هتاف دهام
لم تحسم نهائيا زيارة رئيس الوفد الأميركي للمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين إلى لبنان، وموعد 19 حزيران الجاري يبقى رهن الموقف الرسمي اللبناني من ملف الترسيم والخطوط. فتوجه لبنان إلى تعديل المرسوم 6433 وإرساله إلى الأمم المتحدة من شأنه أن يعجل من زيارة هوكشتاين لتحريك المفاوضات، كذلك الأمر بالنسبة إلى تدخل حزب الله لقطع الطريق على إسرائيل بدء الحفر في حقل كاريش الذي يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها بين لبنان والعدو الاسرائيلي (29)، والذي تبلغ مساحته 1430 كيلومتراً مربعاً، وإن كان هذا الأمر مستبعدا من وجهة نظر المراقبين، لاعتبارات إقليمية – دولية تتحكم بقرار الحزب لجهة كف يد إسرائيل عن سرقة حقوق لبنان وثرواته من عدمه، علما أن حزب الله أعلن خلال الفترة الماضية و التي شهدت تباينا في المواقف حول الخط 23 والخط 29 أنه يسير بما تقرره الدولة في هذا الموضوع، إلا أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقبل أيام قليلة من الانتخابات النيابية توجّه إلى شركات التنقيب محذراً من مباشرة العمل في مناطق متنازع عليها، قائلا: لن تجرؤ شركة في العالم على أن تأتي إلى كاريش أو إلى أي مكان في المنطقة المتنازع عليها إذا أصدر حزب اللهتهديداً واضحاً جدياً في هذه المسألة، ليبقى الترقب لما سيعلنه السيد نصر الله في الساعات المقبلة في هذا الإطار.
أمس وصلت السفينة “إينرجيان باور” لإنتاج الغاز الطبيعي إلى حقل كاريش وقطعت الخط 29 وباتت على بعد 5 كلم من الخط 23. وتوازياً يتم العمل على إرساء سفينتين على متنها: الأولى خاصة بإطفاء الحرائق Boka Sherpa والثانية Aaron S McCal الخاصة بنقل الطواقم والعاملين. وأعلن العدو الإسرائيلي أنه سينشر غواصات لحماية سفينة التنقيب عن الغاز FPSO، التابعة لشركة إينرجين في حقل كاريش وأنه تم دمج القبة الحديدية بالكامل في السفن الحربية التابعة للبحرية الإسرائيلية، وتحديث الرادارات، لحماية منصات الغاز البحرية من أي هجوم.
فكيف سيتعاطى لبنان الرسمي مع هذا الاعتداء؟ وهل سيشكّل عامل ضغط لإنجاز الترسيم، أم أن الأمور تسلك منحى الرسائل العسكرية والأمنية؟
لقد طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من قيادة الجيش تزويده المعطيات الدقيقة والرسمية ليبنى على الشيء مقتضاه، فيما دعا رئيس حكومة تصريف “الأمم المتحدة وجميع المعنيين إلى تدارك الوضع وإلزام العدو الإسرائيلي بوقف استفزازاته”، مؤكدًا أنّ “الحل بعودة التفاوض على قاعدة عدم التنازل عن حقوق لبنانالكاملة في ثرواته ومياهه”، ومحذرا من تداعيات أي خطوة ناقصة، قبل استكمال مهمة الوسيط الأميركي، التي بات استئنافها أكثر من ضرورة ملحة.
في موازاة المواقف الرسمية السياسية، عاد الحديث مجددا عن المرسوم 6433، على اعتبار أكثر من خبير ومعني في ملف النفط والغاز ، أن قطع الطريق على العدو الإسرائيلي البدء بالحفر في حقل كاريش، يستوجب مسارعة لبنان الرسمي إلى تعديل هذا المرسوم اليوم قبل الغد وإرساله إلى الأمم المتحدة، وإذا تعذر على الحكومة الاجتماع لكونها حكومة تصريف أعمال، من الملح أن يدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مجلس الدفاع الأعلى للاجتماع في الساعات القليلة المقبلة واتخاد القرارات المناسبة لمواجهة إسرائيلومنعها من العمل في المنطقة المتنازع عليها بين الخطين 23 و29، وهذا كله يتطلب موقفا موحدا يقطع الطريق على استفادة إسرائيل من التخبط في الموقف اللبناني والذهاب بعيدا في عمليات الاستكشاف والتنقيب والتي قد تطال حقولا أخرى (جزء من حقل قانا). علما ان معادلة حقل قانا مقابل حقل كاريش طرحت بقوة في الأشهر الماضية من قبل هوكشتاين.
يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية زياد ناصر الدينلـ”لبنان24″ إن ما تقوم به إسرائيل يشكل اعتداء على المنطقة البحرية اللبنانية بشكل مباشر. فالخط 29 حدده الجيش ، والمطلوب من الدولة التي تعتبر أن الخط 29 خط تفاوض وتنطلق منه لتحصيل الحقوق، اتخاد القرار بتعديل المرسوم 6433، خاصة وأن معظم الدراسات التي تربط البر مع البحر تشير إلى أن الخط 29 هو خط لبناني وبالتالي فإن مساحة 1430 كلم في البحر هي جزء أساسي من الحقوق اللبنانية، وهذا يعني ان هناك احتلالا للبحر بعدما سقط احتلال البر.
كل ذلك، يؤشر بحسب ناصر الدين، إلى أن ملف الترسيم سيكون ساخنا جدا في الأسابيع المقبلة، وهناك تقارير أكدت أن الحفار سيعمل أفقيا وعموديا في حقل كاريش، مع إشارته إلى أن التعويل على الدور الأميركي في غير مكانه. فإسرائيل لا تقوم بأي عمل من دون التنسيق مع واشنطن التي تعتبر طرفا في المفاوضات وليست وسيطا عادلا، نظرا لاهتمامها المطلق بزيادة حصة إسرائيل من الغاز الذي لا يتوفر في حقولها بالكميات الكبيرة، على عكس البلوكات اللبنانية الغنية بالغاز الذي يشكل عاملا اساسيا في الحرب الأميركية ضد روسيا. فواشنطن تواصل العمل على إيجاد بدائل عن الغاز الروسي لأوروبا.
إذن الترقب سيد الموقف، لرد لبنان القانوني والدبلوماسي، فتل أبيب لا يحق لها الحفر والتصرف بالغاز في تلك المنطقة. والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي ناقش مع المسؤولين الاميركييين ملف الترسيم خلال زيارته واشنطن في الايام الماضية، اشار الى ان لبنان يعتبر الخط 29 هو خط التفاوض، وبالتالي فإن كل ما يقع داخل الخط المذكور (29) يصبح مناطق متنازع عليها، ولا يحق للعدو استخراج النفط أو التصرف بأي شيء شمال هذا الخط، وموقفه يشكل خطوة ايجابية لحماية حقوق لبنان، إلا أن موقف رئيس الجمهورية في شباط الماضي من أن النقطة 29 كانت خط تفاوض وليست خط حدودنا البحرية. البعض طرح هذا الخط من دون حجج برهنته. خطنا النقطة 23، وهي حدودنا البحرية. وتعديل المرسوم 6433 لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة. ويقتضي في نهاية المطاف التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين يطرح الكثير من الأسئلة التي سوف تجيب عنها معطيات الساعات المقبلة.