الضفة الغربية على برميل بارود قد ينفجر في نيسان المقبل

بقلمعاموس هرئيل

أحداث الأسابيع الأخيرة، من توتر في حي الشيخ جراح وارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية، تعزز تقدير الجيش الإسرائيلي، وهو أنه في وقت ما في نيسان، بين شهر رمضان وعيد الفصح، قد يشتعل تصعيد حقيقي في “المناطق” [الضفة الغربية]. وإذا تحققت النبوءة فهو الاشتعال الثاني خلال أقل من سنة بعد “حارس الأسوار” في قطاع غزة في أيار الماضي. حقيقة أن الطرفين قد أنهيا الجولة السابقة بشعور التعادل وبدون تغيير جوهري في صورة الوضع، تسهم في تطور جولة أخرى.

قائد فرقة يهودا والسامرة، العميد آفي بلوت، أنهى الوثائق التي يرسلها للقادة في الفرقة بشعار “غدا حرب”. هذه عادة قديمة للجيش الإسرائيلي، التي تعزوها الميثولوجيا العسكرية إلى اللافتات التي علقت في غرف العمليات في قيادة المنطقة الشمالية بعد حرب يوم الغفران، بتأثير المفاجأة الصادمة في تلك الحرب. المكسب الكامن في ذلك واضح: قائد يحافظ على جنوده في حالة تأهب دائم. وثمة خطر لنبوءة تجسد نفسها، في الوقت الذي سيفسر ظل الجبال كجبال ويقود إلى اتخاذ خطوات وقائية أو رد إسرائيلي شديد.

إشارة بدء عملية أيار الماضي أعطيت عندما تدخلت قيادة حماس فيما يحدث في القدس. بعد أحداث الشيخ جراح وباب العامود والحرم، اختارت قيادة حماس في غزة التعبير عن تضامنها من خلال إطلاق ستة صواريخ على منطقة العاصمة. وردت إسرائيل بقصف كثيف على القطاع، فبدأت جولة قتال. هذه المرة رغم إسماع التهديدات التقليدية إلا أن حماس تبدو منضبطة أكثر بقليل. قد يكون الوضع الحالي في القطاع، من تسهيلات اقتصادية معينة وهدوء نسبي على الحدود ووفرة الوقت للانشغال بإعادة الإعمار وتحسين القوة العسكرية، يخفي في طياته مزايا أكثر من ناحيتها.

المفجر، إذا جاء، قد ينتج من الدمج بين الحماس الديني في القدس (في المقام الأول في الحرم) وبين بداية شهر رمضان. لذلك، استعد الجيش الإسرائيلي بواسطة ست مناورات ستجري في الألوية القطرية لفرقة يهودا والسامرة، على امتداد الأسابيع القريبة القادمة، إلى جانب تحديث برامجه العملية في الضفة.

في هذه الأثناء، تعج المنطقة نفسها بالنشاط بصورة مرتبطة بالتحدي الذي تضعه حماس أمام حكم السلطة في الضفة، والفساد والضعف الذي يمثل أداء السلطة نفسها. في الأسبوع الماضي، قتل رجال وحدة الشرطة الخاصة ثلاثة من مسلحي حركة فتح، بعد أن كمنوا لهم في قلب نابلس. هذا الأسبوع قتل فلسطينيان غير مسلحين بنار الجيش في أحداث في منطقتي جنين ورام الله. جزء كبير من منفذي الاعتقالات الإسرائيليين في منطقة نابلس وجنين، يواجهون مؤخراً بإطلاق نار على قوات الجيش الإسرائيلي. وتضاعف عدد أحداث رشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة على السيارات الإسرائيلية في شوارع الضفة في الأشهر الأخيرة.

سجل ارتفاع أيضاً في الأعمال العنيفة للمستوطنين ضد الفلسطينيين (هذا الأسبوع تم اعتقال 18 إسرائيلياً للاشتباه بقيامهم بأعمال شغب في قرية حوارة جنوبي نابلس)، نزاعان على الأراضي حول إقامة بؤرة استيطانية في “حومش” وفي “أفيتار”، يجذبان التوتر والعنف. وشخصيات رفيعة في السلطة هددت إسرائيل، سواء بإلغاء الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل أو “بصورة تلميحية” بالانضمام إلى العنف ضدها.

جزء من قادة الجيش الإسرائيلي على الأرض يرون في تراكم هذه الظروف برميل مواد متفجرة ينتظر الصاعق للانفجار. ويرى الدكتور ميخائيل ملشتاين الأمور بشكل مختلف قليلاً؛ فقد كتب بأن السلطة تهدد إسرائيل بواسطة “مخزن فارغ”. وحسب قوله، باستثناء حالات الاشتعال الديني في القدس، يرد جمهور الضفة على الأحداث العنيفة مع إسرائيل بلامبالاة، وحتى الارتفاع في عدد القتلى في هذه الأحداث لا يدفعه ليعرض الاستقرار النسبي للخطر.

