دراما الوجع العراقي, قراءة في رواية بهار للروائي عامر حميو

إبراهيم رسول

كثيرةٌ هي الكتابات التي أرخت للحربِ الأخيرة, التي تعرضَ لها الإنسان العراقيّ, خِلال الاجتياح الارهابي المُتَمثل بالمجاميع الارهابية المعروفة باسم داعش, وانعكاس هذه الحرب, لم يكن سهلاً أو بسيطاً, فهي تُصور الارتداد القِيَمي المُدمر لكلّ حضارة ولكلّ ما يمتُ للإنسانية بصلةٍ, إنّها حربٌ قاسيةٌ ضروس, عبثت أيّما عبث, وخلّفت العديد من الجروحِ في ذاكرةِ المُواطن العراقي, الدراما بوصفها تستنطق الألم وتمثله في صورةٍ تكون قريبة إلى المتلقي, كان السردُ في رواية بهار للروائي عامر حميو المطبوعة في دار إنسان سنة 2019 بطبعتها الثالثة, هي نوعٌ من السرديات التي اشتغلت على تَمثلِ الاحداث الواقعية مباشرةً, مسرحة النص, صِفة ٌ إيجابيةٌ عندما يكون الساردُ متقناً للكيفية التي يخلقُ المشهد فيها خلقاً, قد لا يُعاب على الروائي, أنّه يطرقُ مواضيع عِبر التأثير المباشر الذي تفاعل معه وتأثرَ به, فالرواية نسيجٌ يُكملُ بعضه بعضاً, والاشتغال على التوظيفِ المباشر ليس عيباً في الرواية الحديثة, إذ الأدب هو النزوع الروحي الوجداني الإنساني, ولما كان الإنسانُ وكرامته وتبيان الظلم الكبير الذي تعرض له, كان حرياً بالرواية أن تُتوجَ على أنّها من الروايات التي تتخذ من العذاب والقهر الذي تعرضت له الانسانية. الرواية هي صوتٌ يكاد يكون واحداً في فصولٍ عديدة وهذا الصوت صوتاً ضمنياً, إلا أنّ الروائي, يريد أن يدع الشخصية تُعبر عن وجعها بنفسها وبصوتها. بهار البطلة التي تحكي قصتها الموجعة , تُعد من قصص الانسانية المُعذبة المقموعة, هذه البطلة تحكي قصة السَبي الذي تعرضت له النساء الايزيديات في شمال العراق في محافظة الموصل, السردية كانت مباشرة في فصولها العديدة, فالنصُ لا يحتمل تخييلاً, إذ الواقعية وتمثيل النص, وبث نزعة الدراما فيه أعطت صورة من صور القراءة الإيجابية عند المتلقي. كأنّ القصةً ملحمة درامية, وهذا ما اتضحَ من المشاهد المؤلمة التي روتها البطلة الرئيسة ( بهار). تقنية الدراما هي أفضل التقنيات التي تتفق مع سرديةِ هكذا نوع من الروايات, إذ بغير هذه الطريقة لا تكون الرواية صاحبة رسالة أو غاية يمكن أن توصلها, ومن الاهداء, يسلكُ الكاتب الاسلوب الدفاعي عن هوية إنسانية أقلية دينية فهو يقول: إلى كل أيزيدية عاشت المحنة وذاقت مرارتها: ارفعي رأسك يا ابنتي, واحكي للناس بشاعة فعلهم. مثلَ الاهداء التوجه السردي الذي سيسلكه الكاتب في سرديته, فهو اسلوبٌ دفاعيٌ عن هويةٍ أقليةٍ, في مجتمعٍ لا يعير للاقلية أية أهمية وينظر لها على أنها هامشٌ! لعلَ مفردة ( أقلية) هي في الوقت نفسه ظلم! ومفردة قاسية! يقول هيوم: العقل عبدٌ للعواطف. ويصح أن نستنتج أن الأثر الذي تمثله السارد ينطبق تماماً على الحكاية, فالاهتمام بالحكاية كان الأهم من كيفية سردها. بهار البطلة كانت جريئة في قصها الحكاية, هي تنتقد عبر سلوك اسلوب مسرحي درامي, أبا براء الارهابي الذي نطق بلسان الشيطان, يواجه الوجه الإنسيّ البريء, وهذه المواجهة توضح الهشاشة الكبيرة في فهم النص الديني, فأبا براء كان ينظر إلى هذه البنت على أنها غنيمةٌ وفقَ الشريعة الدينية التي ينتمي إليها ويريد أن يطبقها, وهذا تراثٌ أسيءَ فهمه, إذ النص الديني كثيراً ما يرد مفتوحاً على التأويلات الكثيرة, وهذا ما سببَ أن العديد من الفرق اتخذت النص الديني, ذريعة لسلوكها وأفعالها الاجرامية. من المحتمل أن الأثر وردة الفعل لم تكن إلا محض عاطفية, فالعاطفة هي التي أمَلَت على الكاتب, دراما النص هي صوغه بصورةٍ مشهدية, ويحتاج إلى مُتلقٍ وهذا المُتلقي يسمع