى الشام.
الأمر لم يقف عند هذا الحد بل هتكوا ستر آل الله أهل بيت الحبيب المصطفى الأخيار، حيث أخذوهم أسارى من منزل الى منزل ومن مدينة لاخرى أمام أنظار الأجانب أسارى ومسبيين كسبي الترك والروم؛ وهو ما يحصل في الآمة حتى يومنا هذا ليعكس المدى الكبير الواسع لحقدهم وكراهيتهم لآل خاتم المرسلين.. أربعون يوماً وأربعون منزلاً عانى ما عانى ما تبقى من أهل بيت الوحي والنبوة والامامة عليهم السلام ومن معهم، من الويلات والمصائب الشداد وإذلال الارهاب التكفيري الأموي القائم على الأمة حتى يومنا هذا، ذلك الارهاب الذي لا يطيق وبكل ما للكلمة من معنى سماع قول “أشهد أن محمداً رسول الله” وهو يعلو المآذن خمس مرات في اليوم.
ملأ بنو أمية تاريخنا الاسلامي بالكراهية والإقصاء ورفض الاخر وتزوير وتزييف حقيقة الدين الاسلامي المبين وحرفوا مسيرته الراشدة، واستغل وعاظهم وابواقهم الدعائية سذاجة المجتمع وبساطته لنشر وترويج أفكارهم التكفيرية الإقصائية المنحرفة بحلة الدين مؤكدين أن كل مايقولونه نص صريح مقدس يحرم معارضته أو مخالفته، فابتدعوا الارهاب التكفيري تحت يافطة الاسلام وهو منهم براء، وأفتوا بطاعة الحاكم وإن كان جائراً وفاسقاً وفاجراً وشارباً للخمر؛ بدأ من معاوية في سلطته المسروقة على الشام عندما وقف سيد شيطان المكر والخديعة عمر بن العاص مطلقاً الأحاديث المزيفة والكاذبة دعماً لسلطانه وحكمه فبان إنحراف الأمة عن الطريق الصحيح.
إزداد الأمر سوءاً مع حكومة أبنه “يزيد” الفاسق الفاجر شارب الخمر مداعب القردة قاتل النفس المحرمة، ما دفع بالإمام الحسين بن على بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام وإمتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى بالنهوض للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الأمة حيث لا زال كلامه يدوي ويصدح في سماء المعمورة “إني لم أخرج أشراً ولا بطـراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين ..” حتى قال (ع)” ألا إنّ الدعيّ أبن الدعيّ قد ركز بين اثنتين, بين السلة والذلة , وهيهات منا الذلة …” – بحار الأنوار ج44 ص329 والعوالم ترجمة الامام الحسين(ع) ص 179 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص188 والفتوح لابن أعثم ج5 ص21 واللفظ للأول.
سرعان ما جاءه الرد وفي آخر حلقة من حلقات مأساة عاشوراء من صراع الحق مع الباطل وانتصار الدم على السيف، دون إستحياء أو خجل كما رواه أبو مخنف: لما قتل أصحابه وأهل بيته ولم يبق أحد عزم على لقاء الله، فدعا الامام الحسين ببردة رسول الله فالتحف بها فأفرغ عليها درعه، وتقلّد سيفه واستوى على متن جواده، ثم توجّه نحو القوم وقال: ويلكم على مَ تقاتلونني؟ على حقٍّ تركته؟ أم على شريعة بدّلتها؟ أم علي سنّة غيّرتها؟ فقالوا: بل نقاتلك بغضا منا لأبيك! وما فعله باشياخنا يوم بدر وحنين !، راسمين بذلك صورة ناصعة وواضحة عن إسلامهم التكفيري المتشدد الذي رسخ مفاهيم وقيم متواترة عن السلف وكلها تدعو الى الكراهية وتجذرها في بيئتنا الاسلامية حتى يومنا هذا ما تسبب في إراقة الدماء البريئة أنهاراً هنا وهناك خاصة في عراقنا الجريح ومنطقتنا المتألمة.
