أدباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

ميراي عبد الله شحاده مواليد كوسبا الكورة، لبنان. متأهلة من المهندس سامي الحداد. لهما أربعة أولاد: شادي وتينا وجنى ورامي.
تلقّت علومها الابتدائيّة والتّكميليّة والثّانويّة في مدرسة راهبات المحبة دار النور- طرابلس.
حائزة على ماجستير في هندسة الميكانيك من الجامعة اللّبنانيّة، وتتابع حاليًّا دراساتها العليا في الفلسفة العامّة.
تعمل في دراسة وتنفيذ مشاريع تكريرالنّفط وتوليد الطّاقة مع شركات مختصّة عالميّة.
عضو في نقابة المهندسين، طرابلس – لبنان وفي نقابة المهندسين دبي – الإمارات.
مسؤولة قسم تسعير العروض في شركة لحود للهندسة بيروت.
أصدرت عام ٢٠١٧ ديوانها الأوّل “يوم قرّرت أن أطير”، الذي كتبت فيه العديد من المقالات الأدبيّة والنّقديّة، وخُصصّت له ندوة في الأونيسكو في 27 أيار 2017. وأصدرت ديوانها الثاني “بوهيميّة” في الفصل الأوّل من 2021.
أسّست في صيف عام 2020 منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثّقافي، الذي كانت باكورة إنتاجه المجموعة الكاملة لوالدها الراحل شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده، وهي تقع في ستّة أجزاء.
ناشطة ثقافيّة حضّرت و شاركت في إحياء ندوات وأمسيات أدبيّة وشعريّة عديدة في طرابلس والكورة وبيروت.
عضو مشارك  في منتديات ولقاءات ثقافيّة عدّة.
شاعرة أنيقة تكتب الكلمة التي تحاكي الروح ، وبحبرها المبدع حجزت مقعدها في الصفوف الأمامية من الإبداع .

المهندسة ميراي عبدالله شحاده:

ليس الشعر سوى هندسة الكلمات في صرح عاطفيّ عظيم وإلهيّ

*من هندسة الميكانيك وتوليد الطاقة وتكرير النفط إلى كتابة الشعر المرهف.
متى وكيف قرّرت ميراي أن تطيرَ على جناحي الكلمة؟


كنت طفلة صامتة في صغري يسكنها بركان متأجج بالأفكار الخارجة عن المألوف، أي لم أنتمِ يوماً إلى بنات جيلي؛ كنت أتوق للّعب و الغنج كباقي الأطفال أو المراهقات، لكنّ انكبابي على ولوج مكتبة والدي، حتّى لو لم أكن أفهم ما أقرأ، كان شغلي الأوحد وتسليتي الوحيدة: أمضي ساعات وساعات في غرفة والدي، بعد رحيله، أتفحّص خطّه على بقايا وريقات صغيرة وأقرأ هنا وهناك رسائله المتبادلة مع أصدقائه و مخطوطاته الموضّبة في درج مكتبه الّتي كانت في انتظاري حتّى أكبر و أحرّرها من أغلال الزمان والمكان. في العاشرة من عمري، فقدت والدي …. وبدأ حلمي يتبلور في وعيي كالبدر كاملاً، فصمّمت وخطّطت  وآمنت أنّ يوماً ما سيقوم والدي من رقاده وسيخطب فينا من جديد. تلك كانت الريح العاتية الّتي طيّرتني من دائرتي الصغيرة فحملت في قلبي حبّاً ووفاء لأبي وأمّي رحمهما الله، وشغفاً أكبر من أن أدفنه في داخلي فتفجّر وانبلجت معه شمس جديدة سطعت في حياتي الثقافيّة. في 2016، قرّرت جمع الآثار الكاملة لوالدي وأمام حجم وضخامة العمل، حزمت أمري أن أنشر بعض من خواطري الشعرية و كتاباتي النثرية محاولة منّي أن أتعرّف على كيفية الطباعة والإخراج والنشر. وكيف لا! فأنا أمام عالم مجهول لم يعرفني ولم أعرفه قط. وابتدى المشوار… أنا التي أدمنت حبّ دراسة الحركة الفيزيائيّة و التحليلات الكيميايّة والرياضيات فتخصّصت في هندسة الميكانيك، فهي كالشعر لا تعرف الركود ولا تعرف السبات…. فليس الشعر سوى هندسة الكلمات في صرح عاطفيّ عظيم وإلهيّ. هكذا “قررت أن أطير” فكان مولودي الأوّل في 2017 ليس سوى تجربة لأتعلّم منها وبها حتّى لا أخطئ في طباعة آثار والدي، وجلّ من لم يخطئ…

