خولة الطفيلي، الفنانة التشكيلية التائهة بين التقليد ،والتجديد.

 

بقلم حسن مظلوم .

في الطفولة كانت تبحث عن ريشة ترسم بها،فوجدتها مرمية في زقاق قرب بيتها في بعلبك،أما الألوان،فكانت من زيت مخيلتها،وحبر المعاناة والفقر،وعدم الرعاية والانتباه لطفلة لم يعلم أهلها في البداية بأنها قد تصبح ذات شأن في عالم الفن والرسم،وربما لم تكن أحوال الأسرة المادية والحياتية من أولوياتها المعيشية شراء كل ما تحتاج خولة من ادوات ترسم بواسطتها بساط الريح الذي يحملها إلى عوالم مجهولة في فضاءات الإبداع الفني.
فالتعنيف الإجتماعي حرمها مؤقتا من كل فرصة لتحقيق ما تحلم به،فواجهته بتمرد الطفلة العفوي،وبالهروب إلى بساتين الألوان والريشة في بيئة أقصى أحلام أهلها لقمة العيش ،وتدبير أمور الأسرة بما تيسر…وهنا تبدأ المعاناة، ويستمر الصراع بين واقعها المأساوي،وحلمهاالجميل الذي لن يتحقق إلا بالعناد والإصرار .
في الرابعة عشرة من عمرها فطن الوالد لموهبة طفلته بعد نصيحة أحد الأصدقاء، فأهداها ريشتها الجديدة وبعض زجاجات الحبر والألوان،لتكون فرحة العيد بالنسبة اليها،وتكون أول خطوة جدية نحو ساحات الفن التشكيلي.
خولة الطفيلي أكثر من صعلوك، وأكبر من متمرد ، هي التي لا مال لها ولا سند،سحرتها طبيعة مدينتها بعلبك ،وتأثرت بتاريخها ،وحضاراتها المتنوعة لا سيما قلعتها الرومانية وهياكلها ومعابدها ونواويسها،وكذلك شخصياتها العريقة ،ورموزها البسيطة،لتعيد خلقها مانحةإياها روح الحداثة بكل أبعادها.
خولة الطفيلي تأثرت منذ بداياتها الفنية بالمدرسة التجريبية،وتحديدا بالفنان الهولندي (فانغوغ)،فهي ابنته فنيا بتلطيخاته اللونية،فتأخد من معاناته انعكاس التجربة والألم حتى حدود التقمص ،و ربما الكلي…
إنها التائهة بين التجريد،والتجريب،والانطباعية، والبورتريه، وكأنها لا تريد الوقوف في مكان محدد، فالثابت يعني لها الموت، أما الحركة الدائمة بين مدارس الفن وألوانها تعني لها الحياة،والحرية التي تطير بها نحو الإبداع،لذلك لم نجدها تركن حتى الآن إلى مدرسة محددة تسكن إليها.
خولة الطفيلي اليسارية المتدينة التي أنسنت لوحات البورتريه التي رسمتها ،فمنحتها أبعادا عالمية وإنسانية ،فأبدعت بالأكواريل صور البؤساء والفقراء، والطبيعة والرعيان،والثوار العظماء ،من أمثال:
تشي غيفارا، كاسترو، غاندي، عمر المختار ، موسى الصدر ،جمال عبد الناصر، كمال جنبلاط، تشارلي شابلن، مارسيل خليفة،نصري شمس الدين، فيروز وعاصي وزياد الرحباني.وغيرهم…
إنها الناقمة ككل اللبنانيين على الطبقة السياسية الحاكمة التي تحملها كل المسؤولية في نهب البلد وسرقته،وإفقار أهله وأسرته،والتي أوصلته إلى أسوأ أحواله،فهم لصوص الهيكل الذين سرقوا أحلام الناس وأحلامها معهم.
وهي تعتبر بحق من رواد البورتريه في لبنان، وربما من الأوائل اليوم في العالم العربي حيث تحمل في جعبتها أكثر من مئتي لوحة بورتريه بالأكواريل بتنوع واسع.
متعلقة بأرضها ووطنها حتى الموت، وهذا ما تعكسه لوحاتها وأعمالها الفنية،ومقابلاتها الإعلامية. ترفض الهجرة من لبنان بالرغم من ضيق الحال والانهيارات التي تعصف به، فالفنان غريب في وطن المافيات السياسية والطائفية والمذهبية المحسوبيات.كل ذلك يمنعها من أخذ موقعها الأكاديمي والطبيعي كمحاضرة في الجامعة اللبنانية التي تحبها وتنتمي اليها،وبعدما حازت على دكتوراه منها تحت عنوان “تأثير مدرسة باريس الثانية على الفن التجريدي في لبنان”بدرجة جيد جدا مع إذن بطبع الدراسة كتابا.
إنها مثل كثير من المبدعين الذين هجرهم وطنهم ولم يعتبوا عليه ،فتركوه مرغمين ،وحققوا إنجازات علمية عالمية ثم عادوا إلى لبنان شهداء،وليست تجربة حسن كامل الصباح،ورمال حسن رمال إلا نموذجا لن ينساه اللبنانيون .
خولة فنانة تشكيلية تبهرنا بخطوطها وألوانها من الاكليريك بالأكواريل إلى الزيت…من محترف بسيط عبارة عن كونتينير حديدي ضيق في الحدث قرب بيروت،وسطيحة صغيرة في منزل الأهل في بعلبك،ومع ذلك تفرحنا بلوحاتها الرائعة بينما تهمل وزارة الثقافة كل المبدعين في لبنان .
خولة الطفيلي التائهة فنيا تعيش في غربة عن مدرسة ولون خاصين بها،وما زالت تبحث عن ذاتها بعدما شربت من كل الينابيع متميزة بأسلوبها الخاص، وبفرادة مؤثرة ، وآن الأوان كي “تحفر بئرها الخاص”على حد تعبيرها بعد مسيرة فنية طويلة ،فمتى ينجب هذا المخاض الجميل خلقا إبداعيا جديدًا ؟ لعل الآتي من السنين سوف يجيبنا على ذلك.

شاهد أيضاً

مؤمن الرفاعي بحث مع معاون الامين العام ل “حزب الله” الاوضاع في لبنان والمنطقة

التقى المستشار في العلاقات الدبلوماسية الشيخ مؤمن مروان الرفاعي، معاون الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ …