لهذا ضاعت الدراما العربية…الكل ورشة تنفذ مطالب وتوجهات المنتج المُسيس!

 

بقلم // جهاد أيوب

سألت المخرج الأهم عربياً عن اختلاف مستوى أعماله إخراجياً بعد أن هاجر من بلده بسبب ظروفها الصعبة، فرد حاسماً:
” نحن يا صديقي كلنا كلنا المخرج والكاتب وفريق عمل المسلسل الدرامي نعمل كورشة لتنفيذ مطالب المنتج الثري مادياً والمقنن سياسياً، وهذا المنتج إما مخبر في نظام بلاده، أو يُطلب منه أن يرسم لنا الخط السياسي وتطلبات ما يجده الرأس المال العربي…لذلك نحن نهتم بالصورة وبالتكنيك الفني فقط لا غير، حتى هو في كثير من الأعمال يحتار الممثل، والباقي سجن لرؤيتنا ومفهومنا لفن الإخراج والدراما بكل فصولها…منا نعيش، وظروفنا في بلادنا صعبه!”.
هذا هو حال الدراما العربية من غير روتوش ولا تجميل، ومهما ثرثرنا ونظرنا، واطلقنا العنان لمونشاتات إعلامية فضفاضة مدفوعة أو متعمدة أو اجتهادية فلن نتمكن من ردم الهوة التي دون شك تعيق تميز كل محاور الإبداع العربي، وتحديداً في لعبة الدراما!
منذ أكثر من عشر سنوات تنبه النظام السياسي في العرب إلى دور الدراما، وبالتحديد الدراما التلفزيونية المنتشرة حالياً، ومن ثم السينما التي تقلص دورها لكونها أصبحت تعتمد على الإنتاج الغربي فقط والقليل من إنتاج مصر، وهذا الأخير أصبح فقيراً على كل الأصعدة، وبعض الإنتاج العربي الممول من دول غربية همه مهاجمة بلده وشعبه والإضاءة على أخطاء مجتمعه ببشاعة كما حالها لبنانياً وتونسياً ومغربياً!
والأخطر من كل هذا خفوت دور المسرح العربي بعد أن ضرب في لبنان وجعلوه في مصر للسياحة، وغياب نجومه العربية المؤسسة والكبار فيه، وبعد أن تكاثرت المهرجانات المسرحية دون أن نجد المسرح، وللأسف في غالبية هذه المهرجانات الجوائز بالتراضي!
وأيضاً لجم الفنان التشكيلي صاحب المشروع المعاصر والمنتمي للإنسان، وأصبحت الساحة التشكيلية في غالبيتها لمن ليس له موهبة بل مجرد دورات ودراسة لإملاء فراغ الوقت!
أما الكتاب فهو يخيفهم رغم أن فضائياتهم تعرض ما هو أخطر وأسوأ مما هو بالكتب…ولا يزال معرض الكتاب العربي سجناً للكتاب العربي!
كل هذا أعطى الدراما التلفزيونية الحضور القوي، ولا عجب أن يتنبه النظام العربي إلى أهمية دورها فقرر تمرير رسائله السياسية من خلالها، وتحقيقاً لذلك دخل شريكاً بالانتاج، أو عبر المنتج المنفذ المنتمي إليه!
نعم الضغوطات السياسية في غالبيتها أصبحت المتحكمة بحضور الدراما العربية، وهمها إستثمار الخطاب السياسي في الدراما، وإخضاعها لسياسة اهداف النظام مما اضعف البعد الإبداعي مهما كان الفنان متميزاً ومبدعاً!
وكلفت أكثر من فضائية عربية بتقديم السذاجة والغباء حتى لو كلف ذلك الأموال الكثيرة، والدليل دعم برنامج “كاميرا خفية” ملفق وفيه كم من السخرية والتطاول والحماقة لأكثر من عشر سنوات مضت وعشرة مقبلة فقط لكونه يساهم في تسطيح المجتمع العربي، إضافة إلى دعم دراما فارغة من كل المضامين!
إن الاستهداف المباشر للمشاهد وللتاريخ وتزويره، واللعب بعقول الشباب المتابع أصبح غاية ومطلباً في فرض شروط المنتج المتحكم بالعمل الدرامي، ولا عجب من زيادة التعصب والفكر الإرهابي اللاغي في بعض المجتمعات العربية!
