معادلة الألم

مُعاذ صالحة


أعظم الحروب التي من شأنها أن تجعل الإنسان عظيماً هي حربه مع ذاته، حرب لتقبل نفسه بالعيوب والأخطاء التي يحملها، لإدراك القرارت الخاطئة التي دفعته إلى الهاوية، للتغيير من نفسه، للتضحية بالكثير مما يحبه من أجل أولويات قصوى، وربما أهم من كُل ما سبق حرب لمواجهة ألمه.
الإنسان لا يستطيع الهروب من إنطفاءاته الداخلية ومن صداع قلبه، أرقه الليلي وتقلبات الألم في ساحة فؤاده، فالألم ليس وجهة يختار الإنسان أن يبتعد عنها، ليس درباً يختار أن يسلك غيره، وليس مكاناً يختار ألا يقصده، لكنه يعيش بداخله أينما يرحل يشد الرحال معه، وأينما يقف يقف كظله، وأينما يجلس يشاركه الجلوس، وأينما ينام يتقاسم معه الوسادة، وربما أكثر ما يزيد من تفاقمه هو الهروب منه وأفكار المرء بحد ذاتها التي يُخلق منها الكثير والكثير من الأوهام التي تجعل الأنياب تنمو في فاه الألم فينهش بجوارح الإنسان جميعها، وهذا لأن للأفكار قدرة عظيمة على تعديل الصحة النفسية للإنسان بشكلاً عجيب، فلا عجب بامرء نجا بفعل فكرة، وآخر غرق بفعل أخرى. ومما من شأنه أن يزيد من كثافة الألم هي ثقة الإنسان المتأرجحة بذاته، فيعمل على بناء حواجز وعوائق تجعل السبيل إلى الخروج من المتاهة معقد وصعب، وشخصية الإنسان لها دور لا بأس به في مد يد العون لتخرج الذات الإنسانية من عقدة الألم ، أو إسقاطه في الهاوية لتدفن في جوفها. يبقى السبيل للخروج من النفق المظلم هو مواجهة هذه الحرب والحديث عن آثارها لأقرباء قلوبنا، نتقبلها وندرك أن الإنسان لا بد من أن يُهمش، يُدمر، يسحق، يُدفن، يتناثر، يتلاشى وينطفئ حتى يخرج إلى هذا العالم بكيان أقوى، بندوب حرب تجعل من هزيمته حُلماً بعيدًا، بلقب محارب، بأثر معارك على وجهه تدل على رغبته في النجاة، والتفكير على أنه حجر أساس للقوة، للاستمرار، للنجاة، للانتصار ، على أن ما قبل الضياء هناك انطفاء، وما قبل القوة ضعف، وما قبل الأمل ألم…

شاهد أيضاً

بعض من خواطر في أولى ايام النزوح

فايز ابو عباس وأنا على مشارف التسعين من العمر وشريكة الحياة ننتظر أيامنا. الأخيرة بكل. …