*أنتِ ابنة شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده .
هل شكّل لك هذا الأمرُ تحدّيًا لاثبات نفسك بعيدًا عن إرث والدك العظيم؟


كانت أمّي تقول لي وإخوتي: لا تفعلوا هذا أو ذاك، وأحسنوا التصرّف هنا وألف لا ولا كانت تثنينا بها عن صغائر أمور كثيرة. وتردّد وتقول:”أنتم أولاد عبدالله شحاده، شاعر الكورة الخضراء”. كبرت وشمخ فيّ هذا التّرفع… لم أعِ ما كانت تردّده أمّي حينذاك حتّى كبرت وقرأت والدي في شعره وأدبه وفكره…. صدقاً، لم يكن يوماً طموحي أو حلمي أن أُعرف كأديبة أو شاعرة في الوسط الثقافي، فدفاتر مذكّراتي تعجّ منذ نعومة أظافري بالخواطر والومضات المؤثّرة وقد كنت من المميّزين في مدرستي في الإنشاء واللغة العربيّة. امتلكت اللغة لا بل امتلكتني فأنا ولدت عاشقة مأخوذة هائمة بهذه اللغة. ما استهواني كثيراً، هو الإعلام الثقافي وإدارات الندوات الأدبيّة …أثبت نفسي في الأعوام الخمس الأخيرة فأصبحت دون أن أدري هذه الشاعرة البرعم الّتي تهوى تقديم الأمسيات فتنسج من خيالها ومن فؤادها لكلّ أديب أو شاعر وفيلسوف وشاحاً شعريّاً خارجاً عن رتابة التعريف وإدارة الحفلات الثقافيّة. ورافقني اسم عبدالله شحاده إلى جانب اسمي، فكان البساط السحريّ الذي حلّقت به ومعه إلى القمم والأعالي. التّحدي الكبير كان بالنسبة لي هو أن أجمع الآثار الكاملة لعبدالله شحاده وأن أعرّف الناس به من جديد. وهو القائل:
“ستدفنني أيدي المنون بتربتي / ويبعثني شعري فأحيا اللياليا”

*أسّست في صيف عام2020 منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثّقافي الذي أصبح في جعبته أحد عشرة كتاباً.
كيف استطاع المنتدى في سنة واحدة القيام بهذا العمل الجبار؟


يقول المفكّر والفيلسوف الصّيتي كونفوشيوس: “حيثما ذهبت، فاذهب بكلّ قلبك”. وأنا قد ذهبت بكلّ عقلي وقلبي وروحي ولم أترك شيئاً روحانيّاَ أو ماديّاً إلّا ووظّفته لإنشاء هذا المنتدى. بعد إصدار المجموعة الكاملة لآثار والدي، وجدتني فارغة وأنا الّتي تضجّ في جعبتها الأفكار والأحلام.  فما أردته من خلال إصدار هذه الكتب إلا تكريم الأدباء من خلال ذكرى والدي وتكريم والدي من خلال إصداراتهم. طبعاً، نحن في ظروف اجتماعيّة واقتصاديّة قاهرة، لكنّني ابنة الأمل والقيامة فأنا أؤمن بالعجائب وأرتقب دائما سخاء القدر معي.