يغيضهم كل الغيض أسم علي أمير المؤمنين حيث يذكرهم بسيفه ذوالفقار وماذا فعل بشيبة وعتبة وعمر بن ود العامري ومرحب وصناديد العرب الجاهلة الحاقدة الكافرة الضالة المنافقة من أسلافهم مرغماً إياهم قبول الاسلام أم الموت منذ بزوغ شمس الاسلام المحمدي الأصيل الذي أنتشر بدعوة خاتم المرسلين ومساعدة أموال سيدتنا خديجة، ليبنى بسيف الامام علي أمير المؤمنين عليه السلام وفق قول رسول الله: “ما قام الإسلام إلا بمال خديجة وسيف علي” – مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب : 3/114؛ ولهذا صبوا كل ما لديهم من حقد وعداوة على بيت الوحي والرسالة وتفننوا إجرامهم ضدهم بمختلف أنواعه من سم واغتيال وقتل بالسيف من كبيرهم حتى رضيعهم، وتقطيعاً للأوصال وسحقها بحوافر الخيول دون رادع اسلامي او حتى انساني أو قبلي، فقتلوا الحسين بسيوفهم..
عقدنا العزم بأن نقتلهم بحبنا للرسول وآله وولائنا لهم وبتمسكنا بمدرستهم ونهجهم وتضحياتهم من أجل الدعوة الربانية وسيرتهم المضيئة المشرقة الايمانية السمحة والتعايش السلمي.. الرافضة للحقد والكراهية والبغض والعداء والجهل والظلمة ورفض الآخر والتعدي عليه وعلى عرضه وماله وممتلكاته, وفق مدرسة يوم فتح مكة وصوت علي بن أبي طالب يصدح في سماء أم القرى والبيت العتيق “اليوم يوم المرحمة”.. لن نحيد أبداً عن حبنا للامام الحسين عليه السلام ومدرسة العزة والحرية والتضحية والإباء والفداء من اجل تعاليم السماء الاسلام المحمدي الأصيل, فأضحت مناراً يحتذي به كل حر وغيور في العالم مسلم كان أم غير مسلم؛ فمنهجه قويم وصراطه مستقيم على شاكلة والده الامام علي أمير المؤمنين والذي هو نفس النبي وفق آية المباهلة و خير المؤمنين والأوصياء والصديقون في عشرات الآيات الكريمة.
نقتلهم بحشودنا المليونية الهادرة التي تخرج كل عام بمشاركة أكثر من عشرين مليون انسان محب وموالي وعاشق من عشرات الجنسيات بل وحتى من مختلف المذاهب والأديان ومن مختلف بقاع العالم سائرة نحو قبلة العشق ومنار الحرية ونبراس الإباء والتضحية, ومدرسة الفداء والوفاء والعقيدة الراسخة حبل الله المتين الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وأخيه العباس عليهم السلام اجمعين, سيرا على الأقدام مئات الكيلومترات ولعشرات الأيام والليالي.. تقوم عشرات آلاف المواكب والهيئات لخدمتهم والسهر على راحتهم بتكاتف جميع شرائح وطبقات الشعب العراقي المضياف بكبيره وصغيره, شبابه وشيوخه, رجاله ونسائه, جاعلين من بلاد الرافدين أرض علي والحسين مضيفا كبيرا لاستضافة هذه الحشود الكبيرة جدا من زوار ابي الأحرار وسيد الشهداء بكل ما لديهم من الامكانيات ما يتصوره العقل وما لا يتصوره.. هي ضربة سيف ذو الفقار علي بن أبي طالب على هامات الحاقدين والناصبين العداء لال البيت الأطهار.
jameelzaheri@gmail.com

شاهد أيضاً

أبو ستة للميادين: منع دخولي إلى أوروبا هدفه ألا أدلي بشهادتي أمام “الجنائية الدولية”

الطبيب الفلسطيني، غسان أبو ستة، يؤكد أنّ الهدف وراء منعه من دخول أوروبا هو منعه …