زمان يا رمضان (١٧)



الأطفال الصائمون للمرة الأولى (صيام الغزلان)
يكرمون ب “الفطورية” إحتفالاً وتشجيعاً

زياد سامي عيتاني*

صيام الطفل لأول مرة في حياته الذي يسمى “صيام الغزلان”، والذي يتم تدريبهم عليه تدريجياً، أي ما يطلق عليه “صيام المئذنة”، من الأعمال التي تسعد والديه وأسرته، وتشعرهم بالبهجة والفرح أن طفلهم تمكن أن يتغلب على جوعه وعطشه طوال فترة الصيام، وجلس معهم على مائدة الإفطار لأول مرة كفرد صائم مثلهم.

ولعل المرات التي تسبق صيام الطفل لأول مرة تعد بمثابة تدريب وإستعداد يساعد الطفل لإكمال صيام يومه كاملاً بعد ذلك، فتصبح المرة الأولى التي يبدأ فيها إتمام صيام يومه في رمضان لها طابع ومذاق مختلف.
وكان يحظى الأطفال الصائمون لأول مرة باهتمام ورعاية كبيرتين من ذويهم، تشجيعاً لهم على الصبر، حيث كان يتم تحضير مشروب خاص بالماء والسكر والليمون، ووضعه في إناء (مشرب) بداخله خاتم من ذهب أو فضة، من أجل ترسيخ وتسهيل الصيام على الأبناء مستقبلاً…
****
•تهيئتهم لرمضان:
كانت في الماضي المدارس تهيىء الأولاد لرمضان من طريق تنظيم رحلات لهم إلى المتنزهات بصحبة مرشديهم لتمضية “سيبانة رمضان” بهدف تهيئتهم نفسياً ومعنوياً لشهر الصوم، لا سيما الأولاد من الأعمار التي يجب عليهم شرعاً التزام فريضة الصوم، حيث أن هذه النزهات تكون مناسبة لتعليمهم بعض
كذلك، وبهدف إدخال روح وفرحة رمضان في قلوب الأولاد، كان يحرص الأهل أن يشاركوا بتعليق زينة رمضان كالفواتيس والأهلة في المنازل، ليكبروا ويكونوا محبين لرمضان وطقوسه.
وليشعر الأطفال بلذة الصيام والقبول عليه، كانت الأمهات تشجعهم المشاركة في تحضير مائدة الإفطار ومساعدة والدتهم بتحضير بعض أنواع الطعام، أو المساهمة بوضع أدوات الطعام على السفرة.
****
•تدريبهم على صيام “المئذنة”:
رمضان هو الشهر الذي يجمع الكبار والصغار في فرحة تتناسَب مع أجواء الشهر الكريم، وتتضاعف هذه الفرحة عندما يتشارك الكبار والصغار صومَ أيام الشهر المبارك، وتَحرص كلُّ أمٍّ على تدريب أطفالها على صوم أيام هذا الشهر الكريم، من خلال تعويدهم تدريجياً على الصيام، وترغيبهم فيه، حتى يستطيعوا صوم الشهر كاملاً عندما يبلغون سنَّ التكليف.
فقد جرت العادة في الماضي على أن يتعوَّد الطفل على الصيام تدريجيًّا على طريقة “درجات المئذنة”، كما لو كان يصعد “المئذنة” درجة درجةً، وعندما يتمكَّن الطفل من صيام يوم كامل، تُقيم له العائلة ما يُطلق عليه “فطورية”، وهي عبارة عن شراء العائلة لكلِّ ما يُفضِّل الصغير من حلويات، ويَذهبون قبل الإفطار إلى أسرة الطفل، وتُقدم له الحلوى، وعند الإفطار يقام له احتفالٌ صغيرٌ.
لذلك، كان يطلب من الأطفال أن يصوموا اليوم الأول من رمضان ونصفه وآخره حتى يعتادوا فيما بعد على الصوم الشهر بأكمله.
****
•أهازيج ساخرة من المفطرين:
وغالبا ما كان الصغار يدّعون إلتزامهم الصوم تلك الأيام أمام أهلهم وزملائهم، إلا أنه في الخفا يتناولون ما استطاعوا من أكل وماء ليساعدوا أنفسهم على الصمود حتى موعد الإفطار.
كذلك من عادات الأولاد في رمضان ومن باب التباهي بصومهم والتفاخر بذلك أمام زملائهم المفطرين، طلب كل واحد من زملائه إخراج ألسنتهم لمعرفة المفطرين منهم. فالصائم يبيضّ لون لسانه، أما المفطر فيبقى على إحمراره. وعند إكتشاف مفطر بينهم يطلقون عليه أهازيجهم كأن يقولوا له: ” يا فاطر هلق بالسقف معلق” ، أما الصائم فكانوا يغنون له: “يا صايم عشية بتمك كبة مقلية ويا صايم شو مخبالك؟ مخبالك دجاجة محشية وبالسمن مقلية”، أو أن يردد الأولاد عند مشاهدة المفطر: “مفطر يا مالك، ياما مخبالك، مخبالك أبو زعزوعة، يلفك بالقبوعة”، وكذلك: “يا آكل برمضان، يا خاسر دينو، وكلب أسود يقطع مصارينو”…
