مختصر قصة الكون من الانفجار العظيم إلى الانسحاق الشديد في 11 مرحلة

وجدت نظرية الانفجار العظيم -رغم وجود نماذج أخرى منافسة- قبولا واسعا لقدرتها التي لا مثيل لها على تفسير أمور كونية عالقة حيّرت العلماء.

يقول علماء إنه منذ حوالي 13.7 مليار سنة تشكّل الكون. وما زلنا لا نعرف بالضبط الظروف التي حدث في ظلها، وما إذا كان هناك وقت قبل ذلك.

بيد أن نظرية الانفجار العظيم تمثل أفضل محاولات علماء الكونيات لإعادة بناء قصة عمرها يقرب من 14 مليار سنة من عمر الكون، وذلك بناء على الجزء المرئي من الوجود اليوم.

يشير الانفجار العظيم إلى ولادة الكون المرئي نفسه، وبدء الأحداث التي لا تزال مستمرة إلى اليوم، وهذا لا يعني أن علماء الكونيات لم يختلفوا لعقود وما زالوا مختلفين حتى الآن حول تفاصيل الجزء من الثانية الأولى من عمر الكون.

من أين أتى مصطلح الانفجار العظيم؟

في البداية ولمدة طويلة من عمر البشر، افترض علماء الفلك أن السماء وما يوجد فيها هو أمر ثابت لا يتغير، إلا أنه في عشرينيات القرن الماضي أظهرت ملاحظات الفلكي الأميركي إدوين هابل أن المجرات ليست ثابتة في الكون، بل كلها تتحرك وتبتعد عنا، وقد ساهمت فكرة تمدد الكون هذه كثيرا في ولادة نظرية الانفجار الكبير.

بدوره فسر الفيزيائي البلجيكي جورج لومتر البيانات الواردة من منظار (تلسكوب) هابل كدليل على توسّع الكون، وذلك في عام 1927، واستنتج أنه بالرجوع إلى الوراء فإن المجرات المنفصلة اليوم لابد أن تكون قد بدأت معا فيما أسماه “الذرة الأولية”، وحتى ذلك الحين لم يكن مصطلح الانفجار العظيم قد صك بعد.

صاغ عالم الفلك الإنجليزي فريد هويل مصطلح الانفجار العظيم لأول مرة يوم 28 مارس/آذار 1949 أثناء دفاعه عن نظرية الكون الأبدي الذي لا يتغير وانتقاده نظرية لومتر الخاصة بتمدد الكون.

إذ قال هويل إن الفكرة القائلة بأن “كل مادة في الكون نشأت من انفجار كبير واحد في وقت معين في الماضي البعيد هي فكرة غير منطقية”، وعلى الرغم من رفض هويل للفكرة فإن المصطلح الذي أطلقه ظل عالقا.

لاحقا، وجدت نظرية الانفجار العظيم -رغم وجود نماذج أخرى منافسة- قبولا واسعا لقدرتها التي لا مثيل لها على تفسير أمور كونية عالقة حيّرت العلماء، خصوصا قدرتها على تفسير ما يُعرف بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي “سي إم بي” (CMB)، الذي تم اكتشافه لأول مرة في عام 1965، والذي يعتبره العديد من الباحثين أقوى دليل على الانفجار العظيم.

جدول زمني للزمن

يقول آدم مان الصحفي المتخصص في علم الفلك والفيزياء في مقاله على لايف ساينس (Live Science)، إنه باستخدام ملاحظات المنظار ونماذج فيزياء الجسيمات، تمكّن الباحثون من تجميع جدول زمني تقريبي للأحداث الرئيسية في حياة الكون، نعرضه فيما يلي:

1- لحظة من الزمن

يقول شين كارول، عالم الفيزياء النظرية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (California Institute of Technology)، لموقع لايف ساينس إن كل شيء بدأ عند الانفجار العظيم، وهو “لحظة من الزمن وليس نقطة في الفضاء”. على وجه التحديد إنها اللحظة التي بدأ فيها الوقت نفسه، اللحظة التي تم حساب جميع اللحظات اللاحقة منها.

وطبقا لنظرية الانفجار العظيم، نشأ الكون من حالة عظيمة الصغر وعظيمة الكثافة وعظيمة الحرارة، تسمى حالة انفرادية. ومنذ ذلك الحين يتمدد الكون منتفخا حاملا معه المجرات مثلما ينفش العجين الذي يحتوي على الزبيب.

لم يكن الانفجار العظيم انفجارا حقيقيا، بل كان يعني بدء الفضاء في التوسع للخارج في جميع الاتجاهات في وقت واحد.

يقول آدم مان إنه على الرغم من أن نموذج الانفجار العظيم ينص على أن الكون كان نقطة صغيرة لا متناهية من الكثافة اللانهائية، فهذه مجرد طريقة للقول إننا لا نعرف تماما ما كان يحدث في ذلك الوقت. اللانهائيات الرياضية لا معنى لها في معادلات الفيزياء، لذا فإن الانفجار العظيم هو حقا النقطة التي ينهار عندها فهمنا الحالي للكون.

2- عصر التضخم الكوني

بعد لحظة الانفجار العظيم، نما الكون بشكل كبير وبسرعة كبيرة جدا. وذلك في أول 0.0000000000000000000000000000001، هذه علامة عشرية تحتوي على 30 صفرا قبل الثانية الأولى.

