“النصف الغائب”.. نساء العراق يتحدين المهن الصعبة ويُنافسن الرجال

اسعد زلزلي / اربيل

لا تيأس النساء في العراق من محاولات الانخراط في مهن صعبة يحتكرها الرجال، وسط التحديات التي تواجههن بسبب نظرة المجتمع الذكورية لهن، فبالرغم من وجودهن وبقوة في قطاعات العمل المختلفة، إلا أن الرجل السياسي في البلاد لا يراها نداً يستحق تحمل المسؤولية وتسلم المناصب العليا.

تاء التأنيث الشاقة

على خلاف المعتاد تأتي ستاره محسن، ” أم علي”، كل يوم إلى مقر عملها الحكومي في الشركة العامة لتجارة الحبوب في كربلاء، تختار أن تخرج عن قاعدة اقتصار العمل الشاق على الرجال، وتجلس خلف مقود الرافعة منذ 36 عاماً.

أم علي التي تجاوزت الخمسين من عمرها، لم تستسلم لكل الصعوبات التي واجهتها منذ بدايتها في العمل كسائقة رافعة في عام 1986 وحتى اليوم، وسط عدم قناعة الرجال بدخول النساء مثل تلك الأعمال.

ورغم كل الظروف التي واجهتها، إلا أن أم علي تنصح النساء بعدم الاستسلام والعمل لإعانة عوائلهن، وتقول: “نصيحتي لكل النساء بالتوجه للعمل وعدم الاكتفاء بالجلوس داخل المنزل للطعام والنوم فقط، العمل شرف وعبادة وعليهن أن يخرجن لإعالة أزواجهن وعوائلهن دون اكتراث للمعرقلات والنظرة المجتمعية”.

الكثير من الشابات في العراق بدأن أيضا بكسر قواعد العمل الشاق، مثل نور الجنابي، الوالدة لأربعة أطفال، التي اختارت أن  تكون من أولى العراقيات في مهنة النجارة.

ففي داخل منزلها افتتحت ورشة للنجارة بعد أن وجدت أن أسعار الأثاث مرتفعة في العراق، وهو ما دفعها بداية لتصنيع قطع منه باهظة الثمن لنفسها، لتكتشف امتلاكها المهارة في هذا المجال وتتشجع لافتتاح ورشتها الخاصة.

الجنابي ترى أن المرأة قادرة على العمل بعدة أمور صعبة على الرجال، بل وفي آن واحد، فهي قادرة، كما ترى، أن تنجح في المنزل وتربية الأطفال وكزوجة وأيضا في العمل.

وبرأي الجنابي فالمرأة أقوى من الرجل بما تمتلكه من طاقة، ولاسيما امتلاكها الذوق النسائي المعروف بنجاحه.

وعن عملها تقول نور، إنها تعوض عن عدة رجال في عملها، موضحة:”عمل النجارة يتطلب أكثر من رجل للقيام بالدوشمة (تغليف الأثاث بالقماش) والصبغ والنجار أيضا، لكن أنا أقوم بكل تلك الأعمال مجتمعة بالاعتماد على نفسي، ومنذ 12 عاما أنا أقوم بالعمل بمفردي دون الحاجة لإشراك رجل معي”.

 

نور الجنابي تعمل في النجارة

المرأة في سوق العمل العراقي

لكن محاولات النساء في المشاركة بمختلف مجالات العمل، منها الشاقة، لإنهاء هيمنة الذكور عليه لم تكن كافية، فبينما ترتفع نسبة مشاركة المرأة في الوظائف الحكومية تنخفض تلك النسبة بشكل لافت في سوق العمل والقطاع الخاص.

وأكد تقرير للبنك الدولي صدر عام 2020، أن مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل تعتبر منخفضة، بحيث تشكل أقل من 15 في المئة فقط.

وقال البنك في التقرير، إن “هناك أقل من 15 في المئة من النساء يشاركن في سوق العمل في كل من العراق والأردن، و26 في المئة فقط في لبنان، مبينا أن “هذه النسب تعد من بين أدنى معدلات مشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم.

بينما تشير دراسة أعدتها وحدة إحصاءات النوع الاجتماعي التابعة للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، أن توزيع النساء حسب قطاعات العمل لا يبدو متوازناً، فيظهر أن هناك قطاعات تنشط فيها النساء على حساب قطاعات أخرى.

