حبة الدواء مقابل سيجارة… شهادات حية لسجينات ناجيات من الجحيم!

 

 خاص – ميسا جبولي

آلاف القصص والحكايا تختبئ خلف قضبان سجون النساء في لبنان، تختزن عذاباتهن المريرة، وخبايا لا يعلم بها إلا سرائرهن وخالقهن، وشقاء السجينات لا يقتصر على عقابهن بالحبس داخل جدران السجن الموحشة ومنع الحرية عنهن، بل باستمرار العقوبة بعد خروجهن من خلال نظرة المجتمع القاسية التي تصرّ على معاملتهن كمجرمات، فيدفعن الثمن مدى الحياة، إضافة الى المعاناة من ظروف قاسية وحرمانهن من أدنى حقوق السجين التي تنص عليها شرعة حقوق الانسان العالمية.

أربعة سجون للنساء في لبنان هي سجن طرابلس، وبربر الخازن (بيروت) وبعبدا (جبل لبنان) وزحلة (البقاع)، واحوال هذه السجون معلومة لناحية تردي أوضاعها وسوء تنظيمها فتعاني ما تعانيه من اكتظاظ في بعضها، وغياب الدعم الجدي من قبل الحكومات المتعاقبة، ويقتصر الاهتمام بها على تقديمات خجولة من قبل بعض الجمعيات الإنسانية التي تقدم بعض المعونات ودورات التأهيل، ولكن كل ذلك يبقى في حدوده الدنيا.
السجون في لبنان أوضاعها لا تتوافق والمعايير الدولية مع كل ما تعانيه سجينات لبنان من ظلم وحرمان في الداخل، في وقت “يهلّل” فيه الإعلام عن حقوق المرأة والتحرش والإغتصاب، يغيب عنها مشهد ما تعانينه النساء وراء القضبان.
روايات يتم تداولها وشهادات للعديد من السجينات، شرحن القليل من آلامهن، البعض منها يصلح لفيلم درامي، فالكثيرات منهن تتكتمن خشية ملاحقتهن من بعض المتنفذين.
فإذا كانت الفوضى تدب في سجون الرجال، فكيف هي الحال عند النساء؟

سناء، التي خرجت الصيف الماضي من أحد السجون، روَت لـ “ليبانون فايلز” عن جحيم نجت منه، فعالم السجن، حيث لا يمكن الهروب من سطوة الرؤوس الكبيرة، تحكمه قوانين أقرب الى شريعة الغاب، فكل شيء مباح، الرذيلة والاستغلال الجنسي بأبشع صوره، حتى المخدرات لها مروجيها”.
وتتحدث سناء عن نقص وعن حرمانها من أدنى حاجاتها كإمرأة فـ”الفوط الصحية” تعتبر ترفاً إذا ما حصلن عليها، وغالباً ما يتم مصادرة ما يصل إليهن من غذاء من أقاربهن، أما الأدوية فهي غير متوفرة للبنانيين خارج السجن ومعظمها “مقطوع”، فكيف سيتم تأمينها للسجينات؟
كما وتروي ليلى (اسم مستعار) إحدى موقوفات سجن طرابلس لـ “ليبانون فايلز” ما عاشته في الداخل وتقول: لا يقل المشهد مأساوية عن سجن الرجال، فهنا أيضاً تدخل المرأة بتهمة سرقة، وتخرج مدمنة مخدرات، كما تترأس كل غرفة تقطن فيها أكثر من 12 سجينة “باترونة” تتحكم بلقمة عيش السجينات.

وإذا أرادت إحداهن بعض الرفاهية من خلال تدخين سيجارة، عليها أن تخدم “الباترونة” من خلال التنظيف.
“كلو “سلبطة”، إلى درجة مقايضة حبة دواء مقابل سيجارة”، تقول ليلى.
وتتابع: هذا بالإضافة الى الأمراض التي تنتقل في الداخل بين السجينات عن طريق العدوى.
وككل السجون، تشهد سجون النساء في لبنان معضلة الفصل بين الموقوفات والمحكومات، حيث تنام موقوفات لأشهر من دون محاكمات، كما لا تفصل إدارات السجون بين التهم والجرائم المدنية والجزائية، وقد تكون محكومة بجرم قتل إلى جانب متهمة برشوة مثلاً ما يؤثر تلقائياً على نفسية الموقوفات.
بدورها أكدت السيدة سوزان جبور، المديرة التنفيذية لمركز “ريتا”، المخاطر التي تواجهها النساء في السجون، معتبرة أنه غالباً ما تكون هذه المخاطر انعكاساً لقلة الوعي والسلوكيات والممارسات التمييزية السائدة في مجتمعنا، فالأخير يميز المرأة خارج السجن فكيف داخل السجن؟

ورأت جبور أن هناك من هم بحاجة إلى اعادة تأهيل صحي على المستوى النفسي، مشيرة إلى وضع الموقوفات الأجانب وما يواجهنه من مشاكل، كعدم السماح لهن من التواصل مع أسرهم الا بطريقة صعبة جداً.
وتابعت جبور، إن سجون النساء في لبنان وضعها أفضل من سجون الرجال نسبة إلى العدد الأقل، ولكن هذا لا يعني أنه لا تحصل بعض الشواذات كتعاطي المخدرات. وأبرز ما تعانينه الموقوفات ويحط من كرامتهن هو موضوع التفتيش عند الدخول وعدم احترام خصوصية المرأة ما يعتبر أمراً مهيناً جداً لها، إذ أن هناك معايير من واجبنا أن نحترمها ونطبقها في معاملتنا مع الموقوفات.
وتابعت: نحن على تعاون وشراكة دائمة مع القوى الأمنية، ونقوم بحملات تأهيل للسجينات وتدريب لعناصر القوى الأمنية عن كيفية التعامل والتعاطي مع السجينات والتقيد بالمعايير الدولية ومعايير حقوق الإنسان.

ويبقى السؤال، كيف يمكن لكل ذلك أن يحصل في مكان يتم وضع الخارج عن القانون أو المجرم وحتى المتهم لمعاقبته توازياً مع تأهليه؟ ولماذا التقاعس في ضبط ولجم هذه الظواهر داخل بعض السجون؟ ولماذا المماطلة في توقيف النساء وإصدار الأحكام؟

شاهد أيضاً

دراسة تكشف فوائد الوظائف المرهقة على الدماغ !

أولئك الذين عملوا في وظائف ذات متطلبات معرفية أعلى، شُخّص إصابة 27% منهم بضعف إدراكي …