دعونا نتطهر في رمضان المبارك، نغسل نفوسنا وأرواحنا من أدران عام مضى

بقلم :الشيخ مظهر الحموي

رمضان شهر يدل إسمه على مضمونه فهو في اللغة مشتق من الرمض وهو شدة الحر، ولعل القاسم المشترك بين اصله اللغوي وفضله الديني أن حرارة الإيمان فيه من شأنها أن تحرق الذنوب وأن تخرج الإنسان من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
ومثلما ترنو الأجساد المنهكة في حمأة القيظ إلى  واحة فيءٍ تطلب بعض الإسترخاء والإسترواح من عناء هموم الحياة الدنيا ، تتطلع النفوس اليوم المثقلة بالضغوطات المتفاقمة من هذه الاحوال الحالكة التي نعيش إلى شهر رمضان تستسلم لأجوائه العابقة بالسكينة والإطمئنان، تلتقط خلالها أبهى فيوض الإستكانة ونسائم الإيمان والهدى . فقد آن لنا أن نستريح ونتخلص من أدران اللهاث وراء أمور فانية ، واوهام عاتية ، لذا يحلو لنا ترداد هذا الدعاء الأمل: اللهم تقبل منا في رمضان.
حقًا  ما استشعرنا في السنين الخوالي مثل هذه اللهفة التي تمتلكنا ونحن نترقب قدوم شهر الهدى والفرقان ، وما أحسسنا اننا في حاجة ماسة كمثل هذا العام إلى  عيادة رمضان لكثرة ما اعترانا من علل وأمراض ووباء وبلاء وجشع وفساد لا شفاء منهم إلا في العيادة الرمضانية التي تفتح أبوابها شهراً واحداً في كل عام .
ترى هل ما يجري حولنا من أحداث غرائبية غير معقولة وضغوطات الحياة اليومية على المواطنين اللبنانيين ومعاناة التقتير والتحايل على المدخول (إن وجد) والذي أصبح لا يساوي شيئا بإرتفاع سعر الدولار وغلاء المواد الغذائية والدواء  ( إن وجد) والمحروقات وغيرها يحثنا أن نستعجل وبكل شوق ان نعيش في أجواء شهر الخيرات والتكافل والأمن الإجتماعي؟
أم ان المآسي والإحباط التي تلفنا وتستحوذ على عقولنا على المستويات اللبنانية والإقليمية والعربية والإسلامية والدولية تجعلنا نطلب الفرار من هكذا أجواء إلى  عالم الأمل وإستنهاض الهمة ، ونشدان الرحمة والمغفرة وقرة العين.
وليس في توصيفنا هذه الأوضاع أية مبالغة ، ولا سيما ان كل الناس يتحسسون هذا الواقع المتردي سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وأخلاقيا..
وكيف لا يعترينا الملل من القوى الذين هم وحدهم القابضون على الوطن ومصيره وعلى رقاب العباد ومستقبلهم ، لكل منهم مصالحه التي لا يتنازل حتى عن بعض منها ، ويصدق فيهم المثل العامي : (من بعد حشيشي لا ينبت حشيش ومن بعدي ما حدا يعيش ) .
ليس في هذا العرض السوداوي أي شطط عن محور مقالتنا وإنما للدلالة على انه ليس هناك من عام مضى أحسسنا فيه بمدى حاجتنا الى أفياء رمضان كمثل هذا العام.
رمضان الذي كنا نتلهف شوقا الى لقائه ما زال في الذاكرة إشراقة إيمان وومضة هدى ونفحة بركة، وأجواء فياضة بالروحانيات والسرور والفرح.
ولأن رمضان هو شهر التقوى، والتقوى ثمرة العبادة ، وهي تعبير عن الصدق في الإيمان ، والعمق في الإدراك ، والإستقامة في الإلتزام ، وهي من أهم مقاصد الدين في يقين ثابت ، وفي وعي راشد ، وفي سلوك قويم ، ومتى اكتملت هذه الأركان في نفس المؤمن فقد حاز الإيمان من أطرافه ، واستجمع الإخلاص بكل نقائه، وأصبح على نور من ربه ، فليس الدين حركة خارجية لا تقوم على بعد داخلي ، وليس التدين أداءً شكلياً لا يستند الى طهر قلبي ، وليس الإسلام عنواناً ظاهرياً لا يرتبط بمضمون إيماني.
ومن ثمرات رمضان أنه مدرسة لتقويم الأخلاق وإمتحانها ، ولا سيما كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ..) وهذا اكبر دليل على أهمية إكتساب الأخلاق الرمضانية مثل الحلم والصبر ورباطة الجأش والعفو والتسامح وطول الأناة .
فحري بنا أن نبقى على العهد نلجم شياطين الأنس والجن ونمنعها من أن تسوقنا الى أحابيلها، فرمضان يهذب نفوسنا وجوارحنا وأخلاقنا ومعاملاتنا وعلاقاتنا وعباداتنا، ولن نركن الى الدعة والإسترخاء والشطط، بل أن  نتمثل الغاية الأسمى من صوم هذا الشهر في قوله تعالى:(لعلكم تتقون)
دعونا نتطهر في رمضان المبارك ، نغسل نفوسنا وأرواحنا من أدران عام مضى لنجدد العزم على دوام الطاعات ، ولا نفسد حلاوة رمضان وصفاءه ومقاصده وأجواءه.
يقول النبي ﷺ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
اللهم إقبلنا في رمضان حتى يعود المؤمنون إلى  خالص عبادتهم صوماً وقياماً وتأدية وزكاة وإئتلاف نفوس وصلة أرحام وصدق في المواقف وبُعد عن تقصير في أداء الفرائض وحال شقاق بين الإخوة والأقارب.
لقد طال الشوق وإشتدت اللهفة لإنتهاج منهج جديد في يومنا وليلنا ننهل فيهما من الرحمة والمغفرة ونتطهر من أدران ما علق بنا طوال عام مضى ، عسى أن يتقبل الله صيامنا وقيامنا وتراويحنا وتسابيحنا وصدقاتنا وصالح اعمالنا وان يغفر ذنوبنا وزلاتنا ويكشف الغمة عن هذه الأمة إنه سميع مجيب الدعاء.

*أخوكم الشيخ مظهر الحموي*

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …