نهاية ولاية عهد رئيس شجاع… ٢/ ٥

اللجوء؛ فباريس تعقلن وتعلم…
جنرال السلم والانتخابات غير جنرال الحرب والجيش…

ميخائيل عوض

الجنرال العنيد والمقدام والجريء الى حد المغامرة لا ولم يستسلم وراهن على التبدلات وربما علمته التجربة والاخفاقات في السياسة وقواعدها والبراغماتية… فللعمر حق ولباريس ظروف ومناخات وللزمن دور  بتعزيز وفرض التفكير بعمق والعقلانية وتبريد العقل والافكار واعادة صياغة الخطط والاستراتيجيات، و لا يعيب القادة ولا يحط من قدرهم ان هم اجادوا استخلاص العبر والدروس من تجاربهم ومن هزائمهم ومن توسيع  افاقهم واحاطة انفسهم بالمستشارين والمفكرين من شتى الاطياف والولاءات، والحرب ليست فقط بالسلاح والمدفعية والدبابات فالحرب ايضا تجري  بالدبلوماسية وبلوبيا الضغط في واشنطن وباريس وبالإعلام وبالاستثمار بالجالية اللبنانية المهاجرة واكثريتها مسيحية وذات التأثير والوزن في امريكا واوروبا فالإقامة في باريس ساعدت الجنرال على اعادة لملمة الصفوف ورصها واستخدام كل الوسائل والفرص لاستصدار قرارات من الكونغرس والادارة الامريكية ضد السوري الذي دخل لبنان بطلب من الجبهة اللبنانية وقادتها التاريخين وامن الحماية للمسيحين والحفاظ على وجودهم المهدد بالاقتلاع ، فسرعان ما انقلب بشير الجميل وفرض الاشتباك والصراع وعامل السوري كالعدو الاول  لتبرير الانخراط بالمشروع الاسرائيلي الامريكي بعد ان امن السوري المناطق المسيحية ومكن الجبهة اللبنانية والقوات من السيطرة والتفرد فيها، فقفز بشير الى العربة الاسرائيلية ولتبرير انقلابه افتعل حادثة الفياضية فحرب الاشرفية وزحله قبيل الاجتياح الاسرائيلي عام ١٩٨٢ الذي امنه في قصر بعبدا وتسبب باغتياله ايضا في الاشرفية.
انتصار المقاومة في لبنان الاعجازي وهزيمة اسرائيل المذلة عام ٢٠٠٠ ووصول الصقور مع بوش الابن الى البيت الابيض مثلت ملامح فرصة وافرة للجنرال المقاتل بدأب ودوام فزاد من حضوره وحركته وفعل من نشاط التيار في لبنان وقد تمتنت بنيته في النضال الميداني وفي الجامعات وبيئات الشباب والكتل الاجتماعية والفاعليات الاقتصادية التي يحتكرها المسيحيون كما الاعلام ووسائطه الاكثر تأثيرا ومع غزو امريكا  لكابول وبغداد وانهيار التفاهمات السورية الامريكية السعودية ولاجهاض انتصار ال٢٠٠٠ وتمكن الاسد من ادارة الصراع باحترافية وتقانة فريدة تأكدت استثنائيته بتبنيه ودعمه للثورة الاسلامية في ايران واسقاط محاولات جعل حرب صدام عليها كحرب فارسية عربية او سنية شيعية، تركز الجهد الامريكي الاوروبي الاسرائيلي  وتم توظيف الحلفاء والقوى المحلية ثأرا مما حققته سورية في حقبة حافظ الاسد ولكسر ذراع الرئيس الشاب بشار الاسد العنيد وغير القابل للاحتواء والاغواء فكلف الحريري الاب ومعه جنبلاط المشبع حقدا وثأرية من السوري الذي يتهمه ويبطن له تهمة اغتيال كمال جنبلاط فيوم صالحه كان يكن له بسره العداء ويتحين الفرصة للثأر وقد واتته بإخباره من الرئاسة الفرنسية ان اتفاقا حصل بين فرنسا وامريكا على اسقاط بشار الاسد لإجهاض انتصار، ومطلوب الانخراط والانتقال الى الموقع الاخر بحماية وتمويل من رفيق الحريري والسعودية والمطلوب منع التمديد للحود باي ثمن واستصدار قرار من مجلس الامن لفرض الانسحاب السوري من لبنان وتطويق حزب الله ومقاومته لإجهاض نصرها المدوي، وللجنرال المعاند والطامح ايضا ثأرية من السوري وقد حانت له الفرصة لطرده من لبنان للاستفراد بتمثيل المسيحين وقد تراجعت الفاعليات والبيوتات والزعامات التقليدية وانحسرت القوات