لما كان حرش العيد فسحة بيروت للفرح واللهو والألعاب والأهازيج

 

زياد سامي عيتاني*

يعد العيد من أهم المناسبات السعيدة التي تستوجب الفرح وإظهار السرور فيها، وهو فرصة لتوثيق الأواصر وتوثيق الصلات بين الأقارب والجيران والأصدقاء. وهو فرصة لتوطيد العلاقات الإجتماعية ونشر المودة والرحمة، وأن تتحول أيامه أيام فرح وسرور وبهجة وتواصل وتزاور بين الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء.
غير أن العيد تختلف عاداته وتقاليده وطقوسه بإختلاف الأجيال، حيث كانت الأجيال السابقة، زمن الخير والبركة، تنتظره بفارغ الصبر، إذ كان له مذاقاً خاصاً، وبهجة خاصة تلاشت في العقود الأخيرة، حتى غابت في أيامنا هذه عن عيد الإحتفالات والألعاب والأهازيج الشعبية التي كانت تعج بها الأحياء والمناطق، وترخي بظلالها عليها أجواء الفرح والشعور بالعيد وفرحته.
إلا أن أبرز مظاهر عيد بيروت أيام زمان، كانت تتجلى في “حرش بيروت”، الذي كان يتحول إلى فسحة للفرح واللهو واللعب والبسط و”التشبرق”، خصوصاً للأطفال الذين كانوا ينفقون فيه كل ما جمعوه من “عيديات”، حتى يصح فيهم المثل: “راح على الحرش، ورجع بلا قرش”.. الأمر الذي كان يدفع أهاليهم بعد إنقضاء العيد، أن يرددوا: “خلص العيد وفرحاتو، ورجع الأستاذ وقتلاتو”…
فالإحتفالات الشعبية بالعيد الأبرز تقام جرج بيروت-قصقص، ويطلق عليه “حرش العيد”، حيث تتحول المساحة الفسيحة المكسوة بأشجار الصنوبر، إلى مدينة قائمة بذاتها داخل المدينة، وتختصر نمطها الإجتماعي، تعج بالناس الوافدين من كل أحياء ومناطق بيروت للمشاركة في هذا “الكرنفال” الشعبي، حتى تصبح كمدينة للملاهي في عصرنا الحديث، مع الإختلاف بأنواع الألعاب التي كانت مفعمة بالمشاعر الإنسانية، بعيداً عن الألعاب الإلكترونية الحديثة.
فكان “حرش العيد” منذ الصباح الباكر بضج بالوافدين الذين يصلونه “بالطنابر” و”الترام” للتمتع بأجوائه، التي يختلط فيها الغناء والأهازيج ومناداة باعة الكبيس والتفاح “المعلل” و”الفريسكو” و”السمسمية”، على وقع رقصات الدبكة، ولعبة السيف والترس، وألاعيب الساحر، وأكشاك مسرحيات “التيرسو”، و”القرداتي” الذي يرقص السعدان وهو يدق على الرق مخاطباً قرده: “قوم يا قليل المروة بوس إيد ستك العجوز، وفرجينا كيف بتعجن الصبية، وكيف بتعجن العجوز، وفرجينا كيف بيلبس معلمك الطربوش”…
•القلابات والأراجيح:
لكن أكثر ما كان يستهوي الأطفال والأولاد هو ركوب “القلابات” (الشقليبات) و”المراجيح” و”الأرجيح”
(الجنازيق) فرحين مسرورين وهم يرددون أهازيج: “يا أولاد محارم..يو يو، و”دبوس حديد.. يو يو” و”يا أولاد أبو شرشوبة.. عائشة المخطوبة”…
•صندوق الفرجة:
ولا بد للأولاد المحتفلين بالعيد في “حرشه” من مشاهدة “صندوق الفرجة” (تلفزيون ذلك الزمان)، الذي كان صاحبه يجذب الأولاد منشداً أهزوجته المعرفة:
شوف تفرج يا سلام،
شوف أحوالك بالتمام،
شوف قدامك عجايب،
شوف قدامك غرايب،
شو الأميرة بنت السلطان،
شو عنتر أبو الفوارس…
وصندوق الفرجة هو صندوق خشبي مستطيل مطلي بألوان “فاقعة”، له ثلاثة ثقوب مستديرة، مغطاة بقطع من الزجاج، لتمكين الأولاد من مشاهدة المناظر في داخله، التي يحركها صاحب الصندوب بواسطة دولاب مغلف بالصور المتتالية، التي كانت تبهرهم وتذهلهم بما يشاهدونه، وكأنها كانت عجيبة في حينه!!!
على هذا المنوال كان الأولاد يقضون أوقاتهم في “حرش” العيد، حتى صح فيهم المثل: “راح عالحرش، ورجع بلا ولا قرش”…
****
هكذا كانوا زمان يعيشون العيد وأجوائه، مما يدفعنا اليوم للتساؤل: ما الذي بقي من فرحة العيد في هذا العصر الذي تباعدت فيه القلوب؟ بل ما هو الجديد الذي يجعل هذا اليوم متغيراً عن باقي أيام السنة التي باتت رتيبة بروتينها الممل؟
فقد باتت البسمة مزيفة والفرحة مصطنعة والمجاملة هي سيدة الموقف، إجتماعاتنا صارت كأنها شيئاً مفروضاً ينبع من حس أداء الواجب فقط، فصارت تجتمع الأجسام ولكن القلوب متفرقة ومتباعدة…
****
إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

إيران: نؤكد وجود مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في مسقط

ممثلية إيران لدى الأمم المتحدة تؤكد الأخبار المتداولة بشأن مفاوضاتٍ غير مباشرة بين طهران وواشنطن …