****
•الإحتفال بصومهم الأول:
من العادات التي إشتَهر بها الأهل في شهر رمضان عادة الإحتفال بالصوم الأوَّل للأطفال في يوم من أيام رمضان، ولا سيَّما في السابع والعشرين منه.
فهناك بعض الدول التي لها من العادات والتقاليد المتوارثة والطقوس التي تقوم بها عند صيام أطفالهم لأول مرة.
نتعرف سوياً من خلال السطور على أبرز تلك العادات:
-في سوريا ولبنان وفلسطين، عندما يتمكَّن الطفل من صيام يوم كامل، تُقيم له العائلة ما يُطلق عليه “فطورية”، وهي عبارة عن شراء العائلة لكلِّ ما يُفضِّل الصغير من حلويات، ويَذهبون قبل الإفطار إلى أسرة الطفل، وتُقدم له الحلوى، وعند الإفطار يقام له إحتفال خاص بالمناسبة.
-في العراق يسمون هذه الطريقة في الصوم “صوم الغزلان”، تستخدم هذه الطريقة مع الأولاد قبل سن المدرسة الذين يرغبون في الصيام، حيث يقول لهم الأهل صوموا، ولكن عند الظهر ستأتي الغزالة ومعها طعام لكم ولا بد أن تأكلوا.
-في ليلة منتصف الشهر، تقيم الأسر الخليجية إحتفالاً لتكريم أطفالهم ومكافأتهم على صيامهم ولتشجيعهم على الإستمرار في صيام النصف الباقي.
ويطوف الأطفال المنازل القريبة بأكياس من القماش طمعاً في الحصول على الحلوى والمكسرات، مرددين أغنيات وأهازيج منها “قرقاعون عادت عليكم”.
وتختلف تسمية الإحتفال بين الدول الخليجية، فمثلا في قطر تعرف بـ”القرنقعوه”، وفي الكويت والجانب الشرقي من السعودية يسمى “القرقيعان”، بينما يطلق عليه في عمان اسم “القرنقشوه”.
ويعود أصل الكلمة إلى “قرة العين” في شهر رمضان والقرة تعبّر عن سرور الإنسان وفرحه بما يملك، لكن الاسم تغير مع مرور الزمن ليشير إلى قرع الأطفال للأبواب أثناء الاحتفال.
-للمغرب أيضا طقوس وعادات توارثتها الأجيال في الاحتفال بأطفالهم عند الصيام لأول مرة، حيث يتجمع الأطفال في أماكن عامة، فبعضهم يطوف على ظهر الخيول، والبعض الآخر يحتفلون بهم بطقوس أشبه بزفة العروس، فترتدي البنات وتتزين كأنها مثل العروس وتنقش على يديها بالحناء تشجيعا لها على صيامها. أما الصبيان فتحرص أمهاتهم على أن يلبسون الملابس التقليدية عندهم أشبه بملابس أبائهم ويذهبون معهم إلى المساجد.
-في الجزائر يتم إكرام الأطفال بطريقة خاصة لتشجيعهم على الصيام، حيث تقوم أفراد العائلة بمرافقة الطفل أو الطفلة في أول يوم لهم في الصيام، وتقوم الأم بتحضير (الخاف) وهو نوع من أنواع فطائر العجين المقلي في الزيت، إلى أن يحين موعد الإفطار فيأخذ الطفل الصغير الصائم مكانا مميزا على مائدة إفطار الكبار، ثم يفطر على مشروب معروف عندهم (بالشربات).
****
في سياق الحديث عن صوم الأولاد لا بد من الإشارة إلى واقعة حصلت قديماً، فقد روي بأنه جيء برجل سكران في شهر رمضان إلى أحد الخلفاء فأمر بجلده ثمانين جلدة لشربه الخمر وعشرين جلدة بعدها. فسأله: ما هذه العلاوة يا أمير المؤمنين؟ فقال الخليفة: لإفطارك في شهر رمضان وأولادنا صيام. فقد أدرك الخليفة ما يلاقيه الأولاد من ألم الصيام والجوع وإزدياد ألمهم عند مشاهدتهم المفطرين.
****
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

طريقة عمل الفراخ البانية

المقادير 1/2 كيلو فراخ صدور فيليه 2 بيضة 3/4 كوب دقيق 1 كوب زبادي 1كوب …