يعتقد ملشتاين أن الخطر الحقيقي الذي يتربص بنا ليس اندلاع انتفاضة ثالثة أو تفكك السلطة و”إعادة المفاتيح” لإسرائيل، بل الزحف البطيء، للإسرائيليين والفلسطينيين، نحو تحقيق فكرة الدولة الواحدة. كل ذلك سيحدث، حذر ملشتاين، “بدون قصد متعمد أو تخطيط من قبل إسرائيل، التي تجد نفسها في واقع مستقبلي يهدد قدرتها على الوجود كدولة يهودية وديمقراطية”.

وتضاف إلى الحساسية في “المناطق” [الضفة] والقدس ضائقة سياسية داخلية حول علاقات قائمة “الموحدة” مع قوائم الائتلاف الأخرى. يزداد عدم الرضى في قائمة الحركة الإسلامية على خلفية عدم الوفاء بالوعود من جانب الحكومة. داخل الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية الذي يؤيد رئيس الحزب عضو الكنيست منصور عباس، يشتد الانتقاد لخطواته. وقال ملشتاين إن الائتلاف يعتمد على ضبط النفس، على خلفية عدم القدرة على ضخ ميزانيات كبيرة وكافية للوسط العربي، وصعوبة التقدم السريع نحو المشاريع واستمرار الجريمة المتفشية في القرى العربية. في ظل هذه الظروف إذا استخدمنا إلى العنف في المناطق فهذا قد يندمج أيضاً مع التوتر في المدن المختلطة داخل الخط الأخضر.

         

       الضغط على دواسة البنزين بدون غيار

قبل سنتين تقريباً، وبعد مرور 25 سنة في قسم الاستخبارات، العقيد موشيه طال تسرح من خدمته الثالثة في الجيش الإسرائيلي. طال وجد لنفسه مسار مهني آخر ممتع أكثر وهو محلل رياضي في الولايات المتحدة.

تحتجز حماس جثماني جنديين إسرائيليين قتلا في عملية “الجرف الصامد”. وتقدر الاستخبارات بأن حماس تحتجز اثنين على قيد الحياة، هما الإسرائيليان اللذان اخترقا الحدود نحو القطاع في السنة التي أعقبت العملية. رغم محاولة حماس طمس الصورة، إلا أن وضع الأمور الحقيقي واضح لإسرائيل. هما على قيد الحياة، أما الجنود فلا.

بصفتي رجل مخابرات، بذل العقيد طال طوال سنين جهوده للعثور على الجندي المخطوف جلعاد شاليط. بعد ذلك، قال له بأن جهاز الأمن، مثل الجمهور الإسرائيلي، ما زال مصدوماً من صفقة شاليط. في ظل غياب قدرة عملياتية لإنقاذه، فقد تنازلت حكومة نتنياهو ودفعت ثمناً باهظاً، وهو إطلاق سراح 1027 ارهابياً فلسطينياً، من بينهم المئات الذين أدينوا بمشاركتهم في أعمال قتل، مقابل جندي واحد. ثمة شعور بأنه ثمن مبالغ فيه وأدى إلى إبطاء معالجة القضية الحالية. من الواضح أن الثمن الذي ستوافق إسرائيل على دفعه مقابل جثامين الجنود والأحياء سيكون أقل من الثمن الذي دفع مقابل الجندي الحي.

إسرائيل لا تسعى للتوصل إلى صفقة. لا يحدث شيء إنتاجي. وثمة علامة بأنه لن نتوصل إلى ديناميكية حقيقية لمفاوضات مع حماس. أما ما يجري كل بضعة أشهر من نقاش في موضوع المفاوضات بيننا وبين المخابرات المصرية فهو مجرد صيانة وليس تقدماً”.

وقال “طال” أيضاً بأنه “حسب معرفتي وللمرة الأولى، جرت عملية ممتعة من وراء الكواليس في خريف 2018 بعد فترة قصيرة من إنهاء رئيس الأركان السابق، غادي آيزنكوت، لمنصبه. آيزنكوت الذي لم ينس مسؤوليته عن جنوده الذين بقيت جثامينهم في غزة، بادر إلى اتفاق داخلي بينه وبين نظرائه في حينه في رئاسة الموساد والشاباك، يوسي كوهين ونداف ارغمان. وهؤلاء الثلاثة حددوا لأنفسهم، لأغراض مهنية، ما هو في نظرهم المنسوب المعقول لما ستدفعه إسرائيل في إطار صفقة لإطلاق سراح الإسرائيليين الأربعة في المستقبل، أبلغوا نتنياهو بذلك. الهدف، حسب طال، هو أن يبثوا لنتنياهو بأن له “ظهراً” من جانب الأشخاص المهنيين للتقدم في المفاوضات لأنه يوجد مجال مناورة ربما سيمكن من عقد صفقة. فعليا، المبادرة ماتت دون أن يحدث أي تغيير حقيقي.

