“صوتٌ يخرج من الداخل”

 

 

كنت قد قرأت العنوان قبل حوالي سنة تقريباً.. تعرفت على صاحبه وقرأت له بضع يوميات عبر صفحته الافتراضية قبل أن تجد أديباً لبيباً يلملم شتات أديبنا أحمد علي بادي..

أما اليوم، ودون أن يتأهب أحدنا وجدتني على موعد الالتقاء به دون تحديد الزمن والمكان .. بعث لي رقمه قبل سبعة شهور، حيث ظلت صداقتنا الافتراضية تتطور شيئاً فشيئاً،، يقرأ لي، ونتبادل الآراء في كتابة بعض الأقاصيص الواقعية..

شمس الظهيرة في مدينة الحديدة لا تختلف خيوطها عن أي فصلٍ آتٍ ، لا تحجبها سحب بيضاوية، فالأرض تهامية ساحلية، هناك رطوبة، كنت أتخطى ظلي، وظلي يتخطى سويعات الأمس للزمن المتقدم عن عُمر الحرب وعن أحلامنا بعشرات الأعوام
استمتعت بخمس خطوات بطيئة وشعرتُ بهبوب رياح الأماكن المعزولة عن شعاع الشمس، اتصلت به وللمرة الأولى لم يرد سماع اعتذاري عن عدم مجيئي المُسبق تلقيه مني عدة أعذار واهية؛
– مرحبا صديقي أحمد
– أهلا سهيل
– أنا في السوق وقادمٌ إليك بعد ساعة
– أهلا وسهلا بك ضيفا وصديقا.

لم أسأله عن مجموعته القصصية التي تحمل عنوان هذه الصدفة ، حروف هاته المذكرة ستذكرني عن هذه الفرصة التي انتهزتها رغم فراغ انشغالاتي، فن تكوين الصداقة، المعرفة القديمة سيكون؛ اليوم هو أول يوم لي، لأتذكر أن لها بداية جاءت صدفة لتوثيقها، أو بالأحرى بداية الإنصات لصوتٍ يخرج من الداخل.

لقد قرأت عدداً منها بعد أن غربت الشمس وفارقت دار صاحبها..
وجدت في المجموعة القصصية صوت واقع يمني لم يجرؤون على قراءته، أو إنصات كل شخص إلى ذلك الصوت المنبعث من الداخل..
جميعنا نعيش في متاهة الوقائع، الواقع وما يجري على الأرض ، الحرب ونتائج الانتصارات، ركود الثقافة، وزيادة البطالة!!

يا صديقي لقد كنت أصغِ إليك بكلتا عيناي، لكنك استمعت إلى صديقك أكثر منه..
– هل رأيت بؤس اليمن على وجهه؟

بالطبع لقد كنت أسمع منك رثاءً، تضامنت معك قطع بيوتهفن_موسيقي، كنت تتكلم عن بلادي اليمن، في حين سمعت صرخة عروس البحر الأحمر، تشكلت كقذيفة ظلت طريقها إلى منزلك الكائن هناك، ضجت في أرجاء مجلسك الذي تبادلنا فيه كلمات العزاء دون أن تلامس يدٌ من أيدينا لتربت على كتف موظف وطالب يمني يلهث بحثاً عن سلام غادر الوطن وسقط في ربيعٍ لم يكسو الأشجار ولم تنمو فيه إلا وريقاتٍ سياسية، بيضاوية اللون، خطت فيه نكبة البلاد بدم المواطن المسكين، حينها اشترك مع رثائك لي عن ما حل باليمن إيقاع سمفونية مدينتي المنكوبة، فرأيت ابتسامة قاطني مديرية باجل وابتسامات سكان مدينة الحديدة ،
– إنهم فرحون بفتح خط كيلو16.. يستبشرون بالعودة إلى مساكنهم.

حقاً يا صديقي لقد رأيت ابتسامة طفلك الصغير الذي لم يبلغ الشهر بعد العام، رأيته يهنئك بالسفر إلى صنعاء عبر ذلك الخط الذي كانت تعبث بأحيائه مخلفات الحرب العالمية الثانية.

وأخيراً وليس إلى آخره؛ أشكر استضافتك لي وهديتك التي لا تضاهي أي هدية.. سأضيفك في قائمة الأشخاص الذين أحسنوا الضيافة والصداقة، هم أولئك الذين استقبلت منهم شكوى غياب القارئ في زمن الحرب وتنوع الثقافة، لقد استخدمت معهم فن القراءة عوضاً عن ذلك الشاب اليمني الذي يكثر ذهابه وإيابه إلى سوق القات بدلاً من اقتناء الكتب وزيارة مدينة الكتاب اليمنية ..

آسف يا صديقي لأنك سحبت كمية مجموعتك القصصية من مكتبة (26 سبتمبر) بيد أن الشباب المدني لا يحبون قراءة القصص أو بالأحرى يعيشون التيه بسبب الحرب العالمية يمنياً.

2021/11/13م
الكاتب اليماني سهيل عثمان سهيل/الحديدة

حقوق النشر محفوظة-مجلة كواليس

شاهد أيضاً

بدايات للخير والتنمية في ميادين العمل الخيري

حاسبيني: “نأمل الوصول الى دعم أكبر شريحة ممكنة من الفئات المستهدفة في ظل هذه الظروف …