انبلاج الكدح

 

قراءة في لوحة: السوق على ضوء الشموع للرسّام العالمي باتروس فون شيندل (1806- 1870)

بقلم الدكتورة بهيّة أحمد الطشم

تنسكب الانوار السّاطعة في فضاء العطاء المشرق ضمن حنايا أيقونة استثنائية رسمتها ريشة الرسّام البلجيكي- الهولنديالعالمي باتروس فون شيندل المُلقّب بسيّد الشموع .

 

 

تقف نجمة اللوحة وقوف سائرةٍ متعبة ابّان عملها في السُوقالمُتاخم لاحدى المدن الهولندية,على ضوء الشموع في الليل الحالك,تلك المرأة الشّابة التي تحمل سلالاً زاخرة بالخضار في ليلة ظلماء على أضواء القمر الخافت والبارز بمُوازاة الغيوم التي تزيّن أديم السّماء.

تبرز أمام المرأة ,كما في أبرز حنايا اللوحة أضواء الشموع التي تنير المشهد الفني بطريقة واضحة,حيث أجاد شيندل في تجسيدها حدّ الكمال,واستحق بذلك عن جدارة لقب أمير الرومانسية في الرسم.

لقد كان شيندل بارعاً في رسم الأسواق التي تضيئها الشموع ليلاً,وكان بذلك النجم اللامع فيه بدون منازع ليغدو سيّد الرسم في العصر الرومانسي (القرن التاسع عشر).

ولا غرو,فهو رائد فن البورتريه , حيث تفوّق في ابراز تأثير الأضواء والانعكاسات والظلال في لوحته الأنيقة المفعمة بالحيوية ,وكذلك في توزيع الأضواء ووتوجيهها على الأبنية ذات الطراز القوطي بطريقة مبتكرة.

ولعلّ التركيز على خيرات الأرض وثمارها في العديد من لوحاته- سيّما الأيقونة التي نحن بصددها-  ينبثق من علاقته الوطيدة بالأرض ,اذ اخترع آلات لاستصلاح الأراضي الزراعية في وطنه الأم (هولندا).

مع الاشارة,الى أنّ شيندل رسم أشهر لوحاته (هذه اللوحة) سنة 1869 بأسلوب رومانسي مميز,فكانت الشموع بمثابة المسوّغ الأهم لتكريس مدرسته الفنية (الرومنطقية في فن البورترية).

وبالعودة الى حنايا اللوحة,يتدلّى الميزان بكفيّه من أكتاف المرأة المكافحة والتي لاتبدو على ملامح وجهها البهيّ أي سِمة من سِمات التذمّر,ممّا يدلّل على اصرار ارادتها في عملها رغم مبلغ التعب العارم الذي يتطلبه ذلك العمل.

ولعلّنا نستذكر بهذا الصّدد المقولة الذّهبية التالية: ” العمل يُبعد عن الانسان  : السأم,الرذيلة والحاجة.” ,ويتناغم في الاطار ذاته قول رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد:”الحُب والعمل هما عِماد البشرية.”

وفي اطار استقراء أبرز حنايا لغة الجسد:تنمّ وضعيّة الرأس المرفوع ,وكذلك حركة اليدين : اليد اليسرى التي تستريح على خصر الفتاة,واليد اليمنى التي تضعها على احدى كفّتي الميزان عن ثقة بالغة بالذات خلال لحظات الانهمام أوالانكباب على العمل.

وتلفتنا الاضاءة الباهرة في حيثيات وتفاصيل الأيقونة بالرغم من قيمة الأنوار المتواضعة في الشموع,وهذا ما ينعكس جلياً في القدرة الفائقة للرسّام على ايضاح حنايا السّوق بجمّ تفاصيله.

وفي سِياق استقراء تحليلي لفلسفة الألوان فهي تعكس سيادة الألوان الدافئة في أرجاء الأيقونة الرومنسية, ولا غرابة في ذلك فقد مزج باتروس شيندل بين الاحساس واللون من خلال ريشته الماسيّة وانغمس في لُجج الألق.

وهكذا تجلّى الابداع جلياً في السرّ الكامن لديناميكا الصورة الخلّأقة ,وكأنها تنطق بالتفاصيل البهية لستاتيكا اللحظات الاستثنائية من ارهاصة زمنية لن تتكرر.

شاهد أيضاً

علامة عرض اوضاع لبنان والمنطقة مع سفير هنغاريا

استقبل رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النائب الدكتور فادي فخري علامة سفير هنغاريا في لبنان …