إنتخابات رئاسة الجمهوريّة هكذا جرت… واستحقاقها المقبل لم يُفتح ملفه جعجع قليل «الحظوظ»… باسيل : «مش أكلة»… فرنجية يُعقلنها… وقائد الجيش يقرأ مراحلها

كمال ذبيان

يفصلنا عن استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية دستوريا، نحو شهرين ونصف الشهر، اذ نصت المادة 73 من الدستور وفي الباب الثالث انتخاب رئيس الجمهورية، بعد التعديلات الدستورية التي دخلت عليها الآتي: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهرعلى الاقل او شهرين على الاكثر يلتئم المجلس (النواب) بناء على دعوة رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، واذا لم يدع المجلس لهذا الغرض، فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس».

فمع مطلع آب المقبل، اي بعد شهر ونصف الشهر، يبدأ الموعد الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث الدعوة التي اطلقها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الى انتخابات رئاسية مبكرة، فانما تدخل من ضمن الدستور، لكنها تقرأ في السياسة، بان سيد بكركي يستعجل رحيل الرئيس ميشال عون، وفق ما فسّرت مصادر سياسية طرحه، مستعينا بسابقة حصلت، عندما انتخب الرئيس الياس سركيس في 8 ايار من العام 1976 اي قبل حوالى خمسة اشهر من انتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجية، الذي شهدت نهاية عهده حربا اهلية امتدت سنتين، لكنه استمر في منصبه حتى 27 ايلول من ذلك العام.

 

وكانت انتخابات رئاسة الجمهورية، تفتح قبل عامين من المهلة الدستورية، ويجري التداول باسماء، وتبدأ الاتصالات الداخلية والخارجية، ويتقدم مرشحون ويتراجع آخرون، وتبقى العملية معلقة حتى قبل ساعات من انتخاب رئيس للجمهورية، وقد شهد لبنان على ذلك امثلة كانتخاب كميل شمعون رئيسا للجمهورية في العام 1952، وكان اسم حميد فرنجية يتقدم عليه، وكلاهما كانا في جبهة المعارضة ضد الرئيس بشارة الخوري، الذي فُرضت عليه الاستقالة، تحت ضغط ما سمي «ثورة بيضاء»، نظمتها «الجبهة الوطنية الاشتراكية».

 

وما حصل بين شمعون وفرنجية، جرى مع المرشح الرئاسي عبد العزيز شهاب وشارل حلو، الذي انتخب رئيسا للجمهورية في عام 1964 بعد ان نام عبد العزيز رئيسا للدولة.

هذان النموذجان، يدلان على ان انتخابات رئاسة الجمهورية لها مطبخها، وتفرضها ظروف داخلية واخرى اقليمية ودولية، وهذا ما هو مقتنع به رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي يؤكد دائما ان اسمه متداول كمرشح او رئيس جمهورية محتمل، لكن التطورات والتحولات هي التي تفرض الرئيس، وهو كان في الدورة السابقة، مرشحا تم التوافق عليه داخليا من كتل نيابية اساسية، واتاه التأييد من الخارج، لا سيما من فرنسا التي اتصل رئيسها فرنسوا هولاند، بفرنجية داعما، لكن تبني حزب الله للرئيس ميشال عون هو ما اوصله، بعد التسوية الرئاسية مع الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الجمهورية، من دون رضى الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط اللذين دعما فرنجية ومعهما كان الحريري نفسه.

فالطبخة الرئاسية، لها طباخها الداخلي والخارجي، واحيانا يتفق الداخل على اسم فيرفضه الخارج، والعكس صحيح، اذ اتفق الرئيس السوري حافظ الاسد مع الموفد الاميركي ريتشارد مورفي على اسم مخايل الضاهر في انتخابات عام 1988 الرئاسية، لكن الداخل رفضه وتحديدا القوى المسيحية الفاعلة في «المنطقة الشرقية» اثناء الحرب الاهلية وبتأييد من البطريرك نصرالله صفير، الذي اوكل اليه وضع لائحة باسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية بما يرضي المرجعيات المسيحية، لكن لم يؤخذ بلائحته وحصلت تطورات سياسية وعسكرية اخّرت انتخابات رئاسة الجمهورية الى حوالى عامين، اذ اعتصم قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون في قصر بعبدا، لانه مرشح للرئاسة الاولى، وله الحق فيها، الى ان حصل اتفاق الطائف الذي اوقف الحرب الاهلية، فانتخب رينيه معوض رئيسا للجمهورية، لكن الاغتيال سبقه في الوصول الى القصر الجمهوري، ليخلفه الياس الهراوي، بتأييد سوري وموافقة دولية وعربية واقليمية، لان قرارا دوليا صدر بانهاء الصراع العسكري في لبنان في ظل تطورات شهدها العالم في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، فانهار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، وذهب العالم الى نظام أحادي القطبية، واخرجت القوات الاميركية الجيش العراقي من الكويت، وكانت سوريا في صلب التحالف العسكري، مما اعطاها ورقة قوة بان ترعى تطبيق اتفاق الطائف، وتكون لها الكلمة الفصل في لبنان، وشاركتها في ذلك السعودية عربيا واميركا دوليا، فدخل لبنان في مرحلة السلم الاهلي والاعمار، وبدأ تكوين السلطة اللبنانية من دمشق، التي تمكنت من ان يكون لها القول الفصل في استحقاقين رئاسيين بانتخاب الياس الهراوي واميل لحود، وكل منهما تم التمديد له بقرار سوري.