*كيف يساهم التعاون بين المنتديات والجمعيات الناشطة في المجال الثقافي على إيجاد وتطوير دينامكية فكرية وإبداعيّة في الساحة اللبنانيّة خاصة والعربية عامة؟


من أبرز أهداف المنتدى، هو دعم التّثاقف بين الحضارات والتّنوع الفكري والمساهمة في تفعيل التّراث الثّقافي والمحافظة عليه وتشجيع الإبداعات في اللّغة العربيّة في جميع المجالات وخاصّة الإبداع الشّبابي في الأدب والشّعر والرواية. والتّواصل مع مختلف الجمعيات النّاشطة في المجال الثّقافي، الأدبي والعلمي وهذا لنشر الثّقافة ودعم ثقافة الحوار مع الآخر وتبادل الخبرات.
لقد شاركنا الصيف الفائت 2020 في معرض الكتاب السنوي في طرابلس، ورغم الكورونا، أنشأنا صالون أدبي حيث تمّ فيه توقيع أكثر من ستة كتب لبعض الأصدقاء الشعراء. وسنشارك ان شاء الله بنشر كتب المنتدى الصادرة حتى الآن في معرض الكتاب في مصر أواخر حزيران  2021. ونحضّر حاليّا لحفل تكريميّ ضخم للعلّامة د. ياسين الأيّوبي في 27 أيار في الرابطة الثقافيّة في طرابلس، هذا الرجل الذي تعدّت مؤلفاته المئة كتاب وقد خصّصه المنتدى بإصدارين، ديوان شعري ودراسة نقديّة عن آثار والدي.
ونتواصل حاليّا مع مركز رؤيا الثقافي في مخيّم نهر البارد في دعم نشاطات فنيّة وثقافيّة…. همّي الوحيد هو المحافظة على مستوى راق في نشاطات المنتدى لنرقى جميعنا مع جمال وأصالة الكلمة .

*على أيّ وترٍ يعزف الشاعرُ ليُمَوسقَ قصيدته التي كثيرًا ما تنطبعُ في وجدان المتلقي بصمةً لكل العمر؟


الشّفافيّة والصدق في ترجمة المشاعر بلون الحبر المتجسّد على الورقة البيضاء هما أبرز الأوتار التّي تخلّد قصيدة الشاعر في وجدان المتلقّي. فكثيرة هي الأبيات المجوّفة والعبارات المدبّجة تصدح في أوانها لكنّها لا تعيش ولا تتسرمد عبر الأمكنة والأزمنة.
القصيدة ليست برصف الكلمات ولا تشيّد بصرح من قاموس المفردات، بل هي أبسط من ذلك بكثير، كما الطبيعة في سهولها وجبالها وحتّى في أدغالها, نقاء وعمق وفوضى ألوان وبعثرة مشاعر، كلّما اتّسمت بالبساطة والعفويّة والصدق كلّما دام نبضها ووصلت إلى قلوب عديدة. هي كما الطفولة في براءتها، شقيّة وصادقة في آن واحد.
 


*في بلاد وأدت الأمل والحلم، كيف يتنفس قلم الشاعرة ميراي شحادة الحياة؟


القلم دائماً يحتاج إلى الألم، حتى يزهر فرح القصيد وتنتشي أقاحي الشعر. وإن لم يوجد مساحة للحزن، يبتكرها الشاعر عينه! فكيف في بلادنا الحزينة الأليمة التّي لا تتنفّس سوى رائحة الكدر والشقاء. الشعراء هم مؤرّخو ملوديا الوجع وهم المتجدّدون في مشاعرهم، يحفرون عميقاَ عميقاً ويسبرون أغواراً لا يصلها أحد غيرهم.
أنا اليوم، يكتنفني وجع عروبتي و يدميني شقاء لبنانيّتي، فهويّتي مهمّشة وكياني في أغلال سياسية اقتصاديّة اجتماعيّة صدئة مهترئة. عبر قلمي، أثور وأنتفض…. أخوض حروباً فوق ساحات أوراقي وأموت حتى أعيش…أفتح السجون في لاوعيي و أغنّي الإنسانيّة والحرّية والكرامة وأرفض إذلال أخي الإنسان في كلّ أقصاع الأرض. يقهرني الطامعون والجشعون الذين لا يشبعون ولا يرتوون في بطشهم واستبداداتهم اللامتناهية. إنّه عصر الصراعات الكونيّة علّناا نصنع منه الإبداعات الثقافيّة فنعبر إلى ضفاف السلم والأمان.
 


