الياس سركيس كان مُرشحاً لفريق سياسي.. ونموذج “الآدمي” هو المطلوب “جمهوريّة الأخلاق” مطلب اللبنانيين بعد عهود الفساد واللصوصيّة

كمال ذبيان

يتم التداول من بعض السياسيين بمواصفات مرشح كالرئيس الراحل الياس سركيس كنموذج لشخص توافقي وغير حزبي، وقد مرّر اسمه رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط للبحث عن شخص لا ينتمي الى قوى 8 و14 آذار بما ترمز في لعبة الامم وصراع المحاور، وانعكاسات ذلك على لبنان.
وقد يكون هذا التوصيف مقبولا لو كان فعلا الرئيس سركيس شخصا غير منحاز، ولا ينتمي لاطراف الصراع اللبنانية الداخلية والخارجية، فهو كان من فريق “الشهابية السياسية” و”حركة النهج”، ولم يتم ترشيحه في العام 1970 الا لانه شهابي النهج والممارسة، فخسر بفارق صوت واحد امام منافسه مرشح “كتلة الوسط البرلمانية” الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي نال خمسين صوتا، ونال سركيس تسعة واربعين، وادى سقوط الاخير الى بداية نهاية “الحكم الشهابي” و”المكتب الثاني” (مخابرات الجيش)، وبدأت بوادر افول “الشهابية” مع الانتخابات النيابية في العام 1968 بنجاح مرشحي “الحلف الثلاثي المسيحي” المكون من كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده، وقد استفاد هذا الحلف من هزيمة الانظمة العربية امام العدو الاسرائيلي في حرب حزيران 1967 ، وفي مقدمهم النظام المصري برئاسة جمال عبد الناصر الذي كان اللاعب الاساسي على الساحة اللبنانية منذ العام 1958 ، ووصول قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب الى رئاسة الجمهورية، فتم تعزيز “الناصرية” في لبنان التي تشكلت من شخصيات سنية انشأت تنظيمات ناصرية.

وبدأ اندحار “الشهابية” في العام 1968 وسقوط مرشحها سركيس في انتخابات رئاسة الجمهورية في العام 1970 ، لكن الانتخابات الرئاسية المبكرة عام 1976 جاءت لصالح سركيس الذي كان مرشح النظام السوري برئاسة حافظ الاسد، بمواجهة العميد ريمون اده مرشح “الحركة الوطنية اللبنانية” ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتحديدا حركة “فتح” برئاسة ياسر عرفات، فجاء فوز سركيس مدعوما بقرار دولي واقليمي وعربي كان قد اتخذ لوقف الحرب الاهلية اللبنانية، وتشريع دخول الجيش السوري الى لبنان في قمتي الرياض والقاهرة باسم “قوات الردع العربية” التي شاركت فيها مجموعات عسكرية من دول عربية.

فترشيح سركيس في دورتين انتخابيتين كان فيهما طرفا سياسيا، وكان مرشحا من فريق سياسي، ولا تنطبق عليه صفة المرشح الوسطي او التوافقي او غير المنحاز، كما يروج سياسيون، وان كل رؤساء الجمهوريات الـ 13 الذي انتخبوا منذ العام 1943 كانوا يسمون من الخارج، واحيانا كثيرة بتسويات دولية – اقليمية.

ولن تكون الانتخابات الرئاسية التي دخل لبنان في استحقاقها الدستوري بعيدة عن التأثيرات الخارجية والعوامل الداخلية، وفق مصادر سياسية مطلعة على مسار هذه الانتخابات، حيث ان تظهير نموذج سركيس الذي كانت الحركة الوطنية برئاسة كمال جنبلاط ضده ، واعطته “جبهة النضال الوطني” اصواتا ضد فرنجية في انتخابات عام 1970 ، فان البحث عن مثل هذا النموذج لا يفيد رئاسة الجمهورية التي كان سركيس فيها يدير ازمة بعد حوالى عامين على انتخابه تحت النار، اذ رافق جلسة الانتخابات انقسام في الصف الوطني اللبناني والفلسطيني ومعارك شوارع لتعطيل جلسة الانتخاب التي امنت “منظمة الصاعقة” الامن لها، ومنذ ذلك الحين انحازت سوريا الى “الجبهة اللبنانية” كحليف لها ، والتي ضمت حزب “الوطنيين الاحرار” و”الكتائب” وشخصيات مسيحية.

وقد يكون طرح جنبلاط وغيره لنموذج سركيس كشخص زاهد ونظيف الكف ومستقيما في ادائه الوظيفي، والذي على اساسه قدمه فؤاد شهاب كخليفة له وقربه منه كمدير عام في رئاسة الجمهورية، الا ان السياسي في سركيس كان فريقا في الترشيح كما في الممارسة الرئاسية، اذ اعاد الشهابية السياسية الى السلطة، وكان من رموزها فؤاد بطرس وفاروق ابي اللمع مديرا عاما للامن العام واللواء سامي الخطيب قائدا لقوات الردع العربية.

ونموذج سركيس “الآدمي” ربما هو المطلوب بعد عهود من الفساد الذي اوصل لبنان الى الانهيار، ويوجد عديد من الاسماء التي تتمتع بالاخلاق والقيم، وهذه حاجة لبنان الذي سيطرت عليه العقلية اللصوصية والمحاصصة الطائفية والمغانم السياسية والفردية. فالامم تبنى على الاخلاق ، وهي الجمهورية التي يبحث عنها اللبنانيون، ومن الاخلاق تبدأ الانطلاقة لبناء الانسان والدولة

شاهد أيضاً

هآرتس”: ما علاقة الحلف الدفاعي السعودي الأميركي بحرب غزة؟

يُقدّم المحلل في “هآرتس” تسفي برئيل تحليلاً متعدد الأبعاد لمسار التطبيع السعودي الإسرائيلي ربطاً بالمعاهدة …