ونفوذها وكان الدور والحضور العوني في اعلى درجات تجليه والبطريركية ومجلس مطارنة الموارنة يملأ الفراغ ويلعب دورا محوريا في السياسة والتوجيه وقيادة الحرب على سورية وحلفائها وبلفته ذكية من الاسد قبل عرضا من البطريركية حمله له الوزير السابق يوسف سلامه ابن فاريا – كسروان برفقة الاباتي بولص نعمان مكلفا من البطريرك صفير  عبر اللواء محمد ناصيف – ابو وائل – المؤتمن من قبل الرئيس الاسد بعد انكشاف الاعيب رباعي الانقلاب على الاسد من البوابة اللبنانية “خدام والشهابي وكنعان الحريري مع جنبلاط” فقبل الاسد الشاب وغفر لعون تهديد والده ولجعجع علاقته بالإسرائيلي وباغتيال كرامي الحليف الاكثر موثوقية لسورية وانقلابه على حبيقة والاتفاق الثلاثي، ووافق على عرض اطلاق سراح جعجع وعودة عون واسقاط التهم والدعاوى بإقرار قانون العفو وقد قرر الاسد بعد مشاورة قادة سورية وفاعلياتها كعادته قبل اتخاذ قرارات حاسمة واستراتيجية قبول المنازلة والاشتباك، فغير من مسارح المعركة ومساراتها  بالانسحاب الى الحدود الدولية رافضا الالتزام بما منحه الطائف من حق الوجود العسكري الابدي في ضهر البيدر والبقاع، فالأسد ادرك عنف وعمق الاستهداف وعجز قواته وحلفائه عن المواجهة وقد انقلب الكثير منهم عليه وقرر المفاجأة بالانسحاب وترك لبنان لتعارضات وصراعات اطراف وفرقاء المنظومة والانكفاء للاشتغال بوضعه الداخلي واحتواء الصراعات ومحاولات تطهير الدولة والاجهزة من اختراقات الانقلابين، وللتحوط من خطر غزو او فوضى اعدت لسورية بإتقان بعد احتلال بغداد وانذارات كولن باول، وبدأت فبركة شهود الزور والروايات والاستثمار الفاجر باغتيال الرئيس رفيق الحريري وبضغط امريكي اوروبي وانقلابات الزعماء والحلفاء على سورية واستجلاب لجان التحقيق الدولية وتشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة سورية وحلفائها  المخلصين وقد ابتلي الضباط الاربع واعتقلوا لأربع سنوات ظلما وعندما تمكن الاسد واشهر استعداده للحرب ورفض استدعاء ضباطه لاعتقالهم كما جرى مع الاربعة في لبنان تحولت التهمة والتحقيقات لتلبيسها لحزب الله.
الجنرال الجريء ادار الحرب بذكاء وفطنه وحماسه، فعودته شكلت تسونامي  خطرة على تحالفات البريستول و١٤ اذار  وقد اصبحت القوات في صدارتها وفي قلب التحالف الرباعي مع امل وحزب الله لمنع عون من اجتياح التمثيل المسيحي فالرجل اشكالي ومتقلب ولا يؤتمن جانبه وقوي وشعاراته وطنية لا طائفية ولا مذهبية ولا عائلية ويناصب العائلات التقليدية والتوريث العداء المطلق وشعبيته طاغية في كل الطوائف والمذاهب وقدم نفسه وتخيله اللبنانيون المنقذ المخلص الطالع من المؤسسة العسكرية والمشتبك مع الميليشيا ومع الطبقة السياسية ومحاصتاها وبيوتاتها التقليدية وقائد حملة اخراج السوريين من لبنان.
رجع عون قويا قائدا شعبيا ومسيحيا مفوضا واول بين الزعماء وحصد نتائج مبهرة في الانتخابات النيابية برغم انقلاب ١٤ اذار عليه والغدر به وقبول الثنائي الشيعي التحالف مع جنبلاط وسعد الحريري والقوات اللبنانية وعدم  التفاوض مع عون العنيد  والمقاتل ضد السوري في المحافل الدولية وفي البيت الابيض والكونغرس الامريكي.