*يقول أدونيس: “الإقامة أينما كنا مؤقتة غير أنها دائمة في الشعر”
ما هي حدود مملكتك الشعريّة؟


لا حدود مع الشعراء… فهم مجانين عقلاء لا تكفيهم جغرافيا واحدة ولا تاريخ واحد ولا يرضيهم لون واحد… برج الشعراء عالٍ  جدّاً، وكلّما أدركوا أعاليه، راحوا يفتّشون عن الأعلى والأعلى…. ربّما الكون بأكمله لا يتّسع لنبض مشاعرهم وسيل حبرهم. أنا مثل هؤلاء، أهيم وأطير وأرحل ثم أعود لأعيش ناسكة في أروقة مشاعري وأشعاري.

*ما هو جديدك؟  وإلى أي عنوان سيسافر معك قرّاؤك؟


أصدرت حديثاً ديواني الثاني “بوهيميّة” بعد الأوّل “يوم قررت أن أطير”. هو مولودي الجميل فانا اليوم هائمة منتشية به، أحاول على متنه السفر إلى سماء الحب لأقطف لكلّ قارئ نجمة من الأعالي وأضيء بها ولو للحظات قلباً متيّماً وفكراً شريداً وروحاً عطشى للهوى والأمل.

*أترك لك الختام مع قصيدة تهدينها لقراء كواليس .

ختاماً، أشكرك سيّدتي الأديبة المثقّفة رانيا مرعي. لقد أبدعت في سبر أعماقي بأسئلتك المتوهّجة فكراً ونوراً. لعلّني أجدت رفع النقاب عن خفايا روحي وأجبتك بكلّ شفافيّة من أكون.
تحياتي لك ولأسرة مجلّة كواليس التي أكرمتني بهذا الحوار الشائق مع قلمك البديع. وأهدي قرّاءنا الكرام جديد أعمالي، قصيدة “أنا امرأة من ضباب” من ديوان بوهيميّة:

أنا رغيف خبز
من طاحونة الوجع قمحي،
ومن ندى الزّهر دمعي!
أنا مُقلٌ يتيمة:
لا أب يحاكيها
ولا أمّ تغطّيها
في غسق الألم!
 
أنا يا حبيبي،
خيوط شمس تمزّقت على عتبة الشّتاء،
وفي عزلتها،
طفلة كبرت رغمًا عنها.
اكفهرّ لون الحبّ في عينيها
واحتضرت مواعيد الهوى في روزنامتها…
غرقت على أرصفة العمر من دون طوق نجاة،
تغزل من خيوط العناكب ومن غبار الحنين
معطف وحدتها…
 
أنا يا حبيبي
أتوارى خلف ابتساماتي الصّفراء،
أدّعي الأفراح وأرقص وجعًا بكبرياء!
ربيعي ذابل وفي داخلي مساء،
لا قمر فيه ولا ضحى رجاء!
 
أنا قرع طبول في أديم الفناء،
لا تسمعني سوى كلماتي وتسجّيني ستائر العراء!
أنا ومَن أنا؟
أنا امرأة من ضباب!

شاهد أيضاً

معركتنا مستمرة حتى تنتصر غزة

محمد القيري خرجت مسيرات في جميع محافظات الجمهورية منذ صباح اليوم وحتى المساء نصرة لغزة …