. الحريري لم يحسم خياره بعد.. العقد أكثر من التسهيلات!

لا تزال مشاورات التكليف والتأليف تسير بالتوازي، على رغم أن هذا الأمر غير دستوري وغير ميثاقي، وبالتالي فإن المساعي التي يبذلها الرئيس نبيه بري ، بعدما أطفأ محركاته رميًا، لم تؤدِ حتى الآن إلى بلورة صيغة مقبولة تسمح بإعطاء الضوء الأخضر لتحديد موعد للإستشارات النيابية الملزمة، مع التشديد على أهمية عامل الوقت، إذ تعتبر مصادر سياسية متابعة أن المسؤولين لا يملكون ترف الوقت، وأن الإستحقاقات الكثيرة تفرض على جميع المعنيين تسهيل مهمة رئيس مجلس النواب، تمهيدًا للإتفاق على شخصية ليتم تكليفها لتأليف حكومة تكون في مستوى تحدّيات المرحلة الحالية، مع العلم أن “الإستاذ” يعمل على أكثر من جبهة من أجل إقناع الجميع بضرورة عودة الرئيس سعد الحريري على رأس حكومة فاعلة، سواء أكانت حكومة وحدة وطنية أو حكومة حياديين أو حكومة اقطاب أو حكومة تكنوسياسية.

ورأت مصادر سياسية أن العقد القائمة في وجه عودة الرئيس الحريري إلى السراي الحكومي هي أكثر من التسهيلات، ومن بينها العقد الداخلية والخارجية، لكن ذلك لا يمنع الرئيس بري من السعي إلى تذليل العقبات الداخلية، وهو لذلك زار رئيس الجمهورية والتقى الوزير السابق جبران باسيل، ويقوم بمروحة إتصلات واسعة، وقد تبيّن له من خلال لقائه بباسيل، في حضور “الخليلين” أنه في الواقع وعلى رغم كل ما حصل تبرز “عقدة باسیل” مجددا، من بين العقد الكثيرة، وفق معادلة “یبقیان أو یخرجان معا”، وحیث تبدو مشاركة باسیل في حكومة یرأسھا الحریري في أساس موقف رئیس الجمھوریة ومطالبته بتفاھم مسبق على الحكومة، وأن یكون التكلیف، كورقة أساسیة في یده، مسبوقا بتفاھم على التألیف الذي سیكون خاضعا لمروحة واسعة من التدخلات والمؤثرات.

فموقف الرئيس بري معروف أصلًا، وهو جاهر به ولا يخفيه. إنه يريد سعد الحریري رئیسا للحكومة الجدیدة ولیس لدیه أي مرشح آخر. فهو كان بالنسبة إليه الخیار الثابت والدائم، وهو قدّم له “لبن العصفور” قبل أن يوافق على مضض على حسان دياب بعدما رفض رئيس تيار “المستقبل” العودة إلى السراي الحكومي بشروط غيره.

صحيح أن وضع البلد اليوم وبعد إنفجار بیروت، الذي أطاح بحكومة دياب، غير ما كان عليه قبل تسعة أشهر، وهذا ما يدركه جيدًا الرئيس بري، ويعرف تمام المعرفة أن طریق الحریري الى رئاسة الحكومة لیست معبّدة بالكامل، وإنما تعترضها عقبات كثيرة، منها داخلي ومنها خارجي، وقد يكون أولى هذه العقبات أن الحريري لم يحسم أمره بعد، ويبدو حتى هذه اللحظة أنه غير مقتنع بضرورة عودته إلى ترؤس السلطة التنفيذية، إلا إذا لاقى تجاوبًا من الجميع، من دون شروط مسبقة من اي طرف، متكلًا بذلك على كاسحة عين التينة للألغام المزروعة في الطريق، التي تصل “بيت الوسط” بالسراي، على رغم قرب المسافة بينهما.

وفي إعتقاد البعض أن الرئيس بري یرى أن لحظة عودة الحريري الى السرای قد حانت، وفي ظل واقع قد يكون أفضل لفرض شروطه أو المطالبة بضمانات، بعدما تأكد للجمیع أن لا بدیل عنه في الظرف الراهن.

أما ثاني العقد فتتمثل بالقاعدة الشعبية للرئيس الحريري وبيئته، خصوصا بعد حكم المحكمة الدولیة، وهي ترفض أن یكون رئيس “التيار الأزرق” رئیسا لحكومة یشارك فیھا “حزب الله”، مع الإشارة إلى أن الحریري قد نجح بعد إستقالته وانتقاله الى المعارضة في ترمیم وضعية رصیده الشعبي والسياسي.

أما ثالث العقبات فهي تتمثل بالأزمة العمیقة التي تعيشها البلاد، والتي تفاقمت في الآونة الأخيرة، وفي زمن حكومة دياب، التي لم تنتج سوى المصائب، التي حلّت دفعة واحدة، وهي إلى إزدياد من دون أن تلوح في الأفق بوادر حلحلة، خصوصًا أن تجارب الحريري السابقة مع العهد لا تدعو إلى الكثير من التفاؤل. وهنا يطرح المقربون منه علامات إستفهام حول جدوى عودته إلى الرئاسة الثالثة إذا لم تكن هذه العودة مستندة إلى ركائز واضحة المعالم، مع ما يطالب به من ضمانات.

رابعًا، في حال تمكّن الرئيس بري في إقناع الحریري وطمأنته، فإنه يتحتم عليه إقناع الرئيس عون وجبران باسيل بجدوى هذه العودة. وهنا تكمن صعوبة مهمة مهندس “تدوير الزويا”، وهي مهمة لا تخلو من الصعوبات، خصوصًا أن الرجلين (عون وباسيل) يبديان تحفظا على هذه العودة، بإعتبار أن الحريري عندما إستقال أطاح بالتسوية الرئاسية، وهدم الجسور القائمة بينه وبين صهر العهد.

خامسًا، يبدو أن “القوات اللبنانية”، وضمنًا الحزب التقدمي الإشتراكي، اللذين يُفترض بهما أن يكونا رأس حربة في معركة الحريري، غير متحمسين لعودته في هذه الظروف، وأن لكل منهما أولويات سياسية لا علاقة لها بالإستحقاق الحكومي.

من هنا ترى المصادر المتابعة أن العقد القائمة في وجه الحريري، الذي لم يحسم خياره بعد، هي أكثر من التسهيلات.

شاهد أيضاً

الفنان الفلسطيني سانت ليفانت يكشف عن أغنيته “قلبي ماني ناسي”

سانت ليفانت يقدم “قلبي ماني ناسي” بأسلوب موسيقي متنوع ومعقد رسالة عميقة ومؤثرة من خلال …