مقتطفات من روايتي

 

لبنان في العصر الزومبي

د.محمد الحسيني

كانت الرؤيا شبه سيئة بسبب الرياح الخمسانية الحارة . وصلت بسيارتي الى اول القرية ،ركنتها قرب ما يُشبه المقهى وترجّلت منها . لم أُصادف شخصًا واحدا على الطريق أو داخل المقهى ! ألقيت بجسدي المتعب خلف طاولة خشبية وناديت النادل فلم يجبني أحد ! التفتّ بإستغراب من حولي . الصمت يخيّم في ارجاء المكان ما خلا صرير الباب الرئيسي الذي حرّكته الريح الحارة من وقتٍ لآخر .
المكان مقفر لا بل القرية كلها غير مأهولة ! اسرعت بالخروج لعلّي ألتقي بأحد المارة او بكائن حيّ !
عبثًا ، كأني خارج التاريخ والجغرافيا ! ، الساعة قد قاربت الرابعة عصرًا ،تناهى الى سمعي صوت من ناحية المدافن ! يردد مع الصدى البعيد: وردٌ أسوَد للموتى ! إنتابتني قشعريرة باردة، رغم ارتفاع حرارة الشمس ، سَرَت بين كتفَي وتجمّدت في حلقي حين شاهدت عجوزا شمطاء ممسكةً بباقة ورد اسوَد ! دنت مني رافعةً الباقة بوجهي ، مرددةً هذه الجملة البغيضة :وردٌ أسود للموتى ! سألتها بأعلى صوتي : أين هم الموتى ؟
لم أكد أنهي سؤالي حتى تراءت لي مخلوقات مرعبة ترتدي اثمالا بالية وتسير نحوي ببطء مترنحة ذات اليمين وذات اليسار ! التفتُّ الى الساحرة العجوز فلم اجدها ! هرولت نحو سيارتي وأخرجت من صندوقها سلاحا حربيا للدفاع عن نفسي . كان الجمع يتقدم نحوي وقد حمل البعض الهراوات والعصي والفؤوس .
عندما اقتربوا مني لعدة أمتارٍ ، أحسست بالشرّ يتطاير من نظراتهم . لقّمت سلاحي وصوّبت على أحدهم عندما دنا مني رافعًا هراوته ليهوي بها على رأسي! عاجلته بطلقتين بين عينيه . سقط ارضا وما لبث ان اتكأ على هراوته وانتصب كالثمثال ! افرغت مخزن الرصاص كاملا في رأسه الذي تتطاير عن جسده فسقط دون حراك . لم يتراجع الآخرون بل تقدموا وامسكوا بي ..

• لم أكد انجو من هراوة ذلك المسخ بقتله حتى امسك بي قومه بعد ان فرغ سلاحي من الرصاص واحاطوا بي من كل جانب .
إنهم كالاموات، يمشون ببطء ، سقطت بعض جلودهم عن وجوههم ! يسيل اللعاب من افواههم دون انقطاع ، رائحتهم كالجيف !أظافرهم طويلة وقذرة ، عظامهم قد برزت عند المفاصل من شدة الضعف …
أيقنت الهلاك، كانوا يسيرون بي الى المقبرة. عندما وصلنا، انتبهت الى القبور كانت مفتوحة لكأنهم خرجوا منها ! وإذ بصوت إمرأة تناديني : لقد قتلت زوجي ..
التفتُّ، فوجدتها متربعةً على سطح سيارتي ممسكة بهراوة ضخمة ، كانت أنيقة على خلاف الآخرين ! ترتدي لباسًا اسودًا كالسحرة ،عيناها سوداوتان كالليل تخفيان الفَ سرٍّ وسرّ . كنت صامتًا ،انتظر نهايتي في هذه الارض الموحشة ، بعيدا عن الاهل والاصحاب والأحبة . لم اتوقّع أن تنتهي حياتي على هذا المنوال !
اغمضت عيناي وخرجت من عالم الحس لأغوص بعالم اللاوعي .. كنت اسبر أغوارا سحيقة في ظلمات الوهم مفتشا عن بصيص ضوء خلف غمرات الخوف . وجّهت خواطري نحو تلك المرأة فوجدتها طفلة معذّبة، جعلت منها الحياة إمرأة قاسية الملامح، تبدو بلا رحمة . قرأت أفكارها كانت ذات طموح عالٍ علو الجبال المغطاة بالثلج الابيض. قوية ذات بأس شديد ورثته من الطبيعة الام . تراءت لي تسير بين كتل من الصخور الهائلة الحجم وتتلافى سقوط الحجارة عليها من الاعلى .
ارسلت لها طاقةً إيجابيةً هائلةً من خواطري فاستقبلتها دون رفض. عندما أمِنت شرّها ،فتحت عيناي لأرى مشهدًا عظيمًا .

شاهد أيضاً

الشجر الغريب والعجيب…. الخيزران ..!

الشجر الغريب والعجيب…. الخيزران ..! تسقيها بالماء، وتنتظر سنة كاملة ولا ترى نتيجة !! تظل …