في وداعه


بقلم الشيخ مظهر الحموي

كم يرتج القلم كمدا في وداع شهر رمضان المبارك، يحمل في طياته نفحات التقى والخير والبركات والرحمة والمغفرة والعتق من النار.
شهر ليس كغيره من الشهور عظمة ومثوبة وخيرات ومعان وعبر لا يتسع المقام لإيرادها، ويعلم بها معظمنا ،الذين ذاقوا فعلا أطايب هذا الشهر الفضيل سموا وروحانية ومكابدة ولا أشهى من إبتغاء مرضاة الله.
ويستعيد المسلمون في هذا الشهر المبارك أروع معاني الإلفة والتضامن والتكافل وصلة الرحم والحنو على المساكين والبذل للفقراء والمعوزين وتذكر الأرامل والأيتام والمحتاجين، ونشر البهجة في ديارهم ، فليس منا من لم يهتم بأمر المسلمين ، وليس منا من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم حاله، كما أنذر ﷺ ( ليس بالمؤمن الذي يشبع وجاره جائع الى جنبه)
وهكذا تتدافع الصور الرائعة خلال هذا الشهر المبارك نستذكر منها انه حتى الأمس القريب كيف كانت المدن العربية والإسلامية تبدو وكأنها تعرضت لإنقلاب أبيض طاول أفرادها وأسرها وأحياءها وكافة نواحي حياتها وهي تتكيف مع مقتضيات هذا الشهر المحبب الى القلوب فترى الصائمين يتناجون بمحبة وود، ولا أحد يتجرأ على الإفطار وإن كان من غير المسلمين إحتراما لقدسية الشهر العظيم.
أما الآن وللأسف فإن بعض أبناء جلدتنا الذين ضلوا الطريق وإبتعدوا عن تعاليم دينهم والإلتزام بأحكامه تجدهم يتباهون ويتفاخرون بالسيجارة ينفثون دخانها علنا في الشوارع والمكاتب والمقاهي لا يرعون حرمة الله وهم يظنون أنهم قد نجحوا في تحدي مشاعر الصائمين.
بالأمس كانت أيام الناس في رمضان يقضونها متنقلين بين مسجد وآخر يستمعون لهذا الخطيب المفوه ، او ذاك المحدث اللبق ، او ذلك المدرس الفقيه يقضون في جوارهم أمتع لحظات المعرفة والإستزادة في طلب العلم ، لينصرفوا الى حلقة تعليم القرآن الكريم ، وتلاوة جزء يوميا بإشراف كبار العلماء والمقرئين رحمهم الله.
واليوم تطيح الأوضاع الإقتصادية بالمسلمين للعيش في هذه الأجواء حيث الجميع منهمكون في تدبر أحوال معيشتهم وهم متحرقون للإنصراف الى العبادة ومجاورة العلماء الواعظين..
رمضان الأمس بضع لقيمات عند الإفطار لنندفع بعدها الى صلاة العشاء والتراويح، ثم زيارات صلة رحم ومودة .
فإجتماع العائلة على إستظهار آيات القرآن ، ومواعظ يسديها الآباء للأبناء يحثون فيها على الفضائل والمكرمات.
فيما اليوم ويا للهول ، يتسمر الناس أمام الفضائيات حتى ساعة السحور يحملقون في المسلسلات والبرامج التي أعدوها خصيصا وإكراما لشهر رمضان في جميع الفضائيات، يحشدون فيها السخافة والإبتذال والفن الهابط والحزازير الساذجة ..
رمضان الذي كنا نتلهف شوقا الى لقائه ما زال في الذاكرة إشراقة إيمان وومضة هدى ونفحة بركة، وأجواء فياضة بالروحانيات والنشوة، فلماذا يحاول البعض أن يشوه معالم هذا الشهر الكريم؟
لا لن نقول وداعا يا شهر الله ، ولن تغادر مشاعرنا وأحاسيسنا وجوارحنا وقد ملكتها وأسرتها وحبستها فما نرجو لك فكاكا ، بعد أن تسللت الى أرواحنا ودمائنا وأعصابنا .
ترى هل إستحق أحدنا أن يظفر بجائزة هذا الشهر الكريم؟
الرحمة – المغفرة – العتق من النار
يا الله كم تهفو الجوارح الى إستمرارك بيننا، لنجدد الإيمان ونهذب الأخلاق ونروض النفوس قبل أن ينفلت بعض الناس من عقالهم طوال عام مقبل.
صفدت الشياطين في شهرك المبارك ، فحري بنا أن نبقى على العهد نلجم شياطين الأنس والجن ونمنعها من أن تسوقنا الى أحابيلها، فرمضان سيظل باقيا في نفوسنا وجوارحنا وأخلاقنا ومعاملاتنا وعلاقاتنا وعباداتنا، ولن نركن الى الدعة والإسترخاء والشطط، وسنظل نتمثل الغاية الأسمى من صوم هذا الشهر في قوله تعالى:(لعلكم تتقون)
دعونا نستفيد في وداع شهر رمضان المبارك ، نغسل نفوسنا وأرواحنا من أدران عام مضى لنجدد العزم على دوام الطاعات ، وأن تكون ايامنا كلها رمضان نعيش دائما في حلاوته وصفاءه ومقاصده وأجواءه
يقول النبيﷺ: لَو يَعلمُ العِبادُ ما رَمضانَ لتَمنَّتْ أُمَّتِي أن تَكونَ السَّنَةُ كُلُّها رَمضانَ .

اخوكم الشيخ مظهر الحموي

شاهد أيضاً

🛑 *‏مجلة أمريكية : اليمن اتخذ خطوات قد تمثل مشكلة كبيرة للولايات المتحدة”..!*

  قالت مجلة نيوزويك الأمريكية إن القوات المسلحة اليمنية في ‎#صنعاء والتي يطلق عليها الإعلام …