الخطاب والحوار عبر صور ممسرحة, التداخل بالأصوات الساردة, كاد يرهق السرد كثيراً, فالمتلقي يريد أن يسمعَ لصوت المتألمة, المكسورة, المضطهدة, المسبية, يريد أن يتفاعل معها إيجابياً, لأن القصة تراجيدية في ثيمتها كلها, لا نصرَ في الحرب لأي جهةٍ كانت, الصورةُ التي رسمتها بهار صورة بشعة عن هشاشة الانسانية, أوضحت لنا الحكاية, أن بهار مستسلمة لهذا المصير, فهي تعيش حالة انكسار نفسي كبير, لم نجد أية مقاومة أو رفض, هنا تكون ثغرة واضحة في ثانيا قص الحكاية, لم نلمح بهار تعبث, أو تصرخ أو تفعل بعض ما تفعله المرأة حينما تتعرض لما تعرضت له بهار!
تشتغلُ الروايةُ على توظيف النقد التضميني, إذ هذا أسلوب تمكن منه الروائي, فطريقة السرد لا تُنظر تنظيراً نقدياً, بل هي تلجأ إلى المباشرة في الصوغ الحكائي, دراما الوجع العراقي, غزيرةٌ كثيرةٌ, وهذه الكثرة, كثرة تنوع ثيماتي, إذ القصص كثيرة فتنوعت الثيمات وتميزت كل واحدة في تصوير الوجع, بهار لم تكن إلا إنسانة عراقية, قصتها تمثل المدى الوحشي الذي وصلت إليه عصابات التنظيم الارهابي, لكن بهار في الوقت نفسه, تمثلُ المرأة التي لها طموح, ولعلَّ اختيار القسم الذي درسته لم يكن إلا إشارة من القاص, إلى أثر الوجع والسبي على النفس.
الساردُ يتدخل ببرود , ولعل الطريقة الضمنية التي سلكها هي التي جعلت من الوجع يعبر بهذه الطريقة, نحن لا نقرأ نصاً مغلقاً. إنّ طريقة الدراما كانت أكثر تصويراً من السردية الجافة, هذه الدرامية أعطت روحية للنص, أن يكونَ نصاً يتلاءم مع فكرة القصة, إذ بغير هذه الطريقة, ستكون القصة غير متناسبة وكم الوجع الذي تحتويه! صورة الرواية النهائية, هي صورةٌ تراجيدية, وهذه التراجيدية تجلّت بوضوحٍ سافرٍ حينما يُمثل الوجع عبر مسرحة نصية, وهذه المسرحة والمشهدية التي خلقها السارد كانت هي أقرب من التخييل الذي يشتغلُ عليه العديد من الكتاب.
الأحداث بطيئة في كثيرٍ من الأحيان, وهذا البطء قد يكون استراحات وتوقفات مكتوبة عن قصد, يُراد منها أن تعطي للقارئ, أن يتفكر في هذه الدراما الحقيقية التي عاشتها المرأة العراقية والموصلية بهار الايزيدية بالتحديد, لم يكن زمن السرد متسارعاً, وهذه سمة نلاحظها في الرواية كاملة, فالزمنُ كان معروفاً قصيراً ومُحدد. العملُ السردي الذي يُحاكي الواقع ويقترب منه كثيراً ما يكون مستهلكاً! لأن الواقع يأخذ العنصر الأبرز في السرد ألا وهو عنصر التخييل أو الخيال, فالتخييل هو اشتغالٌ ذهنيٌ مختمرٌ بالدماغ فنُقلَ إلى المتلقي, أما الكتابة الواقعية فهي تُبعد عنصر التخييل ويتحول النص إلى نصٍ تقريريٍ! لكن في هذه الرواية ( بهار), هربَ السارد من هذا المأزق الذي كثيراً ما وقع فيه الأدباء, لأنّ الواقع يحتاج إلى إمكانية ومهارة في كيفية نقله سردياً, لأن النقلُ يعني إبداعاً خاصاً في الكتابة.
إنَّ حياكة هذه الرواية وطريقة الصوغ الفني اتخذت طريقة المسرحة؛ لأنها تريد أن تجعل من النص يُنقل متحركاً ممثلاً في مخيلة المتلقي, وهذه هي الطريقة الأفضل من حيث الرسالة. بهار كانت تُمثل لنا الصور المشهدية, وهي تعاني أبشع أنواع الظلم والقهر! فصورةُ الشخصية المحطمة والمنكسرة مثلتها بهار دون تصنع.
الروايةُ محملة بالهم والأسى, المتلازمة التي بقيت تساير السرد وتقيده هي النزوع الواقعي على حساب التخييل, وبقي النص يتأرجح بينهما؛ لأن ذاكرة الكاتب مشحونة بهذه الحادثة قريبة العهد, لأن الكتابة السردية إذ اقتربت من التقريرية فقدت عنصر التشويق الذي يعد الأساس في استقبال العمل الأدبي.

شاهد أيضاً

طريقة عمل الفراخ البانية

المقادير 1/2 كيلو فراخ صدور فيليه 2 بيضة 3/4 كوب دقيق 1 كوب زبادي 1كوب …