“في الصيف الماضي، ظهرت احتمالية معينة لحدوث اختراق. تبين في الأشهر الأخيرة من ولاية نتنياهو أن حدث ابتعاد ما في علاقاته الممتازة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي”. وحسب قوله، فإن السيسي رفض في هذه الأشهر اقتراحات لعقد لقاءات وإجراء محادثات كان يمكن فيها مناقشة مسألة المفقودين أيضاً. الأمور تغيرت للأفضل بعد تعيين رئيس الحكومة الجديد نفتالي بينيت في حزيران الماضي. في البداية، جرت مكالمة هاتفية ناجحة بين بينيت والسيسي. وبعد ذلك، بعد أسبوع تقريباً، تم عقد لقاء لبعثة إسرائيلية مع شخصيات رفيعة في المخابرات المصرية في القاهرة.

في هذا اللقاء، قال مصدر مصري رفيع لمحدثيه الإسرائيليين بأنه تم تعيينه في مهمة شخصية من الرئيس السيسي للتوصل إلى حل، وليس صفقة. وفق تفسير طال، من ناحية القاهرة، يتحول التأكيد إلى حل للمشكلة الإنسانية، وهي مصير الأسرى، بدلاً من اشتراط تحقيق تقدم ملموس في التوصل إلى تسوية واسعة بعيدة المدى للمشكلات في قطاع غزة. في محادثات غير رسمية، توسل المصريون للإسرائيليين لتليين مواقفهم وإطلاق سراح عدد أكبر من السجناء الأمنيين الفلسطينيين. حسب التحليل المصري، فإن الأفضلية الأولى في المفاوضات بالنسبة لقائد حماس في القطاع، يحيى السنوار (الذي هو نفسه تحرر من السجن في صفقة شاليط)، هي المزيد من الأسرى وليس المزيد من التسهيلات الاقتصادية.

       الجانب المصري في الصفقة

لمصر مكاسب من صفقة التبادل، فهي على قناعة بأن إسرائيل يمكنها استخدام تأثيرها على الإدارة الأمريكية للتخفيف في طلباتها تجاهها في مجال الحفاظ على حقوق الإنسان. وبذلك، السماح بضخ المساعدات الاقتصادية والأمنية. تطمح القاهرة إلى مساعدة تكنولوجية من إسرائيل، والدفع قدماً بمشاريع كبيرة في مجال تحلية المياه التي تحتاجها مصر.

أضيف إلى ذلك طموح آخر، يعكس روح العصر في الشرق الأوسط: على خلفية “اتفاقات إبراهيم” تأمل مصر تجنيد مساعدة إسرائيلية لإقناع دول الخليج باستثمار المزيد من أموالها في مشاريع تكنولوجية مشتركة، التي تستطيع أن تدفع قدماً باقتصاد مصر والتخفيف قليلاً من معاناة السكان (رغم أن تجربة الماضي تدل على أن جزءاً كبيراً من الأموال يصل بطريقة ما إلى جيوب الجنرالات ومقربيهم). رسالة مصر لإسرائيل بقيت على حالها: كونوا أكثر مرونة في الثمن وستضيفون لنا مزايا، عندها سنعرف كيف نحضر حماس إلى الطاولة.

العرض المصري الجديد أثار التردد في الطرف الإسرائيلي، ويعتقد طال أن فيه شيئاً ما. في 2011 عندما أرادت مصر إقفال صفقة شاليط استخدمت ضغطاً على حماس، بما في ذلك احتجاز رئيس أركان حماس أحمد الجعبري في فندق في القاهرة لمدة ستة أسابيع، إلى أن وافق (إسرائيل اغتالت الجعبري بعد سنة تقريباً في عملية “عمود السحاب”). ولكن رغم تحسسات معينة جرت، لم يدفع بينيت قدماً حتى الآن بعقد الصفقة القادمة مثل سلفه نتنياهو.

قال طال، إن الافتراضات الإسرائيلية انهارت. ورغم سياسة التسهيلات في غزة، إلا أن حماس خاطرت بمواجهة عسكرية في عملية “حارس الأسوار”. في حين أن استمرار التسهيلات منذ ذلك الحين، بما في ذلك إدخال عشرة آلاف عامل من القطاع إلى إسرائيل، لم يقنع حماس بالموافقة على تسوية شاملة، التي ستحل أيضاً مشكلة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين. ما زال السنوار متمسكاً بمطالبه.

طال، ينسب ذلك أيضاً إلى غياب ضغط عام على الحكومة لحل القضية. لذلك، قرر إجراء مقابلة، وجند الأموال بصورة حثيثة بهدف البدء بحملة إعلامية تحاول إثارة الاهتمام بضائقة المحتجزين في غزة وأبناء عائلاتهم. ستطلق الحملة على لوحات إعلانية في شوارع الدولة مطلع الشهر القادم. هذه مبادرة مدهشة وفريدة بالنسبة لضابط متقاعد. ما زال من الصعب رؤية كيف ستدفع الحكومة بانشغال أكثر كثافة لحل هذه المشكلة.

بقلمعاموس هرئيل

هآرتس 18/2/2022

شاهد أيضاً

جهاز أمن مطار رفيق الحريري في بيروت يوقف طائرة تحمل عبارة “تل أبيب”

المديرية العامة للطيران المدني في لبنان تطلب من طائرة تابعة للخطوط الجوية الأثيوبية إزالة عبارة …