تنبهت الصهيونية العالمية إلى دور الخطاب الدرامي فدخلت هوليود بمالها، ومررت رسائلها السياسية والدينية التزويرية للحقائق، وتمكنت من فرض السياسية الخاصة بمشاريعها على العالم، وتحكمت بمهرجاناتها وجوائزها، وإذا انتفض أحدهم لصالح الإنسان المظلوم وصاحب الحق والأرض يصبح نكرة وخارج الصورة في الدراما العالمية!
كما استطاع الإنتاج الصهيوني للفن والأدب أن يقتحم بلادنا عبر الإعلام، وقد تفوق في تغيير مناهجنا الاجتماعية والأدبية والفكرية من خلال احتلاله فضائياتنا وشاشاتنا الفضية والذهبية، وقدم كل هذا عبر تقنيات عالمية تبهرنا، وتوقعنا بالاعجاب… ونحن بدورنا في بعض العرب عملنا على لجم من يفكر بانتفاضة الكلمة الحرة، أو من نجد لديه الرأي المغاير عن خطابنا مهما كان سلمياً وانسانياً!
لسنا بوارد التنظير والاستذة، بل نشير إلى هذا الخلل الكبير والمضر، وحتى ننجح في أن نقدم وجبات فكرية مسؤولة، وفيها جماليات التقنيات المتطورة فنياً
لا بديل عن الحرية المسؤولة المرتبطة بالحكمة والأخلاق.
دعوا الإبداع يمارس دوره في صناعة العقل النظيف، والعقل الإنساني، فالسياسة المقننة قسمت المقسم، وساهمت بتزوير الحقائق وجعلت من التيس والقُر طائراً، وفرشت الطريق لعنصرية المجتمع، لا بل المجتمع الواحد أصبح كيانات تنتظر مناوشة بعضها على مفارق الإلغاء والقتل بسبب الحقد!
علينا إبعاد المشروع السياسي عن الدراما، وجعل العمل جماعي وليس الكل بواحد، عدم مشاركة نجمات عمليات التجميل النافرات، والاهتمام بالقضايا المحلية لآنها توصل إلى النجاح خاصة أن إمكانياتنا الفنية حاضرة!
الاهتمام بالقضايا الإنسانية التي نعيشها هي بداية للفت النظر ومن ثم المتابعة، لآن استخدام الجنس لم يعد مهماً بقدر ما هو افلاس يسهل استخدامه!
لا بد من الإيمان بحرية الابداع، وبأن الحرية قيد ومسؤولية وليست وقاحة وقلة أدب!
عدم جعل العمل وبالأخص الكاتب والمخرج ورشة تنفذ لرغبات وطلبات المنتج!
البحث عن مخرج لديه رؤية، ويفقه بتحريك الممثلين، ولا يخاف من النجوم فيتركهم على هواهم، ومناقشة اي قصة إلى أن تتبلور درامياً، وأن يكون النص جاهزاً للتنفيذ، لا أن يكتب خلال التصوير لأسباب مرضية منها عقدة النجوم وتحكم المنتج بالمشروع سياسياً!
إبعاد مهرجانات الدراما عن السياسة، وعدم السماح للأغبياء غير المتخصصين من إنشاء مهرجانات همها توزيع الجوائز على الاصدقاء ولمن يدفع!
كنا استبشرنا الخير بإعلان جائزة الدوحة للكتابة الدرامية في دولة قطر، لكونها وضعت الشروط الإبداعية من خارج أي بعد سياسي، لا بل لا اطار سياسي فيها، لذلك أحدثت تواصلاً عربياً وعالمياً في حينه، نأمل أن تستمر هذه الجائزة، وتحقيق ما طرح خلالها من أحلام تساهم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الدراما العربية التي تبدأ بالنص وصولاً إلى الإنتاج لإيمانها بما لدينا من متميزين في تنفيذها عربياً إن أتيحت لهم الفرصة، وهذه الجائزة بما حملت فرصة.

شاهد أيضاً

ميسر السردية تكتب:النار تأكل نفسها

الأزمة السياسية التي تعصف بالجبهة الداخلية للكيان و حدة الانقسامات التي أصبحت تتمثل بالخندقة الشرسة …