بقلم ليلى الدسوقي
يتكون لفظ أسباب النزول ( القران الكريم ) من كلمتين الأولى “أسباب” ومفردها سبب هي ما يَتوصل المسلم عن طريقه إلى تفسير الايات القرانية وفهم قصتها وإزالة اللبس عنها أما الكلمة الثانية فهي “النزول” وهو مصدر للفعل نزل ينزل اى نزول القران الكريم على سيدنا محمد ﷺ من السماء إلى الأرض
اذن يقصد باسباب نزول ايات القران الكريم منجما (اى مفرقا ) المناسبات و الحوادث التى كانت تقع فينزل فيها ايات من القران او الاسئلة التى كانت توجه للنبى – ﷺ – و الرغبات و الامانى التى كان يتمناها الناس و نزلت فيها ايات
و لا يشترط ان يكون لكل اية سبب خاص من اسباب النزول فبعض القران له اسباب نزل عندها ( وهو أقل القرآن) و بعضه لم تعرف فيه مناسبة و ليس له سبب خاص يتعلق به الا الهداية العامة التى ارادها الله لعباده (وهو أكثر القرآن)
و لعل اوضح مثال على ما ليس له اسباب خاصة هو ما نزل من اول سورة العلق و كذلك فاتحة الكتاب
و لا تعرف اسباب النزول الا بالنقل الصحيح عن طريق السماع و الرواية عن الصحابة و التابعين و علماء الامة
أسباب النزول قسمان:
اولا : ما ليس له سبب نزول خاص به الا ارادة الهداية العامة التى من اجلها انزل القران الكريم على النبى ﷺ
ثانيا : ما له اسباب نزول خاصة به و هو ثلاثة انواع:
مثل الايات التى بينت احكام اللعان كقوله تعالى فى سورة النور : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٦﴾}
رَدًّا على هلال بن أمية لما قذف امرأته عند النبي، وردًّا على عويمر العجلاني وسؤاله النبي عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً
و القذف ( نزلت فى حديث الافك ) و الظهار ( نزلت فى اوس بن الصامت و زوجته خولة بنت حكيم ) تم تعميم هذه الاحكام على جميع المواقف و الحوادث المشابهة لذلك
و منها سورة الكوثر : “إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴿٣﴾“ نزلت فى العاصى بن وائل لقوله للمشركين ” دعوه انما هو رجل ابتر لا عقب له لو هلك انقطع ذكره و استرحتم منه ” يقصد النبى – ﷺ– و لكن حكم السورة ينسحب على كل مبغض للنبى – ﷺ –
ما ورد من الايات التى تحدثت عن اليهود و النصارى و فى سورة المائدة قوله تعالى (أنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٤٤﴾ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٤٥﴾
” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٤٧﴾
فعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الكافرين و الظالمين و الفاسقين هم من اهل الكتاب من اليهود و النصارى لانها نزلت فيهم و هى باقية على خصوصيتها
مثل قوله تعالى فى سورة البقرة ” إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴿١٥٨﴾
ظاهر الاية يفيد ان السعى ليس من شعائر الحج و لكن ذكر فى سبب نزول الاية ان بعض الصحابة تأثموا من السعى بين الصفا و المروة لانه كان يحدث فى الجاهلية فنزلت الاية تؤكد ضرورة السعى و انه من اعمال الحج
مثل قوله تعالى فى سورة البقرة و” َلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿١١٥﴾
لو اخذت هذه الاية على اطلاق لفظها ما وجب استقبال القبلة فى الصلاة و لكن اسباب النزول تعرفنا ان الاية مقصورة على السفر او على صلاة التطوع
مثل قوله تعالى فى سورة النور ” وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٣﴾
لو اخذنا بظاهر الاية لفهم منه ان اكراه الفتيات على البغاء جائز ان لم يردن تحصنا و هو غير جائز على كل حال و انما هو يصف حالا كانت قائمة فى الجاهلية
مثل قوله تعالى فى سورة ال عمران ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٣٠﴾
فظاهر الاية ان النهى عن اكل الربا اضعافا مضاعفة فيكون جائزا اذا لم يضاعف و الامر على خلاف ذلك فالربا محرم على كل حال
و فى سورة آل عمران ” لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨٨﴾
قرأ مروان بن الحكم هذه الآية و قال ان كان ذلك لكل امرىء فرح بما آتى و أحب ان يحمد بما لم يفعل فكلنا معذب فأجاب ابن عباس بان هذه الآية نزلت فى اهل الكتاب حينما سألهم النبى عن امر الرجم فكتموه و اخبروه بغيره و استحمدوا بذلك و هى باقية فيهم
ومن ذلك قوله تعالى: { أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ} آل عمران 195
ردا على أم سلمة عندما قالت: (يارسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء).
وقوله تعالى فى سورة الاحزاب : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٣٥﴾}
ردا على أم سلمة ايضا عندما قالت: (يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال).
اهمية اسباب النزول
و مع كل ذلك هناك خلاف فى هذا الموضوع بين المفسرين و يحتاج هذا الامر الى جهد للخروج منه
و الله اعلى و اعلم