وبعد الانسحاب السوري، وصل الرئيس ميشال سليمان في نهاية ايار 2008 بقرار فرنسي، وانتج انتخابه اتفاق الدوحة الذي رعته قطر التي دخلت لاعبا في لبنان، بعد عبورها من دمشق، التي عادت اليها السعودية في العام 2009، كلاعب فاعل في لبنان من خلال معادلة السين – السين، التي اتت بسعد الحريري رئيسا للحكومة، بعد زيارة قام بها الملك عبدالله بن عبد العزيز الى لبنان برفقة الرئيس السوري بشار الاسد.

وفي انتخابات العماد ميشال عون عام 2016، وبعد فراغ دام عامين ونصف العام، تمكن حزب الله من ان يفرضه مرشحاً وبشعار «هو او لا احد»، كرد جميل له لوقوفه الى جانب المقاومة، وتفاهمه مع حزب الله في اتفاق مار مخايل عام 2006.

وفي الاستحقاق الرئاسي المقبل الذي بات الوقت فيه قصيرا، فان الاسماء المتداولة محصورة باربعة هم: سليمان فرنجية، جبران باسيل وسمير جعجع، يضاف اليهم قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي ومن منصبه يُعتبر مرشحا طبيعيا، لا سيما في الازمات السياسية والتطورات الاقليمية، وقد وصل اربعة من قادة الجيش الى رئاسة الجمهورية، من بين 13 انتخبوا لها، واثنان منهما اغتيلا وقبل تولي منصبيهما، فبات وصول قائد الجيش مرتبطا بالظروف الداخلية والقرار الخارجي، وفق مطلعين على الملف الرئاسي، الذي لم يفتح بعد، وهو مرتبط بالموازين الداخلية، والتطورات الخارجية، وهي كثيرة، من الحرب الروسية – الاوكرانية، الى التهديدات المتبادلة بين «اسرائيل» وايران، الى الازمة المالية والاقتصادية العالمية، ولبنان منها.

كما ان خارطة توزع الكتل النيابية، لا تعطي اي طرف، اكثرية الثلثين النيابية التي يأتي منها رئيس الجمهورية في الدورة الاولى، والتي تؤمن النصاب القانوني لانعقاد جلسة الانتخاب في الدورة الاولى.

فالمرشحون البارزون للرئاسة من المدنيين، ووفق المعطيات، لا حظوظ لاثنين منهم، وهما سمير جعجع الذي يُنقل عنه، انه واقعي في السياسة، ولا يراهن ان ينتخب رئيسا للجمهورية في هذا المجلس، وان لا داعمين لترشيحه كما في الدورة السابعة من اطراف في 14 آذار السابقة فنال 44 صوتا، فلا هو سيحصل على تأييد حليفه «اللقاء الديموقراطي» ولا «الكتائب»: ولا النواب «التغييريين» ، وبالتأكيد لن يحصل على اصوات الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، الذي لم يعد رئيسه جبران باسيل للرئاسة التي يصفها بانها «مش أكلة»، بعدما شهد ما حل بعهد العماد عون، وهو لا يمانع ان تكون اصوات كتلته لسليمان فرنجية، الذي له دين على «التيار الوطني الحر»، بان انسحب له في الانتخابات الرئاسية الماضية.

ويتعاطى فرنجية بعقل سياسي مع الاستحقاق الرئاسي، فهو يطمح له، وينتظر الظروف، ومثله قائد الجيش، الذي قرأ كيف وصل قبله رؤساء الجمهورية من قيادة الجيش، ويترك للوقت ان يقول كلمته.

شاهد أيضاً

نبوءة الغراب بزوال الكيان

احمد الشريف  قبل فترة ليست بطويلة من حدوث عملية طوفان الأقصى يوم 7أكتوبر من العام …