استيعاب جوهر المكسيد في تشكيل اللبنانية رويدا الرافعي

محمد البندوري

 

الفنانة التشكيلية رويدا الرافعي

 

تشكل ثقافة المكسيد حيزا فنيا وجماليا في أعمال  اللبنانية رويدا الرافعي، فهي تجسد التقنيات المتنوعة، وتروم توظيف مختلف المفردات الفنية، بإضافة ألوان ومفردات مكسيدية من مختلف زوايا أعمالها، وهي أحد أبرز المكونات الحيوية في ثقافتها التشكيلية؛ فما تفتأ تلعب الألوان المختلطة على الكنفس، دورا محوريا في إشعال نبض الفضاء الناعم، لتنفذ أعمالها بتقنيات غير مألوفة، خاصة لما تعمد إلى التدرجات المتباينة فتنسج أشكالا متنوعة مؤطرة بالمكسيد والضوء، في تداخل منظم وتواشجات تشير في عمقها إلى دلالات عميقة المعنى، بما تنطق به لوحاتها من جمال فاتن.
وعملا بالمادة النقدية، فإن التشكيلية رويدا الرافعي تحول الملمس إلى تشكيل وعلامات أيقونية، دالة على معان عميقة الدلالات، تُستشف من تفاعل بين المادة التشكيلية في مظهريتها، ومختلف العناصر التشكيلية من تكوين وضوء ولون وحركة، وهي مادة تقارب بها الجهاز المضاميني، ثم إن السمة المهيمنة على أسلوبها توجه المادة نحو التحرر؛ الشيء الذي يفسح أعمالها للتعدد القرائي على عدة مستويات، ما يُمكّن من رصد توجهات متعددة المناحي الجمالية.
فالمكسيد اللوني والمفرداتي وكل العناصر المجسدة في أعمالها التشكيلية، تتيح الحركة، وتبعث سمفونيات تتفاعل مع المساحات الشاسعة التي تختزن طبقات متفاوتة من الألوان، والأشكال المتنوعة التي تترك للضوء فجوات، وتحجز للألوان حيزا حركيا مختلفا، إنه توظيف يتطلب تقنيات عالية لصياغة المجال اللوني بتنوع عميق المناحي، لتصل بأعمالها الفنية إلى ذروة الإبداع في عدم الفصل بين العناصر الأساسية، باستناد قوي إلى تقوية مفردات المكسيد، ومقاربتها بالغرض الذي تريد الوصول إليه عبر إيقاع ينسجم مع تصوراتها وأفكارها، ويتلاءم مع المادة التشكيلية التي تروم بها تقديم الجديد، وتتفاعل مع مستجدات الفن التشكيلي المعاصر. وهو ما ينم عن بلاغة رويدا الرافعي وعن التوجهات الفنية المباشرة لديها، بجرأة فنية، معلنة للقارئ عبر الرؤية البصرية. وهي ـ وإن كانت كذلك ـ فإنها في الآن نفسه تنم عن قدرتها الإبداعية ومرونتها في التفاعل مع هذا الشكل التعبيري الخصب، الذي يفضي إلى ما تحمله تجربتها من تطور في هذا المجال الإبداعي الرفيع، خصوصا أنها تجربة تحمل القيم الجمالية، التي تتبدى من خلال أعمالها المحملة بمجموعة كبيرة من الخصائص الجمالية المتفردة، وهو ما يوضح استيعابها للمادة التشكيلية في علاقتها بجوهر الفن، وبذلك تستطيع أن تستلهم من عناصره كل الأساسيات التي تبني عليها عملية التوظيف الفني المتيح لإنتاج الدلالات.

 

فمن جماليات ذلك التوظيف قدرتها القوية على استعمالها للحركيات والسكنات في آن واحد، وتوظيفها للكتل والتركيبات بشكل لا يؤثر في التوجه الفني للوحة، ثم إحداث نغمات موسيقية تنتج عن عملية التحريك والتسكين، فاحتكاك الألوان وتداخلها وتداخل عدد من العناصر الأخرى وتشابكها على نحو منظم ودقيق الوضع؛ يدل على التفاعليات الأساسية التي تشكل النبض الجمالي والقيمي في لوحاتها. والناقد ـ لا محالة – يستشف عن قرب كل ذلك، وهو يتبدى عبر اللون، وعبر نسج المساحة الملتحمة، لتبدو الجماليات في نسق حسي منظم، وكذلك لإظهار أهم مناحي الجمال اللوني، وما يقترن به من مفردات فنية وأشكال جمالية؛ وتأكيده داخل المادة التشكيلية.
ويبدو أن  رويدا الرافعي تدري عن وعي ما تنتجه عملية التوظيف للمساحة واللون في النسيج الإبداعي المعاصر. وفي هذا النطاق يظهر جليا تطويع اللون والشكل والعلامات لخدمة المضامين، وتظهر قوة المكسيد، في كشف ما تتيحه تلك الأشكال والعلامات اللونية، وما يتيحه المكسيد من وظائف بنائية ودلالية، ما يستحضر الأبعاد القيمية التي تترسب في أعمال المبدعة، وما ترسله من جماليات التشكيل المعاصر. ومن هذا المنطلق تثبت المبدعة ما تحمله تقنياتها العالية من إبداع وتجديد في المادة التشكيلية. إنها تغني أسلوبها بإبداع يترصد كل مناحي الجمال، عن طريق تثبيت مختلف المفردات الفنية بطاقة إبداعية، تمكن من الفهم الإيجابي وتوحي بمغازي معينة. إنها ثقافة تشبعت بها فاستهدفت بها القارئ، في اختيار لمسلك فني قويم، وهو اختيار لعالم بلا حدود، اختيار لفضاء غير نهائي، يتطلب التحكم بقوة في التدبير على كل المستويات، التصورية والثقافية، والبنائية والتعبيرية واللونية والعلاماتية والرمزية والدلالاية والتقنية، بنوع من التخصص والكفاءة التشكيلية. فذاك ما قادها لاستخلاص العديد من العوالم التي ينبني عليها الفن التشكيلي المعاصر، إذ تتوفر على الخبرة التي تؤهلها لارتياد عالم الإبداع في إطار استشراف الأفق الممتد، بآليات جديدة، وفنيات في العمل التشكيلي التي ينتج عنها التطور والتجديد، الذي جعلها في صفوة الفن التشكيلي المعاصر.

محمد البندوري… فنان خطاط وباحث تشكيلي من المغرب

شاهد أيضاً

مؤسسة سد مأرب باليمن تنظم حفل اشهار كلستر السلام المحلي

حميد الطاهري نظمت مؤسسة سد مأرب للتنمية الإجتماعية MDF في اليمن،  اليوم الأحد حفل إشهار …