فالقطاع العام والحكومي هي أكثر القطاعات الجاذبة لمشاركة المرأة، حيث كانت النسبة حوالي 78 في المئة مقارنة بباقي القطاعات، التي لم تشكل سوى 21 في المئة في القطاع الخاص، مع الإشارة إلى أن أغلب النساء العاملات في القطاع الخاص هنَّ من النساء الريفيات.

أما بيئة العمل عند النساء العاملات، وفقا للدراسة، فهي أقل خطورة عند المقارنة مع عمل الرجال، فقد أظهرت النتائج أن أكثر من 82 في المئة من النساء يعملن في بيئة عمل غير خطرة بالمقابل هناك 46 في المئة من الذكور يعملون أيضا في أجواء عمل مماثلة.

وبينما يعتبر القطاع الحكومي الأكبر في العراق، في ظل ضعف القطاع الخاص أصلاً، فإن المرأة تمثل عماد قطاع العمل في العراق لكنها دائما ما تكون خلف الواجهة بعيدا عن المناصب العليا والدرجات الخاصة في الحكومة.

إذ تظهر بيانات صادرة من وزارة التخطيط العراقية لعام 2018، على سبيل المثال، وجود امرأة واحدة في منصب مدير عام، مقابل كل تسعة رجال، والنسبة ذاتها تتكرر لمنصب معاون مدير عام.

وحتى في التمثيل الحكومي، تراجعت نسبة المشاركة السياسية للمرأة في العراق من تسلم نساء ست وزارات في الحكومة المؤقتة التي تشكلت برئاسة إياد علاوي في 2005، إلى حقيبة واحدة في حكومة مصطفى الكاظمي الأخيرة 2020-2022، وقبلها لم تتسلم امرأة أي حقيبة في حكومة عبد المهدي 2018 –2020.

ويقول الناطق باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهندواي، للحرة، إن نسبة تمثيل المرأة في العمل انخفضت إلى 14 في المئة، وهو أقل من المعدل العالمي البالغ 20 في المئة.

وأشار الهنداوي إلى أن نسبة العوائل التي تعيلها نساء تبلغ حوالي الـ 11 في المئة، مبينا أن آخر مسح أجرته الوزارة العام الماضي في ثلاث محافظات، هي بغداد والموصل والبصرة، أظهرت أن نسبة النساء العاملات في القطاع الخاص بتلك المحافظات بلغت 5 في المئة فقط.

النصف الغائب

تواجد المرأة في مختلف مجالات العمل، ونسبتها الكبيرة في القطاع الحكومي، لم يشفع لها في الوصول لاعتلاء المناصب والحصول على ما يوازي تواجدها وكفاءتها في تسلم المناصب الرفيعة والإدارية في المؤسسات الحكومية، كما ترى بعض الناشطات في المجال المدني والمدافعات عن حقوق المرأة.

وتقول شيماء بهزاد، رئيسة فريق “هنا العراقية” التطوعي، إن النساء العراقيات، اللواتي يشكلن أكثر من نصف المجتمع، أثبتن وجودهن وقدراتهن على إدارة شؤون المجتمع إلى جانب إدارة شؤونها المنزلية.

وتؤكد الناشطة أن المرأة العراقية لم تترك مجالا إلا وتواجدت فيه، حتى المجال العسكري، لكنها بالمقابل لا تحصل على ما يوازي إمكانياتها في مناصب القرار، وبالرغم من مشاركتها الواسعة في الوزارات الحكومية التي تعد عماد اقتصاد الدولة وإدارتها والمهام الكبيرة المكلفة بها، إلا أن إشراكها في المناصب الإدارية يعد ضئيلا.

وترى شيماء أن الشكل العام للدولة ذكوري، ولا يقبل إشراك المرأة، مضيفة “لا نجد في العراق الجديد الديمقراطي تواجداً للمرأة في الرئاسات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا حتى في الوزارات التي يمكن أن تتواجد فيها كالخارجية والمالية، يجب أن تتوقف النظرة الذكورية السياسية وأن يُتاح للمرأة الوصول لاستحقاقها”.

