“لا يحتاجُ إلى بِرْكَة دم”

سهيل عثمان سهيل – اليمن

لم تدرس مثل أقرانها البالغون من العمر مئة وثمانون شهراً ، وحين سألتها عصر الإثنين الماضي عن ما إذا كانت والدتها متعلمة.؟ تغيرت ملامح وجهها الشاحب وتزينت بوشاح ما يرادف مصطلح مرضها_الثلاسيميا.
العجز يمنعها من الذهاب إلى المدرسة مع بنات قريتها، يذهبنَّ وهي عاجزةٌ عن المشي ولو خمسة كيلومترات.

عائشة تريد أن تتعلم لكن المرض داهمها وهي لم تتنفس الصعداء بعد .!
لقد تجاوزت اثنى عشرة ربيعاً، تبلغ الآن ١٨٠شهراً_١٥سنة.
تتمنى الوصول ولو إلى أقل مستوى من تدني مستويات التعليم هنا؛ “القراءة والكتابة” فقط .!

كنت سأحرصُ على أن يُعلمها والدها يحيى صهيف
لكن يبدو لي من ملامحها أنهُ مِثلَها وهي نسخةٌ من أُمّها..
لو لم يُصابا بجائحة الأُمّية منذ الصغر إلى الكِبر لرأيتُم ابتسامتها توحيَّ بأنها لا تحتاج إلى التعليم فهي سجينة منزلهما الكائن بجبل دحيم ، لا تحتاج إلا إلى قربة دم كل أسبوع، وحالها كحال أخيها محمد البالغ من العمر سبع عجاف..

– كيف ستتعلم ووالديها لا يستطيعان قراءة حرف واحد مما أكتبه الآن ؟

في عشية هذه الليل والذي احتفت فيه “كعيدنة_حجور سهيل” قبل قليل بمناسبة (مولد المصطفى صلى عليه وسلم)
بينما كانت أضواء الألعاب النارية تعلو في سماء المديرية كان ولم يزل لها صدى ألوانٍ لا تعرِفُ لها أسماءٍ ! وأصوات انفجار غضبٍ ولهفة أمنيتها لتتعلم؛ جعلتني أرى وأحظى بمجيء والدها
ربما جاء إليَّ هارباً من شرارة ثورتها مثقلٌ بغيمة حزنٍ وأسى، فقد اشتكى انزعاجه وإخوانها من اشتعال نار غضبها لحاجتها إلى “وسائل التعليم” وقد غادر منزله بسبب انقطاع شهية فلذة كبده وكلاهما لم يتناولا وجبة هذا المساء الكئيب بالنسبة لي…

 

طلب مني بعد أن أكل بقايا عشائي مهاتفة طفلته وسرني ذلك:

– مرحباً عائشة كيف حالك؟

– الحمدلله بخير

– قال لي أبوك أنكِ لم تتناولِ العشاء، وقد اشتريت لكِ دفتراً وقلماً، لذا يجب عليكِ تناول عشائكِ من أجل أن تتعلمين كتابة ونطق الحروف الهجائية.

– تمام تمام، ربي يحفظك ويستر عليك ويرضى على والديك.

حين رأيت والدها يبتسم حدثني عن تحسن حالها وحال أخيها محمد وعن عدم “احتياجهُ لهما إلى بركة دم” كما زعمَ.

نعم هو يحتاجُ بل ويشحذُ قربتا دمٍ في كل أحدٍ من أيام الأسبوع إلا هذه الليلة: فصيلتا(+A و +O)

 

 

 

لكن منذ سلطنا الضوء على تدهور حالته المادية في الأسبوعان الماضيان، تحسن حالُهُ بفضل للهِ وبفضلِ فاعلي الخيرُ سراً،
إذ حددت له قائمة الأطعمة التي تُحافظ إن لم تزد من نسبة الدم في جسمي عائشة ومحمد.. وقد اكتسب خبره وتقنية مخبرية ستجعله يكتشف في كل أسبوع احتياجهم للدم أو اكتفائهم بدمي من تبرع لهما في الأسبوع الماضي من الأسبوع الآتي..
و لأنهم لا يستطيعان مقاومة حرارة الشمس وبُعد المسافات بين المنزل والمدرسة وتميزهما وتنمر الكثير ضد براءة شخصيهما من أشبال المجتمع بيد أن فقر الدم الوراثي_الثلاسيميا جعلتهم ينفردون بخصوصية ميزةٌ نفتقر إليها، إنها “العزلة” غرفة منزلٍ من أربعة جدرانٍ ، سجناء هناك بعيداً بعيداً عن هذا العالم الخارجي، الذي آملَ مِن أنْ لا يبدو للقارئ أن التعليم جلعه عالماً قاسٍ إذ جعل الطب تجارة والإنسانية مصطلح والثورات دمارٍ شاملٍ وراية المساكين تدوس عليها الأقدام”

أخيراً لقد آمن الآن أنه “لا يحتاج إلى بركة دم” بل يحتاج إلى تعليمهما، لكن عوز الاحتياج في هذه القطعة من الأرض اليمانية للوسائل التعليمية خصوصاً لـ #ذوي_الإعاقة سيجعلني أضطرُ لتأجيل موعد انتصار ثورة #عائشة_بنت_كعيدنة
فلترتقبوا رفع راية “معلم البشرية” الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم..

 

 

ونظراً لمدة السفر حتى الثاني عشر من ربيع الأول سنتأخر قليلاً لتوفير بضع كتيبات من مكتبة صلاح الدين_ #الحديدة وهذه الوسيلة تدخل ضمن سلسلة الوسائل التعليمية ليس للعودة إلى #اليوم_العالمي_لمحو_الأمية بل لمجيء ذكرى ميلاد معلم الناس، الخير، النذير، السراج المنير الهادي إلى الصراط المستقيم. صلوا على من أوصانا باتباع سنته والجهاد في سبيله ..﷽..
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

تحياتي لكم ولدكم البار سهيل عثمان سهيل
2021/10/17م تشرين الأول ١٤٤٣/٢/١٠هـ ربيع أول

شاهد أيضاً

هل تنجح تركيا بإنقاذ نتنياهو حيث فشل الاخرون؟

ميخائيل عوض هزمت غزة في صناديق الانتخابات البلدية التركية حزب العدالة والتنمية هزيمة مذلة. ادت …