بعد الانفجار العظيم، كان من الممكن أن يتوسع الكون بشكل كبير، مما يؤدي إلى فصل وتمزق أجزائه التي كانت على اتصال وثيق سابقا، لكن هذا لم يحدث. وتعرف هذه الحقبة افتراضيا باسم التضخم، التي يحبذها علماء الكونيات لأنها تفسر سبب تشابه المناطق النائية في الفضاء مع بعضها بعضا، على الرغم من أنه تفصل بينها مسافات شاسعة.

3- العصر المبكر

بعد بضع ملي ثانية من بداية الزمن، كان الكون المبكر حارا جدا، بلغت حراراته ما بين 4 و6 تريليونات درجة مئوية. إلا أنه مع توسع الكون، بدأ يبرد وسرعان ما أصبحت الظروف معتدلة بما يكفي لتتحد الكواركات (Quarks) معا في بروتونات ونيوترونات.

4- ذرات الكون الأولى

في الدقائق الثلاث الأولى من حياة الكون، اندمجت البروتونات والنيوترونات معا مكونة نظيرا للهيدروجين يسمى الديوتيريوم، بالإضافة إلى الهيليوم وكمية صغيرة من الليثيوم. ولكن بمجرد انخفاض درجة الحرارة، توقفت هذه العملية.

وأخيرا، وبعد 380 ألف سنة من الانفجار العظيم، كانت الأشياء باردة بدرجة كافية بحيث يمكن للهيدروجين والهيليوم أن يتّحدا مع الإلكترونات الحرة، مما يخلق الذرات المحايدة الأولى.

كما أصبح بإمكان الفوتونات، التي كانت تصطدم بالإلكترونات سابقا، أن تتحرك الآن دون تدخل، مما خلق الخلفية الكونية الميكروية “سي إن بي” (CMB)، بقايا هذا العصر التي تم اكتشافها لأول مرة في عام 1965.

5- العصور المظلمة

لفترة طويلة جدا من عمر الكون، حوالي 100 مليون سنة، لم ينبعث أي ضوء، لذا أطلق عليها “العصور الكونية المظلمة”. ولا تزال دراسة هذه الحقبة صعبة للغاية لأن معرفة الفلكيين بالكون تأتي بالكامل تقريبا من ضوء النجوم. ومن دون أي نجوم، من الصعب معرفة ما حدث.

6- النجوم الأولى

بعد حوالي 180 مليون سنة من الانفجار العظيم، بدأ الهيدروجين والهيليوم فى توليد درجات حرارة جهنمية أضاءت النجوم الأولى. فدخل الكون بذلك مرحلة “الفجر الكوني”، أو إعادة التأين، التي انتهت تقريبا -وفقا للعلماء- بعد حوالي 500 مليون سنة بعد الانفجار العظيم.

7- هيكل الكون الواسع

في هذه المرحلة، بدأت المجرات الصغيرة المبكرة في الاندماج معا في مجرات أكبر، وبعد حوالي مليار سنة من الانفجار العظيم، تشكلت الثقوب السوداء الهائلة في مراكزها.

8- منتصف عمر الكون

استمر الكون في التطور خلال عدة مليارات من السنين التالية. وتكونت ببطء المجموعات المجرية والخيوط الطويلة من الغاز والغبار، منتجة شبكة كونية خيطية جميلة يمكن رؤيتها اليوم.

9- ولادة النظام الشمسي

منذ حوالي 4.5 مليارات سنة، تشكّل نظام نجمي مألوف هو نظامنا الشمسي. وتمكن الكوكب الثالث “الأرض” في هذا النظام من الاحتفاظ ببعض الماء بعد هذه العملية، أو أن المذنبات أطلقت نحوه فيما بعد طوفانا من الجليد والماء.

10- الإنسان والأرض

في هذا العالم المائي الثالث، ومنذ ما بين 3.8 و3.5 مليارات سنة، ظهرت ميكروبات صغيرة وبسيطة إلى الوجود. ومن ثم ظهرت وحوش وديناصورات عملاقة في البحر والبر.

في النهاية، ومنذ حوالي 200 ألف عام، عمر الإنسان الأرض وبدأ يعجب بالكون الغامض من حوله محاولا اكتشاف كيف ظهر كل شيء.

بالطبع، لا يزال الفيزيائيون لا يعرفون تماما ما يخبئه الكون. يعتمد ذلك على تفاصيل الطاقة المظلمة، وهي قوة لا تزال غامضة ولم يتم قياس خصائصها بشكل جيد.

11- نهاية الكون

في المستقبل، سيستمر الكون في التوسع لمدة كافية حتى ينفد وقود جميع النجوم في جميع المجرات، وحتى الثقوب السوداء سوف تتبخر إلى لا شيء، تاركة وراءها كونا ميتا تتخلله طاقة خاملة.

أو ستتغلب الجاذبية في النهاية على القوة التوسعية للطاقة المظلمة، وتجذب كل المادة معا مرة أخرى في نوع من الانفجار العظيم العكسي المعروف باسم “الانسحاق الشديد” (the Big Crunch).

أو أن الطاقة المظلمة المسؤولة عن تسريع كل شيء ليبتعد عن أي شيء آخر، ستؤدي إلى ما يعرف باسم التمزق الكبير، حيث يمزق الكون نفسه حرفيا.

شاهد أيضاً

محافظة إب السياحية في ظل قيادة اللواء صلاح..!!!

بقلم/حميد الطاهري تعد محافظة إب السياحية القلب النابض لليمن  الكبير فهي روضة الله في ارضه، …