شيماء بهزاد، رئيسة فريق “هنا العراقية”

“ذكورية” الرتبة

لا تقتصر النظرة الذكورية في العمل على مجال دون آخر، فبعض المنظمات المدنية ترى وجود إجحاف يسود المؤسسات الحكومية، التي يجب أن تكون بعيدة عن انعدام المساواة الجندرية، لاعتمادها على القوانين وطبيعتها الحكومية.

عملت المرأة في العراق بجد للمشاركة في الوزارات الأمنية والاشتراك في العمل الأمني رغم كل القيود المجتمعية ونظرتها القاصرة تجاهها في هذا الجانب، ولا يخلو هذا السلك من شكاوى نسائية تجاه التعامل الجندري مع المرأة، وحرمانها من حقوقها وفق النظرة الذكورية البحتة فيه.

وتشير إحصائيات غير رسمية  إلى وجود أكثر من 750 ألف منتسب في وزارة الداخلية، ويبلغ عدد النساء حوالي 10 آلاف منتسبة بمراتب عسكرية دنيا. كما أن عدد النساء الحاصلات على رتب عسكرية لا يتجاوز 250  امرأة”، و”أعلى رتبة منحت للمرأة هي رائد”، أما بقية المنتسبات فيعملن بوظائف مدنية وشكلية مع غياب المهام والمسؤوليات الواضحة.

وقبل مدة أطلقت منظمات حملات لإنصاف المرأة في السلك العسكري، كحملة “رتبتي كرامتي ” التي تحتج على عدم ترقية المرأة العاملة في السلك العسكري للمناصب التي تستحقها.

وبهذا الشأن تشير الناشطة الحقوقية ورئيسة منظمة “لأجلها”، مروة عبد الرضا، إلى أن هذه الحملة تهدف إلى كبح الظلم الواقع على النساء العاملات في هذا السلك بعد حرمانهن من الترقية لرتب عليا تستحقها وفق التدرج الوظيفي.

وبينت مروة أن ترقية المرأة يتوقف عند رتبة “رائد” فقط، ويتم حرمانها من الترقية إلى رتب أعلى نتيجة حكم الأعراف والتقاليد، والنظرة الرجولية لوصول النساء لتك المناصب.

وأكدت الناشطة أن المرأة تشعر بالتهميش ولا يسمح المجتمع بنظرته الذكورية ببلوغها ما تستحقه، موضحة “في العسكرية تحرم المرأة من حقوقها بالرتبة وأداء التحية لها، وفي باقي الوزارات هي تحرم من منصب المدير العام ومنصب وكيل الوزير، لا لشيء بل لأنها امرأة وحسب الطابع الذكوري المهيمن على نظرة المجتمع للنساء وإشراكهن في اتخاذ القرار”.

مشكلة تتعدى العراق

وبحسب الأرقام والبيانات التي أصدرتها، العام الماضي، منظمة العمل الدولية حول المساواة بين الجنسين، بلغ معدل مشاركة المرأة العربية في سوق العمل 18.4 في المئة، وهو المعدل الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 48 في المئة.

وفي المقابل تتجاوز معدلات مشاركة الرجل في سوق العمل نسبة 77 في المئة مقابل المتوسط العالمي 75 في المئة.

كما أن عدد النساء في المناصب الإدارية متدنٍ في الدول العربية، حيث أن نسبة 11 في المئة فقط منهن يشغلن مناصب إدارية مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 27.1 في المئة.

ويكشف تقرير المرأة العالمي لعام 2020، أن 47 في المئة من النساء في سن العمل لديهن وظيفة، مقارنة بـ 74 في المئة من الرجال.

كما أن نسبة النساء العاملات أدنى في جنوب وغرب آسيا وشمال أفريقيا، حيث تقل نسبة النساء في سوق العمل عن 30 بالمئة.

وأشار التقرير أيضاً إلى أن المشاركة النسائية في المناصب الإدارية الثانوية تبلغ 28 في المئة فقط بينما تحظى بـ 18 في المئة من مناصب الرؤساء التنفيذيين على مستوى العالم.

 

شاهد أيضاً

“ألزهايمر على بكير”.. لقاح “كورونا” السبب؟

هل أصبحتَ تواجه صعوبة في تذكّر المواعيد، والتفاصيل، والمهام اليومية المطلوبة منك؟ هل أنت قلق …