الجنرال كان واثقا من خروج السورين من لبنان وباختلال التوازنات، فسبق الاحداث بفطنته وكشف عن حقيقته قائدا بالمعنى الحرفي للصفة فخاطب سورية وكرس ثقافة وشعار ان سورية خارج لبنان جار وليست عدوا ويجب مصالحتها وادارة علاقات حسن جوار معها، كلام كان البعض يفترضه مناورات اعلامية خادعة، غير ان الجنرال القائد كان يعني ما يقول ولأنه من صنف القادة الكبار والرجال فقرن القول بالفعل وفاوض السوريين وهم خارج لبنان والكل يعاملهم كمهزومين ويشحذ السكاكين لذبحهم ولأنه قائد و صاحب بصيرة نافذه مد اليد لحزب الله وحاوره واقر له بدور نوعي وبوطنية وبمقاومة مشروعه وبإنجاز نوعي فأفضى الحوار لتوقيع تفاهم مار مخايل وقد سبق التوقيع عليه حرب تموز، وفي حرب تموز برغم انحياز ١٤ اذار والعرب نظم واسر لصالح اسرائيل ضد حزب الله وسورية الا ان القائد الجنرال لم تهتز له شعرة جفن وايقن ان المقاومة ستنتصر ووقف الى جانبها بثبات في موقف يسجل له ويؤكد انه يملك صفات القادة التاريخين الكبار ولو ان الكاريزما الشخصية خانته وخانت صفته كقائد، واكمل دوره وانتزع مرة ثانية واثبت صفته كجنرال عنيد وجريء ومن صنف القادة الكبار فأعاد المارونية ونشأتها الى مشرقيتها وسوريتها وذهب معززا مكرما الى دمشق ثم الى  براد في ادلب ليعلن هنا كان وهنا عاش مار مارون ومن هنا انطلقت المارونية.
جنرال عنيد وقائد من صنف الكبار تجسدت تجربة الجنرال عون فاصبح من ثوابت التوازنات اللبنانية لا تهزه حرتقات المناكفين ولا تحرشات السفارة الامريكية والسفارات فهو لم يتغير تحت التهديد بالقتل قصفا من الطائرات الاسرائيلية في حرب تموز وخاض الحروب شبه الانتحارية وخرج من قصر بعبدا بملالة فرنسية الى السفارة وضل جريئا ويتمتع بصفات القائد التاريخي ولن يغيره التهويل وحملات الاعلام الكاذبة والظالمة والفبركات.
لم يخطئ عون في تفاهم مار مخايل بل حقق الكثير من المكاسب لتياره وللمسيحيين ولعائلته، ومكن نفسه وخياره وعززه فالكتلة الاجتماعية الشيعية كالمسيحية كتلتان كيانيتان على عكس السنية، والدرزية، وبينهما سر الدفاع عن البقاء والاحتماء بالطبيعة وجبال لبنان في وجه حملات الاضطهاد التاريخية التي تعرضوا لها وكلاهما يأمنان لسورية وللأسد الذي زج بجيشه وخالف الكثير من التوقعات ودفع ١٦ الف ضحية في لبنان لتثبيت المسيحين والدفاع عن خاصيات لبنان وعيشه وامن الدولة وعودتها ووحدتها واوقف الحرب الاهلية، وبانفتاح عون والتيار على سورية والعودة بالمارونية الى بيتها السوري المشرقي اقدم عون على خطوة غير مسبوقة منذ اربعة قرون على غربة وتغريب المارونية وانفصالها عن جذورها، وهذه ايضا وترت امريكا وادارتها ودفعتها مع اسرائيل والسعودية الى شن الحرب بلا هوادة على عون وتياره واعتبار حرب عزله واسقاطه اولوية وشرط للانتصار بالحرب على حزب الله ومقاومته وعلى سورية وايران ونفوذهما بل واستقرارهما، واتم الجنرال الشجاع مسيرته بالوقوف الى جانب سورية عندما استهدفت بأخطر حرب عالمية عظمى وبينما خال الكثيرون انها ستسقط كان الجنرال مؤمنا بانها لن تسقط وستنتصر، وفي الموافف الثلاث العبقرية كسب الجنرال الجولات  واثبت صحة توجهاته ورهاناته، فكل من الرئيس الاسد والسيد حسن نصرالله من صنف القادة الكبار وبطبيعتهم وقيمهم والتزاماتهم الوفاء ورد الجميل وقد بادلا الجنرال الحب والتضامن وعطلا تشكيل حكومات وتعيينات ومشاريع على قبوله ونيله حصص يستحقها وعطلا انتخابات رئاسة الجمهورية سنتان ونصف ليصل عون الى قصر بعبدا وكرسيه الذي شغل عقله وسكنه وليحقق الحلم والامل  الذي صنع منه الجنرال العنيد والشجاع.
….يتبع

بيروت ١٤-١-٢٠٢١

شاهد أيضاً

أفرام: “اقتراح قانون مع زملاء لتأمين تغطية صحية واستشفائية فعلية ولائقة للأجراء من خلال إتاحة خيار التأمين الخاص”

كتب رئيس المجلس التنفيذي لـ”مشروع وطن الإنسان” النائب نعمة افرام على منصة “أكس”: “نظراً للآثار …