الشاعر حسن علي شرارة: حبّذا لو أُنشئتْ هيئةٌ عُليا عربيّةٌ عالميّةٌ تلحظ تطوّر دِلالات الألفاظ

 

يشيعُ في مجتمعِنا المعاصرِ نعتُ الفتاةِ العذراءِ غيرِ المتزوّجة بالآنسة، بينما يُقال لها سيّدة إذا تزوّجتْ، وصارت ذاتَ بَعل .
وكم من مرّةٍ خاطبْنا امرأةً فيها بالآنسةِ، فصحّحت وقالت: عفوًا، أنا سيّدةٌ، وكم مرّةً خاطبنا امرأةً ب (يا سيّدة) فاعتذرت أنّها آنسة !
فهل الأمر كذلك في جذورِ لغتِنا؟
فقد وردَ في المعاجمِ الحديثةِ أنّ معنى آنسة: الفتاةُ البكرُ الطيّبةُ النّفسِ المحبوبُ قربُها وحديثُها، ويؤنس بها، وهو لقب احترام يُستعمل في مخاطبةِ الفتاةِ غيرِ المُتزوّجةِ، ولم يردْ ذلكَ في لسانِ العربِ أو الصّحاحِ أو غيرها من المعاجم القديمة، وبعدَ البحثِ تبيّن: أنّ السيّدةَ هيَ المرأةُ وَفقَ معاني الجذر (س و د) ولا علاقـــــــــة للسيّدة بكونها ذات زوج أو عذراء، أمّا الآنسة فهي لطيفة الحديث ذات أنس لا يُمَلّ، وذات دماثة خُلق ودَلّ، ولا علاقة لوصف الآنسة بالزّواج مطلقًا، وإنّما هو عُرْف تعارفه النّاس حديثًا.
وطبعًا هذه الدِّلالة لمعنى كلمة (آنسة) تستند إلى العُرفِ السّائدِ أوروبيًّا، ونقلوه إلينا بعد أن تخلّى عنه الأوروبيّون، فبعد مرورِ أربعة عقودٍ على إلغاء لفظة (آنسة) في المراسلات الرّسميّة في ألمانية جاء الآن قرار فرنسة بحذف تسمية (مادموزيل) من الخطابات الرّسميّة، هذه القرارات المثيرة للجدل أوروبيًّا غير مطروحة كإشكاليّة في عالمنا العربيّ، لأنّنا ناقلو معرفة دون تمحيص ولا تدقيق، فالنّساء النّاشطات الأوروبيّات يصرّحن بأنّ استخدام لفظة آنسة تذكّر بالعصورِ القديمةِ عندما كانت الفتاة تنتقلُ عبرَ الزّواجِ من وصايةِ الأبِ إلى وصايةِ الزّوجِ، ويعتبرنَ أنّ هذا يُشير إلى تمييزٍ جنسيٍّ، وينطوي على نوعٍ من الإغراءِ الجنسيِّ، يَجرحُ عواطفَ الأراملِ والمطلّقاتِ، ويؤرّقُ أنفُسَ العوانسِ، فالرّجلُ يُخاطب دائما (رجل) بصرف النّظر إن كانَ متزوّجًا أو غير متزوّجٍ.. ففي كندا ترى النّساءُ الكنديّاتُ في لقب (آنسة) نوعًا من الإهانةِ والإساءةِ لهنّ، وهناكَ سيّداتٌ تجاوزن الخمسين وتغمرهنَّ السّعادةُ عندَ مخاطبتهنَّ بكلمة (آنسة) حيث يعبّرُ ذلك عن إعجابِ المُتحدّثِ بشبابهنّ أو بجمالهنّ.
أمّا عندنا فالمرأة تعيش التّمييزَ في واقعِها اليوميِّ بصرف النّظر عن كونها متزوّجةً أو غير متزوّجةٍ، فنظرةُ الرّجلِ الّتي تحملُ نوعًا من التّحرّش الجنسيّ لا تفرّقُ بينَ المتزوّجةِ وغيرِ المتزوّجةِ.
ولمّا كانتْ لغتُنا العربيّةُ لغةَ اشتقاقٍ، ويبقى الجذر مزوّدًا مشتقّاته بجميع معانيها، فحريٌّ بهؤلاءِ المُعجميّينَ أن يُصحّحوا المسار، فكلمة (آنسة) مؤنّث آنس، مشتقّة من الفعل (أنس)، وكلمة (سيّدة) مؤنّث سيّد من الفعل ساد، لذلك أنا أقترحُ أن نعتمدَ التّعريفَ التّالي:
الآنسةُ: هيَ المرأةُ المُتزوّجةُ أو غيرُ المتزوّجةِ الّتي تُؤنسُ زوجَها، أو أهلها، لذلك تُسمَّى: آنسة.
والسيّدة: هيَ المرأةُ المتزوّجةُ أو غيرُ المتزوّجةِ، الّتي تسودُ نفسِها، ولا يتحكّمُ بها أحدٌ لذلكَ تُسمَّى: سيّدة.
وحبّذا لو أُنشئتْ هيئةٌ عُليا عربيّةٌ عالميّةٌ تلحظ تطوّر دِلالات الألفاظ، وتضبط ذلك!
وعشتنَّ يا سيّداتي وآنساتي، وبوركتنَّ.
مع تحيّات حسن عليّ شرارة

شاهد أيضاً

قيادي في حماس استهدفته إسرائيل بين لبنان وسوريا… أحزاب البقاع دانته والداوود وصفه ب”الهزيمة الصهيونية”

أحمد موسى كواليس| استهدفت مسيرة إسرائيلية القيادي في حركة حماس شرحبيل السيد ومرافقه محمد رمضان …