رحل الحاج حسن محمد العنان “أبو محمد” إبن البرج وتحويطة الغدير

كتب محمد خليل السباعي

رحل إبن الخال الحاج حسن محمد علي حمود العنان، “أبو محمد” الإسم المحبب إلى قلبه، في الأول من آب 2020، الموافق 11 ذو الحجة 1441 هجرية، ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، إلى جوار ربه، بعد 89 عاماً قضاها في بلدتي تحويطة الغدير وبرج البراجنة، الواقعتين في ساحل المتن الجنوبي، الإسم المحبب إلى قلبه، وهو كان يقول هذه المنطقة، كانت إسمها ساحل النصارى، حتى بداية القرن العشرين، لم يبقَ فيها أي نمط من الحياة الزراعية والبلدية في هذا الساحل الممتد من صحراء الشويفات جنوباً، (التي كانت تضم 53 ألف و600 شجرة زيتون، و12 ألف و500 شجرة خروب صندلي بالإضافة إلى كروم العنب والليمون وزراعة الخضار)، وحتى حرش صنوبر بيروت شمالاً، مروراً بقرى وادي شحرور، كفرشيما، برج البراجنة (التي اشتهرت أيضاً بزراعة التوت وإنتاج القز والحرير ومقالع الحجارة الرملية)، المريجة، الليلكي، تحويطة الغدير، حارة حريك، الشياح، فرن الشباك، الشويفات.

وبقي أبو محمد العنان، من القلائل الذين أبقوا سجلات نفوسهم، في بلدته تحويطة الغدير، بعدما انسلخت مع بلدتي المريجة والليلكي، عن بلدة برج البراجنة، بعدما كانوا بلدية واحدة، في الستينيات من القرن الماضي، وهو عاش وتربى وأسس من خلال والده محمد، وجده علي، ووالد جده حمود العنان، في بناء علاقات المحبة والمودة والإخوة، مع أبناء العائلات المسيحية والسنية في المنطقة، فوالده محمد توفي في العام 1948، في ذكرى نكبة فلسطين وهجرة أهلها منها، على يد العصابات الصهيونية الحاقدة، وكان من مواليد 1854، وعاش 94 سنة.

فساحل النصارى أو ساحل المتن الجنوبي، بكل قراه وبلداته وبساتينه، كان يضم أماكن لزراعة التوت، التي اتسعت وازدهرت مع مواسم دود القز وأعمال الحرير، واشتهر فيها 3 كرخانات لحل شرانقه وتوضيب خيوطها، وتوافرت لدى بعض مزارعي الحرير وتجاره، مبالغ ومردود مالي، أدت إلى تشييد البيوت الجديدة، وتزايد الوافدين من المسيحيين إلى الساحل، للعمل والإقامة والتملك، كما ذكر في أحاديثٍ عدة، مؤرخ برج البراجنة، العميد المتقاعد الراحل فهد سليمان فرحات.

واكب أبو محمد العنان، نكبة 1948، ثورة 1958، أيار 1973، (أحداث المخيمات بين الجيش اللبناني والمنظمات والأحزاب الفلسطينية)، والحرب الأهلية اللبنانية، (1975-1990)، ولطالما ساعد إخوةٌ له من مسيحي المنطقة، في مرحلة الخطف على الهوية، وحمايتهم والإنتقال بهم إلى مناطق آمنة، (تحرير الجنوب   عام 2000)، (عدوان تموز 2006). كما كان له دوراً أساسياً ومحورياً، في كل الإنتخابات النيابية، التي كانت لها نكهات مميزة، ولطالما كان مؤيداً للوزير والنائب الراحل محمود عمار، في كافة الدورات الإنتخابية، (1957، 1960، 1964، 1968، 1972). وفي الإنتخابات النيابية، التي جرت بعد الإنتهاء من الحرب الأهلية، والدخول في مرحلة السلم الأهلي، وتحديداً في دورات (1992، 1996، 2000، 2005، 2009، 2018).

عمل أبو محمد العنان على إكتساب أولاده، العلم والمعرفة والثقافة وخبرات الحياة، فأسس عائلته الكبيرة، مع زوجته حسنية رحال، التي كانت سيدة اللباقة واللياقة، فكان نجله الأكبر محمد مهندساً، عاش ما بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية، وانتخب عضواً في مجلس بلدية المريجة والليلكي وتحويطة الغدير، في دورات (1998، 2004، 2010، 2016)، عن أحد المقعدين الشيعيين، في بلدته تحويطة الغدير، مع زميله الراحل نواف عمار. أما إبنه محمود فوصل إلى رتبة عميد متقاعد في قوى الأمن الداخلي. أما أحمد وماهر، فأسسا عملاً مشتركاً خاصاً، فيما نجله الدكتور ساهر برع في مجال العلم كأستاذ جامعي، درّس في جامعات الولايات المتحدة الأميركية ولبنان.

أما “ست الستات” فهو اللقب الذي حملته إبنته الوحيدة منى، والتي تزوجت من إبن أخيه، المهندس محمد جعفر العنان، الذي رحل إلى جوار ربه، في شهر نيسان 2017، تاركاً أبناء متعلمين ومبدعين في مجال عملهم، وهم: جعفر، رمزية، علي، حسنية، والذين كانوا الأحب إلى قلب جديهما، لكونهم كانوا أوائل الأحفاد، في هذه العائلة الكبيرة.

ولا بد أن نتذكر أبو محمد العنان، في الساحات والميادين، فصوته كان يصدح عالياً، أمام منزله في ساحة عين السكة، في برج البراجنة لطالما كان يملأها حماساً وحركة بوجوده، فبات كل معارفه وأحبابه وأصدقاؤه، يجدون الساحة خالية أمام محلاته، وكل الساحات والأماكن المحيطة، التي كانت تختفي دوماً بوجوده فيها، خيّم عليها الحزن، لأن الجميع كان يتوقع حضوراً لافتاً من أبناء بلدات الأربعة (المريجة، الليلكي، تحويطة الغدير، برج البراجنة)، ومن كافة بلدات ساحل المتن الجنوبي وخارجه، لكن في ظل إنتشار جانحة الكورونا، والإجراءات الصحية المفروضة، اقتصرت المشاركة على الأبناء والأهل المقربين.

وفي الختام، نقول نم قرير العين، يا أبو محمد العنان، في رحاب الله، وفي رعاية رحمته الواسعة عزّ وجلّ، والعزاء لكل أفراد العائلة الكبيرة، التي تركتها من أبناء وأحفاد وأولاد الأحفاد، ونقول لك ولهم:

لا تحسب الموت العظيم مصيبة                         كم ميتة كانت بألف حياة

شاهد أيضاً

فاجعة لبنان.. قبطان “سفينة الموت” يخرج عن صمته

يوم 4 أغسطس 2020 سيدخل التاريخ اللبناني باعتباره يوماً أسود ومشؤوماً. ففي دقائق معدودات اشتعلت بيروت، …